((عزيز)).. ما هو يتيم.. |
كانت الدادة منكشة، كما تجيئنا بأخبار الزقاق، هي التي تعتمد عليها أمي غالبا في التسوق... في شراء اللحم والخضار والسكر والشاهي... فكان من أخبارها أيضا، اسعار هذه المواد التموينية في السوق... لا تكاد، تضع (الزنبيل) جانبا، حتى تسترد انفاسها اللاهثة، ثم تشرع في كلامها عن اسعار هذا أو ذلك من المواد التي اشترتها. ثم، وهذا هو الاهم، تمديدها إلى صدرها، لتخرج كيسا، تستخرج منه قطع النقد التي بقيت لديها من (المجيدي) أو (نصف المجيدي)... وبمرور الأيام أخذت الاحظ. أن أمي لا تخفي قلقها ولا تتردد في أن تحاسب منكشة على ما انفقته... فإذا تناولت منها قطع النقد وكلها من النيكل أو النحاس، تحرص على أن تنهض، لتضعها في ذلك الصندوق الذي يحتل مكانه في الجانب الأيسر من الباب، منذ اشترته مع ما اشترت من الاثاث. بعد ان استلمت أجره الدكانين في زقاق الزرندي. |
ومع أننا ـ أمي وأنا ـ لم نعد نعاني من ذلك الجوع، الذي عرفناه في حلب، بل لقد أصبحنا ننعم بوفرة المآكل وانواعها التي تتفنن في طهوها أمي أحيانا، ثم منكشة في كل يوم... مع ذلك فقد أحسست أن أمي لم تنس تلك الأيام، وانها كلما تناولت من (منكشة)، قطع النقد الباقية من (المجيدي أو نصفه)، تأخذ في عدها، وهي تقول لمنكشة كلاما بالتركية، لا أفهم منه شيئا في الواقع، ولكني احرز أنه عن الذي بقي، من الجنيهات العسمنلي الستة... ثم كاد يكون مألوفا عندي، أن أسمع أمي تقص على منكشة حكايا، الجوع، وتلك الأكلات التي تعلمت تجهيزها من (عصير الرمان الحامض والملح) أو من الطماطم، والخيار والليمون، ـ وأحيانا، (الجبن)، نتناوله مع تلك الارغفة الصغيرة الجافة، من خبز الشعير أو (الكِرْسنّة)... ولا تكاد تنتهي احدى هذه الحكايات حتى تأخذ في حساب الشهور الباقية على أول السنة، وهو الموعد الذي يتجدد فيه ايجار الدكانين، اذا قرر المستأجر هذا التجديد. كان واضحا، وأدرك منذ ذلك اليوم، أن الجوع... أو معاناة هذا الجوع لأي سبب بعد العودة من الشام، هو الرعب الأعظم الذي تعيش أمي كوابيسه، كلما تناقص الباقي من الجنيهات. |
كانت منكشة من جانبها، لا تخفي قلقها هي أيضا، ولكنها تنتهزها فرصة لتتسلل إلى موضوع أبي الذي لم يعد، ولا نسمع عنه أخبارا من اي نوع، ثم ارى صوتها ينخفض، وتدير حملاقيها نحوي حيث اجلس، اذ يهمها أن لا أفهم أنا، ما ستقوله، في الموضوع... ولكن أمي تسرع إلى صرفها عن الكلام، حين تقول، بنبرة فيها حدتها المعتادة وبالعربية |
:ـ. الف مرة قلت لك، ما ابغاكي تجيبي هادي السيرة. |
ولعلى اليوم، بعد الذي ابحرت ورسوت عنده من مراحل العمر ـ لا أظلم أمي رحمها الله، اذا قلت اني، أصبحت أحرز، أنها تقول هذه الجملة، وبتلك النبرة الحادة، ولكن لا تخفي في نفس الوقت، نوعا من الاهتمام بالحديث... ولذلك، فقد كانت المرة الاولى في اطار هذا الموضوع، والحوار الذي يدور، أو هو الكلام حوله من جانب منكشة... التي وجدت أمي، تساير منكشة في رغبتها ان لا أفهم ما ستقوله، فتقول لي: |
:ـ. انت لابد إنك، طفشان يا عزيز من البيت... ما تبغا تروح تلعب، عند دكان عمّك صادق؟؟؟؟ انا شفت أولاد، بيلعبوا هناك كل يوم. |
ولي ان ازعم، اني كنت اتمتع، في تلك السن الصغيرة، بذكاء يكفيني لادراك، ان منكشة، ستقول كلاما ما لا تريد ان افهمه انا... ولكن أمي لا تكره ان تسمعه... وهو بالتأكيد عن ابي وحكاية انه لم يعد... ولم نسمع عنه اخبارا من اي نوع. ولم يكن يهمني ان افهم شيئا... واقتراح أمي بأن اذهب إلى رأس الزقاق، حيث دكان العم صادق، والاولاد الذين يلعبون، كان عندي أهم الف مرة من كل هذا الكلام... ولذلك، ما كدت اسمع هذا الاقتراح حتى اسرعت انهض، لاتجه إلى الباب... ولكن ها هو صوت أمي يستوقفني وهي تقول: |
:ـ. لا تمشي حفيان... البس الكندرة... ولا تلعب في التراب... وتعال... تعال خد عشان تشتري حلاوة (سكرية).... |
ولا اتردد في ارتفاق (الكندرة)... واتناول منها قطعة نقد من النحاس، ثم انطلق إلى راس الزقاق، عند دكان العم صادق... وهناك... كان الاولاد يلعبون فعلا... واذكر اني لم اجرؤ في بادي الأمر، على المشاركة في اللعبة التي تعلمت فيما بعد ان اسمها (بِرْبِرْ).... اخذت مجلسي على طرف دكه دكان العم صادق... حيث التفت اليّ، وهو يقول: |
:ـ. اقعد عندك... ايوه عندك... وقللي... أمّك ما جاها مكتوب من ابوك؟؟؟ وادهشني في الواقع، ان يهتم حتى العم صادق بحكاية ابي... وفي نفسي قلت: (لابد ان السبب، هو انه لم يمت، كما مات جدي وغيره في الشام). ثم التفت إلى العم صادق وقلت: |
:ـ. لا... أمي ما جاها مكتوب من ابويا... ودادة منكشة، قاعدة تهرج معاها عن ابويا في البيت... |
ثم اخرجت من جيبي قطعة النقد النحاسية الحمراء، وقدمتها اليه وأنا اقول: |
:ـ. أمي قالت اشتري بها حلاوة (سكرية). |
وتناول العم صادق القطعة، وهو يقول: |
:ـ. بكل هادي الفلوس حلاوة سكرية؟؟؟ أبشْر... وجهّز قرطاسا كبيرا من الورق ملاه بحبات هذه الحلاوة السكرية بلونيها الأبيض والأحمر... وهو يقول ضاحكا: |
:ـ. اصحا العيال يشوفوها... |
:ـ. ليه ما يشوفوها يا عمي؟؟؟ |
:ـ. كل واحد يجي يقول لك: (هات...) واللي ما تعطيله منها يمد يده بنفسه وياخد من القرطاس... وبعدين تروح البيت، وما عندك ولا حبة. |
وكان القرطاس كبيرا فعلا... بحيث كان لا يمكن ان ادخله في جيبي الصغير... ولذلك ظللت احمله في يدي... ولم تمض سوى لحظات.. حتى رأيت أحد الاولاد يقف إلى جانبي وهو يقول موجها الكلام إلى العم صادق. |
:ـ. هادا ولد مين يا عم صادق؟؟؟ |
:ـ. ولد واحد رجال ما تعرفه. |
:ـ. طيب... وساكن فين؟؟؟ |
وتتغير نبرة العم صادق، وهو يقول. |
:ـ. الله؟؟؟ وانت ايش لك شغل؟؟؟؟ ما تمشي في حالك.. |
:ـ. وهنا... تقدم الولد مني وهو يقول: |
:ـ. هيا... هات... انا أبغا الحمرا. |
وأخذت أمد يدي في القطراس المفتوح، لأعطيه، عندما رأيت ولدا آخر، ثم ثالثاً يقفون حولي... وكل منهم يقول: |
:ـ. وانا كمان... وانا كمان ابغا الحمرا... |
ورفع العم صادق صوته ينتهرهم... ولكن الأول من هؤلاء الاطفال، وكان اكبرهم أخذ يقول: |
:ـ. يا عم صادق... هوه يبغا يعطينا... وبكرة نحن كمان نشتري ونعطيله. |
وضحك العم صادق وهو يقول موجها كلامه إلى: |
:ـ. اصحا يضحك عليك بهادا الكلام... شيل قرطاسك وروح عنهم... روح البيت... ولكني، كنت امر بتجربة هي الأولى من نوعها... ولم أشعر نحو الأطفال حولي بتلك المشاعر التي لا أنساها مع الأطفال في حلب... حيث كانوا يتضاربون... وكل منهم يحاول أن يطرح الآخر على الأرض... أحسست، كأني انتقل بذاكرتي ومشاعري نحو تلك الأيام، حيث كنا نعيش في البيت، الذي ماتت فيه خالتي، وجدي، ثم في بيت الجيران والرعب الذي لم نعرف الخلاص منه الا بعد أن وصلنا إلى بيتنا هذا في (زقاق القفل)... ويبدو ان هذه الذكريات قد استغرقتني، اذ لم، اشعر بالايدي التي أخذت تمتد إلى القرطاس وتأخذ منه حبات الحلوى السكرية.. ثم بالعم صادق وهو يرفع صوته منتهرا... وهو يقول لي متوترا: |
:ـ. قلت لك شيل قرطاسك وروح عنهم... روح البيت... |
وقبل ان اتحرك... انزلق القرطاس بما فيه على الأرض... وتناثرت حبات الحلاوة كلها فاذا بالاطفال الثلاثة، وآخرين تركوا لعبتهم، واندفعوا يلتقطون حبات الحلاوة، متزاحمين، وكل منهم يسبق الآخر في عملية الالتقاط، حيث يضع واحدة في فمه... وأخرى، في جيبه... وكل ذلك مع ارتفاع أصواتهم، وضحكاتهم، وما هي الا لحظات حتى كانت جميع حبات الحلاوة قد انتقلت إلى جيوبهم... ولم يسع العم صادق ان يفعل شيئا، سوى أنه التقط من احد ارفف الدكان (خيزرانة) طويلة معقوفة، ورفعها يهددهم بالضرب... |
انصرفوا... أو هم ابتعدوا عني وعن الدكان... واكبرهم يقول: |
:ـ.؟ بكره... بكره لما نشوفه، نعطيله... وما هو حلاوة سكرية بس... نعطيله حمص وفشار وكمان انا أجيب له (نبق) من ألسدرة اللي في الحوش عندنا.. |
لم أشعر بغيظ، أو غضب... رغم أن العم صادق كان ثائرا إلى أقصى حد... ورفع صوته يقول لهم: |
:ـ. ما تروح لك يا يحيى... وانت يا حمزة... ابوكم دحين يجي واقول له على كل اللي حصل. اقول له انو ما عندكم تربية.. ولا أدب... ولازم... |
وعادوا جميعا إلى لعبة (البِربِر)، وإلى الصخب فيما بينهم... إلى أن ارتفع صوت الآذان لصلاة الظهر.... فإذا بهم يسرعون في الانصراف، متجهين نحو زقاق، عرفت فيما بعد أنه (زقاق الحبس)... وانه الذي ينتهي إلى ساحة اسمها (دار الضيافة)، ومنها إلى مبنى (كهرباء الحرم)، وباب المجيدي من أبواب الحرم النبوي الشريف. |
ومنذ ذلك اليوم، عرفت طريقي إلى (الزقاق)... وإلى اللعب في الزقاق كما يلعب أولئك الذين يلعبون فيه من الأولاد.... وعرفت بطبيعة الحال اسماءهم، بل وأسماء عوائلهم الذين يسكنون حي الساحة، والأزقة المتفرعة من شارعها الكبير. ولم يكن يخطر لي ببال أبدا، ان هناك يوما، ننقطع فيه عن اللعب في الزقاق... منذ الصباح الباكر، وإلى أن نسمع آذان الظهر... ثم منذ صلاة العصر، إلى المغرب... بل وأحيانا إلى ما بعد غروب الشمس... وإما ارتفاق الحذاء، كما هي أوامر أمي رحمها الله، فقد أصبح في خبر كان.... كنت ارتفقه أمامها، حين أخرج من المجلس، أو من المكان الذي نكون فيه... ثم لا أكاد أصل إلى باب الزقاق كما نسميه في العادة، حتى أخلعه، وأعالج اخفاءه بطريقة ما لئلا تراه منكشة أو أمي،... وكان هذا التصرف، شيئا لابد منه مع الأولاد الذين العب معهم لأنهم كانوا جميعا يلعبون حفاة، ويضايقهم كل من يرتفق حذاء... لأن أنواع الألعاب التي نمارسها، قد تستلزم تصادم الاقدام، والسوق، وفي هذا التصادم تتعرض قدم الحافى، إلى الألم البالغ، الذي يستتبع (المضاربة) وسيل الشتائم، إلى جانب الاصرار على المقاطعة، فلا يلعب مرتفق الحذاء، حتى يخلع حذاءه.... وكانت المشكلة في العودة إلى المنزل، وما أتوقعه من العقاب، إذا اكتشفت أمي أني كنت طوال الوقت العب حافيا... ولذلك، كنت ألجأ إلى فنون من التصرفات، التي تخفى كل أثر لهذه المخالفة أو هي (الجريمة) في منطق أمي رحمها الله... وآخر ما تفتق عنه ذهني، هو أن أستعين بأبريق املؤه ماء، واخفيه مع الحذاء في الدهليز... فإذا عدت، وبدون أن أطرق الباب... اتسلل، واغسل رجلي بالماء من ذلك الأبريق، ثم ارتفق الحذاء، ثم اطرق الباب، لأوهم منكشة، اني جئت في تلك اللحظة... والعجيب ان هذا اللعب قد استهواني، فلم أعد اهتم كثيرا بالجلوس مع السيدات اللائي يزرننا، أو اللائي تذهب أمي لزيارتهن... وحتى (بدرية) أصبحت لا أشعر نحوها بتلك المشاعر الغامضة التي كانت تلازمني، وتجعلني اتوخى ان اراها، عندما تجي إلى أمها الخالة فاطمة... كنت افرح كثيرا، حين أسمع أنها عند أمها، ولا أتردد في الذهاب إليها، متسللا، فلا تكاد تراني، حتى تتألق على محياها تلك الابتسامة الحلوة، وتأخذ في ممازحتي... والسؤال عن أمي... وهي أيضا أصبح لها ذلك السؤال التقليدي عن أبي هل تلقينا منه رسالة أو سمعنا عنه خيرا... وأشعر بالضيق، ولا إجابة عندي إلا أننا لم نتلق ولم نسمع شيئا... فأرى كيف تبدو وكأنها مشفقة أو حزينة علي... |
وفي أحد هذه الأيام التي اقضيها في اللعب مع الأولاد، ومنطقتنا المختارة هي تلك التي يقع فيها دكان العم صادق... أو زقاق الحبس... وأحيانا مدخل زقاق القفل. |
... ناداني العم صادق... وقال:ـ. |
:ـ. اسمع يا عزيز يا ولدي... قول لأمك... الليلة بعد المغرب، البنات يبغوا يجو يهرجوا عندها... سامع؟؟؟؟ |
وأسرعت اجيبه بأني... سامع... فعاد يقول:ـ. |
:ـ. ترى اصحا تنسى... يعني أمك لا تخرج، ويجو ما يلتقوها.. |
ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي يزرننا فيها بنات العم صادق... وقد قمنا نحن أيضا بزيارتهن... أكثر من مرة... ولكن تأكيد العم صادق على ضرورة انتظارهن جعلني اتوقف عن اللعب، واذهب إلى البيت... وامارس عملية ازالة آثار المشي حافيا، ثم أخبر أمي بما قاله العم صادق... وأضيف... أنه حذرني بألا أنسى... |
وكانت منكشة، تسمع ما أقول، فأخذت تتحدث إلى أمي بالتركية كلاما لم أفهم منه شيئا، ورأيت وجه أمي يبدو حانقا أو مشمئزا وهي تجيبها بكلام لم تخل نبرته من حدة.. وعندما التفتت الي... قالت: |
:ـ. روح قول لعمك صادق... (يا مرحبا بهم...). |
ولا أخفي، اني شغلت بالموضوع، منذ سمعت ذلك الحوار بين أمي ومنكشة باللغة التركية... ورأيت ما بدا على وجه من الحنق والضيق... |
وعندما كان صوت المؤذن يرتفع بآذان المغرب، أسرعت إلى البيت، وفي ذهني هذا الاهتمام بمجييء البنات كما يسميهن أبوهن.. |
وكانت أمي قد دعت الخالة فاطمة لزيارتنا هي أيضا، ولم يطل انتظارنا، اذ كانت الخالة فاطمة أول من جاء... لأن البيت امام البيت... وما كادت تراني، حتى ابتسمت وقالت:ـ. خالتك بدرية، دحين تيجي... خليك عند الباب، عشان تطلع معاها. |
* * * |
وقد حرصت، بعد أن عمر المجلس ببنتْي العم صادق، والخالة فاطمة، وبدرية التي انتظرتها عند الباب، وصعدت معها إلى المجلس... حرصت على أن لا اغادر مكاني فيه... وعلى الأخص حين لاحظت أن البنتين تتهامسان.... وتشترك في المهامسة الخالة فاطمة أيضا وكان واضحا ان الهمس أو المهامسة، لأنهن لا يردن أن أسمع أنا شيئا مما جئن لأجله.. ولكن كان واضحا في نفس الوقت، أن أمي متوترة، وأنها تشعر بضيق لم تستطع أن تخفيه طويلا اذ سمعتها تقول:ـ. |
:ـ. يا خالة فاطمة... بنات العم صادق، زي ما سبق اني قلت لك، جيين يقولوا الكلام اللي سبق انهم قالوه... |
وكانت الخالة فاطمة، متأهبة للموضوع، فلم تكد تسمع أمي، حتى قالت: |
:ـ. يا فاطمة يا بنتي... انا سألت عمك محمد سعيد.. وهوة سأل الشيخ الكماخي وقاطعتها أمي تقول: |
:ـ. لكن يا خالة فاطمة... أنا... قلت لك... قلت لهم كمان... انا ما يمكن اتجوز الا لما يجيني خبر أنو زاهد مات.... |
وقالت الخالة فاطمة: |
:ـ. وعمك محمد سعيد قال ان الشيخ الكماخي قال هادا الكلام... ما يمكن تتجوزي الا اذا ثبت بشهادة الشهود أنه مات... |
وهنا قالت احدى بنتي العم صادق وهي تبتسم: |
:ـ. بس يا خالة فاطمة... هادا المذهب الحنفي... وأبويا يقول... |
وقاطعتها أمي بحدة:ـ. |
:ـ. يا أختي، بدون ما نطول الكلام... انا ما ابغا اتجوز.. لا اذا مات... ولا إذا كان... وقالت الفتاة: |
:ـ. الخطيب اللي موسَط أبويا... تاجر كبير... استلم تجارة ابوه اللي مات في الشام... ولو شفتيه.. |
:ـ. يا أختي... الله يسلمك... خلاص ما ابغا اسمع هادا الكلام.. |
* * * |
ومنذ تلك الليلة... أصبحت الصورة واضحة تماما... انهم يقترحون على أمي أن تتزوج وأن هناك من يخطبها لنفسه، وقد وسَّط العم صادق، الذي سبق ان قال ان بناته سمعن الكلام الذي فرحن لأمي به.... |
وبدأت أشعر من جانبي، بالدوامة الرهيبة التي أخذت تلتف على حياتي... على ذهني... وان كانت أمي، قد حسمت الموقف برفضها الصريح بل والعنيف أيضا... وزادت بعد أن خرجن، ان أخذتني في حضنها... ورفعت وجهي بين يديها.. وأخذت تقبلني... وملء عينيها الدموع. |
|