موت ((عبد
المعين)) قبل أن يراه أبوه |
ولا أستطيع أن أتذكر اليوم، كم من الأيام ظللنا جميعا نتوقع أن يطرق الباب، وأن يكون عبد الغني هو الذي يدخل... وكانت أمي
على الأخص، هي التي لم يبدُ عليها أنها يائسة، أو لعلّها، ظلّت تفضّل أن تتظاهر بانها لم تقطع الأمل، خوفا على ما يمكن أن تتطور إليه حالة خديجة، وقد اشتدت عليها العلّة بحيث لم يعد في وسعها أن تعنى بابنها
فتضطر أمّي إلى التواجد إلى جانبها أطول وقت ممكن،، تأخذ الطفل وتبتعد به عنها،، حيث تجرّعه الأدوية، أو الحليب، الذي قامت (لتافت باجي) بتنظيم تزويدنا به كل صباح، بفضل عميلٍ لها قالتِ أنه لم ينقطع
عنها الا فترة قصيرة، بعد الحرب، ولكن مشكلة الطفل لم تكن في الأدوية التي يتجرعها أو الحليب، وإنما في حالة (الإسهال) التي لم ينجح أي علاج في القضاء عليها. كانت صحة المسكين تتدهور يوماً بعد يوم...
نتأت عظام وجنتيه،، وغارت عيناه، واتسعتا تحت جبهة ينسدل على جزء منها شعره الأشقر الغزير وتبدو كأنّها اتسّعت ونتأت هي ايضا،... وقد ادركتُ، مع الأيام بعد فترة من الوقت قصيرة في حلب، أن الجوع
هو الذي أحال العشرات أو المئات من الناس الذين نراهم في الشوارع إلى نفس الصورة، التي انتهت إليها صورة عبد المعين... العظام الناتئة، والعيون المحملقة الغائرة، والوجوه الممصوصة الصفراء، والأعناق
الرفيعة التي تكاد تنوء تحت الجماجم أو الرؤوس... |
ويبدو، أن الأطفال يختارون، أو الأصح أن الله سبحانه يختار لهم أن يموتوا في الليل... هذا ما حدث يوم مات عبد الغفور... كنت
نائما ولم أعرف أنه مات، الا بّعد أن استيقظت في الصباح، ورأيت أمي وخالتي تبكيان، ولا أثر لعبد الغفور الذي أخذه جدّي إلى المقبرة... وهو ما حدث بالضبط، مع عبد المعين... فقد استيقظت في الصباح لأسمع
من أمّي وهي تبكي وتواسي خالتي بكلام فهمت منه أن عبد المعين قد مات.. وقد أخذه جدي إلى المقبرة كما سبق ان أخذ عبد الغفور... ومرة اخرى تذكرت أولئك الموتى الذين رأيتهم تحملهم العربات في
الشوارع ليدفنوا ـ كما قيل لي ـ في حفر كبيرة تتسع لهم جميعا... كما تذكرت جدّتي وهي أول من سمعت أنها ذهبت إلى الجنّة، وبعدها عبدالغفور، واليوم عبد المعين ومازال الجواب الذي أسمعه من أمّي، وكذلك
من (لتافت باجي) التي جاءت وأخذت لنفسها مجلسا على الأرض بجانب السرير الذي تكوّمت عليه خالتي بوجهها بين يديها وركبتيها... الجواب الذي يقول أنهم الآن ـ بعد أن ماتوا ـ أصبحوا في الجنة،
بأشجارها وأزهارها وينابيعها وأطيارها.. وقد ينبغي أن لا أخفى، أنى ظللت أتساءل بيني وبين نفسي، كلمّا سمعت هذا الكلام: كيف؟؟... كيف تتم الرحلة أو الأنتقال إلى الجنة بعد أن يدفنوا.. وعلى الأخص
جماعات، في تلك الحفر.؟؟؟ وسؤال آخر، كان في هذا اليوم أشد الحاحا على ذهني، وهو:ـ ترى كيف يطيق هؤلاء الذين يدفنون في هذه الحفر، ومنهم عبد الغفور وعبد المعين، أن يظُلوا مدفونين ويلتزموا الصمت،
فلا يطلبون العودة إلى أمّهاتهم وذويهم؟؟؟ |
لم يعد جدّى مبكرا... وحين دخل علينا قبيل صلاة العصر، كان مرهقا متوتّرا، عاقدا أو مقطبا حاجبيه الكثين... أسرع إلى غرفتهو،
وأسرعت من جانبي أملأ له ابريق الماء كما هي العادة.. ولكنّه قبل أن يصلىّ.. ذهب إلى غرفة خديجة، وكانت ماتزال أمي و (لتافت باجي) جالستين معها إلى جانب سريرها... نهضتا حين دخل، وهمّت خديجة أن
تنهض له أيضا... ولكنّه أسرع إليها.. احتضنها إلى صدره.. وهو يجلس إلى جانبها، كان يتجلد ويكبت الدموع التي تكاد تنذرف من عينيه المحمرّتين... لم يقل كلمة واحدة... ولكنّه ظل يحتضنها إلى صدره، في
صمت لم يجرؤ أحد منا أن يقطعه بأي كلمة.. |
وغادر الغرفة دون أن ينبس بكلمة واحدة.. لحقتُ به إلى غرفته، وفي نفسي أن أسأله هذه الأسئلة التي مازالت تلوب في ذهني عن
الموتى، والحفر التي يدفنون فيها، والجنة التي ينقلون إليها.. وكيف؟؟؟ الخ... ولكن لا سبيل اطلاقا.. التزمت الصمت كما هي عادتى حين أكون بحضرته... وبعد أن أدى صلاته، وتلا أدعيته، التفت إليّ وهو
يقول: |
:ـ. أنت دايما... هناك.. مع خالتك... مسكينة خديجة، لازم أنت معها. |
وفهمت ما يقصد... يريد أن لا أفارق خالتي... كأنهّ يتعشّم ان يخفّف وجودى إلى جانبها من لوعتها وحزنها على عبد المعين... ولم
يُبعِدْ في تقديره... فقد وجدت خالتي تستدعيني للجلوس إلى جانبها على السرير، وتلتفت اليّ... تتأملني بنظراتها الساجية، وفي عينيها مالا استطيع أن أفهمه في تلك السن من معان، لعلىّ بعد ذلك كلمّا تذكرتها في
أيام صباى، أزعم أنها معاني الحيرة، واليأس، والتساؤل القلق الواجب عن المصير؟؟ |
ومع مرور الأيام بعد موت عبد المعين، كاد ينقطع تماما ذكر زوجها الذي لم يظهر له أثر أو خبر... بل لعلّ الأصح أن أمي بالذات،
كانت تحرص على ان لا تجيء ذكراه على لسانها ربّما لتتجنّب أثارة مشاعر خالتي، التي فقدت طفلها قبل أن يراه أبوه... كان جدى يستدعي أمّي أحيانا بعد صلاة المغرب، ثم يصرفني، ليتحدث إليها بالتركية حديثا
يطول، فإذا خرجت من غرفته، ودخلت علينا في غرفة خالتي، كنت أرى في وجهها التوتر والأختناق، فأدرك أن جدّي قد أفضى إليها بأخبار أو قال لها كلاما أقلقها.. وتدرك (لتافت باجي) التي تكون في كثير من
الأحيان قابعة في مجلسها على الأرض إلى جانب السرير الذي تنام عليه خالتي... تدرك أن جدّي قد أخبرها أو حدّثها عن أمور مقلقة... فتأخذ في اصلاح نظارتها على أنفها الأفطس المفلطح، ثم تسدِّد نظرتها إلى
أمّي، وترفع يمناها وتدير كفها بحركة أصبحت أفهم أنها تعني (ماذا هناك) ؟؟؟ فتقول أمي بالتركية كلمة تعني: (سأخبرك فيما بعد) واكتشفت بالتدريج، أنها تتجنّب الكلام إذا كان فيه ما يمكن أن يمس مشاعر خالتي
أو يحرّك حزنها وفجيعتها في ابنها، وفي زوجها إذ لم يجيء، وانقطعت الأخبار عنه... ولكن لم يطل هذا التعتيم على ما تسمعه من جدّى، إذ كانت، تخبر العجوز في حديث يطول عن الكفار، وعن (العسكر) وعن
الألمان، ورسخت في ذهني كلمة عرفت فيما بعد أنها تعنى (السلطان) (باديشاه) ثم عن (الباشا...) الخ الخ... |
وبعد مرور بضعة أيام، أخذ جدّي يصطحبني في خروجه صباحا إلى الدكان بالقرب من (السرايا)، حيث يجلس بعد أن يفتحه، وهو ـ
كعادته ـ يقرأ ويتلو أدعيته... وما يكاد حتى يقف عليه بعض من يبدو أنهم كانوا ينتظرونه... يسأل جدي الواحد منهم. |
:ـ. أسمك.. اسم أبوك؟؟؟ |
فإاذا سمع الأسم، يكتبه على صفحة في دفتر أمامه، ثم يأخذ في تركيز وضع نظارته البيضاء، قبل أن يبدأ حفر الأسم على الختم.. فإذا
انتهى من حفره يغمسه في محبرة خاصّة ثم يختم به أمام الأسم الذي كتبه في الدفتر... ويقدمه إلى الرجل، أو المرأة، ويتناول قطع النقد الفضية من فئة (نصف مجيدى) ولكن لم يكن يرفض أحيانا القطعة من فئة (ربع
المجيدى)... فاذا انصرف الزبون، أسمعه يردد (الحمد لله.. الحمد لله). |
كان الدكان في موقعه، يتيح، أن أرى الشارع الذي تقع فيه هذه (السرايا)... وأن أرى الناس، يتوافدون، ذاهبين إليها، أو عائدين
منها... وحين أقول (الناس) اليوم فأنى أعنى أولئك الذين كان يغلب عليهم أو على أكثرهم شكل الهياكل العظيمة هزالا وتهالكا فيقف بعضهم... بينما يمضى الآخرون في طريقهم... ومن يقف منهم لا يطيل
الوقوف، وإنما يستأنف حركته، تاركا الذي سقط.. فاذا لمحه جدّي، أو الزبون الذي ينتظر الختم، وهو لا يختلف عنهم كثيرا... أسمع: (لا حول ولا قوة الا بالله).. و (انا لله وانا اليه راجعون) وتعودّت أن أفهم أن
الذي سقط قد مات.. أو أنه لابد أن يموت... يظل منكفئا على وجهه هكذا وقتا، إلى أن تظهر تلك العربة التي تحمل الموتى... أو عربة أخرى تظهر على أحد جوانبها صورة أو رسم (الهلال الأحمر)... تحمله أحداهما
مع أمثاله ثم تنطلق في طريقها الذي أصبحت أعلم الآن أنه الحفرة التي يُدفَنون فيها... في ذلك المكان الذي دفَنَ فيه جدي عبد الغفور في حماة... ثم عبد المعين في حلب واسمه (
المقبرة). |
وإلى فترة طويلة من وجودنا في حلب... في ذلك المنزل، لم أكن أعرف أسماء الأيام، ولكن ما لبثت أن عرفت أن اليوم لا يذهب فيه
جدي إلى دكانه، هو يوم (الجمعة...) الذي أخذت أمي تسمح لي فيه أن أخرج من باب الزقاق، لألعب مع أطفال الجيران... مع التحذير العنيف بأنها سوف تحبسني في تلك الغرفة التي تقع تحت السلّم الصاعد إلى
الدور العلوي... إذا ابتعدت عن الباب... وهذه الغرفة تحت السلّم أذكر أني رأيتها في الأيام الأولى من سكنانا في هذا المنزل... لها باب خشبي قصير في أعلاه فتحة مستديرة أو منور صغير.. كنت مع أمي.. وما
كدنا نفتح الباب... وقبل أن نخطو خطوة واحدة... سمعنا حركة دبيب أو ركض حيوان... كان ما قالت أمي أنه (فأر) أو أنها عدد من الفيران.. رأيتُه... شيء ملأني رعبا جعلني أصرخ أنفلت من يد أمي إلى الفناء...
فهي حين تسمح لي بالخروج من باب الزقاق، تنذرني بهذا الحبس إذا ما ابتعدت... |
ومازلت أذكر هذا اللعب مع أطفال الجيران... لقد بدأت بالتخوف منهم، ثم ما لبثت أن ألِفتُهم، وعرفت أسماء بعضهم... فإذا
أخذوا يركضون في اتجاه الشارع الرئيسي، كنت لا أجد ما يمنع أن أركض أنا معهم... والعطفة التي نخرج منها إلى هذا الشارع تكاد تواجه قلعة حلب... كان الخوف من الحبس في تلك الغرفة يجعلني أحرص على
أن أقف بينما الأطفال يتجهون على امتداد الشارع... إلى حيث لا أدري... ولكن لاحظت ذات مرة، أنهم يعودون وهم يحملون في ثيابهم وقد رفعوا ذيولها ولفوّها حول نصفهم السفلي، نباتات خضراء، أو هي
ذات ورق أخضر... يأكلون منه، وأسمع بعضهم يفاخر بأنّه قد جاء بما يكفي (الطبخة).. لم يكن صعبا أن أفهم أنهم يجيئون بما يؤكل، رأيتهم يأكلونه، وسمعتهم يقولون أنه يكفي (الطبخة) وهذا يعني أنهم يطبخونه
أيضا.. |
وفي يوم الجمعة التالي كنت قد عقدت العزم، على أن أذهب إلى حيث يذهبون، وأن أعود بما يعودون به من هذه الخضرة التي تؤكل
وتطبخ... وما كادت أمي تأذن لي بالخروج، مع التحذير المعتاد، حتى خرجت، متلهّفا على الذهاب مع الأطفال حين يطيب لهم الذهاب.. ولم يطل انتظاري... إذ رأيت أكبرهم يقترح أن نبكر بالذهاب، قبل أن
يسبقنا آخرون.. وأنطلقنا... كنا ثلاثة، في سن متقاربة، ولحق بنا آخر وهو يبكي لأن أحدهم منعه من اللحاق به. |
|
* هذا المنظر يشبه المنطقة في حلب التي ذهبت إليها مع الأطفال.. وجئت منها بـ (
الخبيزة) والأزهار لخالتي
|
* * *
|
|
كانت الرحلة طويلة بالنسبة لي... على امتداد الشارع في موازاة القلعة.. ثم عبرنا الجانب المقابل حيث رأيت أن القلعة كما تصعد
شاهقة لمن يراها عن بعد، فإنها تهبط متعمّقة في أخدود غائر في الأرض... وحين اقتربت من حافة الأخدود صاح الطفل الكبير، أن (أحذروا السقوط...) وظل يتقدمنا لنمشي مسافات لم يسبق لي قط أن مشيت مثلها
حتى أشرفنا على ربوة، تلامحت عليها الخضرة، والأشجار القصيرة... وما كدنا نراها حتى بدأنا نتراكض، للوصول إليها.. لم تكن الربوة مسوّرة، وأرضها الممتدة معشوشبة بكثافة تتقافز عليها أزهار برّية يغلب عليها
اللون الأصفر... وأخذنا نمشي على الأعشاب، دون أن نقف لأن من أخذ مركز القائد مناّ ـ وهو أكبرنا سنا ـ ظل ينطلق إلى حيث يجد تلك الخضرة التي تؤكل (وتطبخ).. أو هكذا كان تقديري ونحن نمشي حوله
أو خلفه... وأخيرا رأيته يقف ويأخذ في انتزاع النبات من جذوره... ونحن نتابعه ونفعل ما يفعل... وعندما امتلأت أيدينا الصغيرة رفعنا أذيال ثيابنا واتخذنا منها أوعية نضع فيها ما نقطف أو ننتزع.. ويبدو أن
العملية قد استهوتني كنوع من اللعب... فلم أتنبّه إلى أن الأطفال قد تفرقوا وابتعدوا عنيّ... داخلني شيء من الرعب... ولكن هناك كان كبيرنا.. أسرعت ألحق به... وقفت إلى جانبه حيث يقف، وحين تأملت
ماحولي، رأيت على مسافة بعيدة من موقفنا تلك العربات التي تنقل الموتى... لم يقل صاحبي شيئا... ولم أجرؤ أنا أن أسأله شيئا.. بل لعلى لم أجد ضرورة للسؤال إذ كنت أعرف مسبقا أنها العربات التي ينقلون فيها
الموتى، إلى الحفر التي يدفنون فيها... واستدار صاحبي، وأخذنا طريقنا إلى البيت. أحسست بحرقة الظمأ.. وفي نفس الوقت تذكرت أني قد خالفت أوامر أمّي... فابتعدت عن باب الزقاق... وهذا يحدث لأول
مرة... وسرعان مارنّت في أذني كلمة (الحبس) في تلك الغرفة والفيران التي تتراكض فيها... فألقيت نظرة على ما جمعته في (عبّي) من الخضرة التي تؤكل و (تطبخ)... وكأني وجدت مبررا لما
اقتربت. |
ما كدنا ندخل العطفة التي يقع فيها المنزل... حتى رأيتها... أمي في ملأتها قادمة في اتجاهي... أدركت أنها خرجت تبحث عني.. ولم
أستبعد أن جدّي أيضا قد عاد من صلاة الجمعة وخرج هو أيضا يبحث عني... لم تتكلم... وكانت (البيشة) على وجهها فلم أستطع أن أرى ما يعبّر عن غضبها... ولكن ما كدنا ندخل من الباب... حتى أغلقته، ثم
انهالت تخفقني أو هي تصفعني على كتفيّ وظهري... كانت يداي تمسكان بذيل الثوب وفيه الخضرة إياها... فلم أستطع أن أتحاشى الصفعات... ولكن خوفي من؛ الحبس). في تلك الغرفة اللعينة جعلني أسرع إلى
الدور العلوي، وفي غرفة خالتي... أطلقت لذيل الثوب أن ينفلت... لتسقط كمية الخضرة على الأرض... ثم أسرعت إلى حضنها.. فهي وحدها التي تستطيع أن تحميني... وسمعتها تقول بنبرة لا تخلو من
إعجاب: |
:ـ. خبّيرة؟؟؟ منين اشتريتوها؟؟؟ |
وأحسست بشيء، ربّما، من الاطمئنان، أو الزهو فقلت: |
:ـ. ما اشتريتها... يا خالتي... أنا جبتها من هناك.. |
:ـ. فين هناك؟؟ |
:ـ. من هناكّ... بعيد... |
وحين جاءت أمي ورأت الخبيزة مكوّمة على الأرض.. لم تلتفت... أو لم يستوقفها ما رأت وأندفعت نحوي، ولكن خالتي أحاطتني
بذراعيها... وهي تقول: |
:ـ. يتوب ياستيتة.. يتوب.... كمان شوفي ايش جايب.... |
وفي هذه اللحظة دخل جدّي مقطبا متوتّرا... امتلأت رعبا قاتلا... ولكن خالتي استطاعت أن تشفع لي... كما استطاعت (الخبّيزة) أن
تأخذ طريقها إلى المطبخ... وأمي تقول: |
:ـ. يمكن نلتقي عند (لتافت باجي) شويّة (بُرغُلْ).. |
وغادر جدي الغرفة محنقا.. ولحقت به أمي... وحين التفتُّ إلى خالتي رأيت تلك الابتسامة الرقيقة، كأنها تعبّر عن الأمتنان أو
الانتصار في الدفاع عني. |
وحين تحلقنا حول المائدة الصغيرة في المساء... كان طبق (الخبّيرة) يحتل مكانه عليها وبانصاف الأرغفة من خبز الشعير، أخذنا نلتهمها،
إلى جانب حبات الخيار، ونصيب كل منا من قطع الجبن... كانت لذيذة جدا.. |
قال جدي وهو يبتسم: |
:ـ. هادا عبد العزيز.. يا فاطمة.. ان شاء الله رجّال.. |
ولم تقل أمي شيئا، كأنها تتجنّب تشجيعي على تكرار المغامرة... ولكن خالتي وتلك الابتسامة تملأ محّياها الجميل
قالت: |
:ـ. أيوه يا ستيتة... ان شاء الله رجّال... |
* * * |