التنظيم الجديد للتعليم الثانوي |
ممّا جاء في الأخبار، وكان له رنين وأصداء، أعتقد أنها واسعة بين المعنيين بشؤون ومشاكل التعليم أن مجلس الوزراء برياسة حضرة صاحب السمو الملكي ولي العهد المعظم أصدر قراراً بالموافقة على التنظيم الجديد للتعليم الثانوي... وهو تطوير للتجربة التي سبق أن طبّقتها وزارة المعارف بـ (المدارس الشاملة). ويسير التنظيم على طريقة الساعات المعتمدة، وهو يساعد على تقليص مشكلة الرسوب والتسرب، وستنقسم الدراسة فيه إلى أربعة أقسام، كل قسم يحتوي على مواد إجبارية وهي (الدين واللغة العربية) ومواد اختيارية. ولم يقل الخبر أو القرار، متى يبدأ الأخذ بالتنظيم الجديد، وقد ذهب كثيرون إلى أنه سيبدأ من السنة التعليمية القادمة... ورجّح آخرون أن التنفيذ سوف يتم على مراحل زمنية قد تستغرق عدة سنوات. |
ولعلّ (القول الفصل) في الموضوع هو ما سبق أن أفضى به الدكتور (سعود الجمّاز) وكيل وزارة المعارف، في لقاء بينه وبين مندوب جريدة الجزيرة الغرّاء، في 11/ صفر عام 1405 إذ بشّر يومها، بأن (البرنامج) الجديد للمرحلة الثانوية قد تم الانتهاء من إعداده، وتم إعداد جميع المناهج والكتب، وتم وضع برامج تدريبية للمعلمين... وهو يعد الآن في مجلس الوزراء ويمكن أن يبت فيه خلال شهرين. |
ثم أضاف الدكتور الجمّاز: (وعند انتهاء) البت فيه فإني لا أستطيع تعميمه دفعة واحدة ولكن سوف يطبّق على مراحل حدد لها من ست إلى عشر سنوات تعليمية... وعلّق قائلاً: (لا شك أن البرنامج ليس سهلاً، لأنه يحتاج إلى إعداد مدرّسين لمختلف المواد، ويحتاج لوسائل ومستلزمات تعليمية أخرى... وسوف يتخذ تدريجياً بالطبع بإذن الله. |
هذا وقد لفت نظري شخصياً، قوله عن هذا البرنامج (إنه قبل أن يكون تعليمياً فهو برنامج سياسي). إذ لم أستطع أن أجد العلاقة بين السياسة كما يوحي الوصف، وبين التعليم، ولذلك فقد يصح أن أرجّح أن هناك خطأ في النقل وقع فيه مندوب الجزيرة، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الدكتور الجمّاز، لن يبخل بالإيضاح مشكوراً. |
قال الدكتور الجمّاز إنه لا يستطيع تعميم التنظيم الجديد للتعليم الثانوي، الذي صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة عليه (دفعة واحدة)، وامتد تقديره للمراحل التي سوف يتم خلالها هذا التنفيذ من ست إلى عشر سنوات. وهذا مع أنه قال إنه قد تم إعداد جميع المناهج والكتب، مع البرامج التدريبية للمعلّمين. |
وليس لأحد أن يقول شيئاً بعد الذي قاله الدكتور، وهو صاحب الاختصاص بالعملية كلّها بالطبع... ولكن هذا لا يمنع أن نتساءل، وأن يجيبنا الدكتور الجمّاز، عن احتمالات الاضطراب التي لا بد أن يسفر عنها أو يفرزها التنفيذ على مراحل تمتد إلى عشر سنوات، وماذا سوف يكون موقف المؤسسة التعليمية، أمام الشريحة من الطلبة التي لا بد أن تحرم من حسنات التنظيم الجديد، في انتظار التنفيذ على مراحل... ولذلك يصح أن نرجّح أن الأفضل أن تستوفي وزارة المعارف استعدادها للتنفيذ (على راحتها)، وأن تبدأ التنفيذ متكاملاً في وقت واحد، لنفرض أنه بعد سنتين أو ثلاث مثلاً. |
بقي أن من المواد الإجبارية (اللغة العربية) ومواد التخصّص... ويهمّني أن أصارح سعادة الدكتور الجمّاز، بأن الكتب المتداولة في أيدي الطلبة والطالبات لمواد اللغة العربية، لا تستغني عن إعادة نظر تعكف عليها لجنة تستهدف في الدرجة الأولى سهولة توصيل المعلومة أو القاعدة إلى الذهن الغض، وليس في المرحلة الثانوية فقط، وإنما حتى في المرحلتين الابتدائية والمتوسّطة... ولا أريد أن أستشهد الآن بما يستوقف النظر من صعوبة التوصيل حتى بالنسبة للمدرس، ولكن لا أجد ما يمنع أن أفرغ لذلك في المستقبل القريب إن شاء الله. |
* * * |
يوم نشرت الصحف أن الدولة أنفقت، أو ستنفق مبلغ ألفي مليون ريال لأعمال عقد مؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة أحسّ كثيرون من القرّاء أن في الخبر خطأ لا بد من أن تصححه المراجع المسؤولة عنه. وليس ذلك لأن المبلغ ضخم بالنسبة للغرض الذي ينفق من أجله، وإنما لأن وجوه الإنفاق مهما تنوعت وتعددت لا تحتمل المبلغ الكبير إلاّ إذا كان مما يدخل فيه شراء ساحات كبيرة من الأرض وعقارات ضخمة من العمران في مواقع يعز الحصول عليها إلاّ بأضعاف القيمة في غيرها. |
وكان يمكن أن لا يصحّح الخبر باعتباراته خطأ جرت العادة أن تقع فيه الصحف ولا يلتفت إليه ما دام لا يتصل بسياسة الدولة أو بعلاقاتها الدولية أو بالشؤون ذات الأهمية الخاصة بالنسبة للمسؤولين، وعندئذٍ، ما أسهل أن يجد فيه المغرضون والمتربّصون بنا من الحاقدين - وما أكثرهم في هذه الأيام - فرصة للتعليق الذي يلتوي كما هي العادة ليقيم أنواعاً من الاستنتاجات الرخيصة التي تنشر مختلف أنواع الظلال على المسؤولين عموماً، وعلى القائمين بالإعداد للمؤتمر خصوصاً. |
وقد اعتدنا أن لا نلقي بالاً حتى لمثل هذه الاستنتاجات، وفلسفتنا أننا لا نقيم وزناً للتفاهات والترهات، ما دمنا نعرف عن أنفسنا وواقعنا ما ترتاح إليه ضمائرنا، وما يتّفق مع طبيعة مسؤولياتنا أمام أولي الأمر بعد الله. وهذا ما أعترف بأني ظللت أتحسّب له توقّعاً في نفس الوقت أن أقرأ في الصحف المأجورة التعليقات الملتوية والاستنتاجات الرخيصة مغلّفة بالمألوف والمكرور من عبارات الغيرة على أموال النفط، تتبدّد وتذوب بألف أسلوب وأسلوب. |
ولكن تصريح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، رئيس اللجنة العليا لمؤتمر القمة الإسلامي، الذي أفضى به لوكالة الأنباء السعودية، وقرأته في جريدة المدينة الغراء، ونفى فيه ما نسب إليه من أن ما أنفق للإعداد للمؤتمر قد بلغ ألفي مليون ريال، كان التفاتة رائعة من سموّه، وعلى الأخص في أجواء هذا المؤتمر الذي اعتقد أنه سيستقطب المئات من مندوبي الصحف ووكالات الأنباء ومندوبي الإذاعات، ومحطات التلفزيون في العالم من أقصاه إلى أقصاه، وكان ترك الخبر دون تصحيح يتيح للكثيرين من الأصدقاء والأعداء على السواء فرصة التعليق الحاقد أو المستنكر والمتسائل، كيف يمكن أن يستنفد عقد مؤتمر مهما كان ذلك المبلغ الطائل الرهيب. |
وكان سمو الأمير سلطان موفّقاً كل التوفيق حين صرّح بأن التكاليف الفعلية لا تتجاوز مئتين وخمسين مليوناً يدخل فيها بناء قاعة المؤتمرات الجديدة في الطائف، وبناء مساكن للضيوف مع توفير الوسائل الحديثة لخدمة أعضاء المؤتمر، وليس من يجهل على الأرجح أن بناء قاعة للمؤتمرات، على مستوى ملوك ورؤساء وأمراء أكثر من أربعين دولة مع توفير الوسائل الحديثة لخدمتهم، وبناء مساكن للضيوف الذين سيبلغون المئات، ولا تتسع لهم الفنادق الموجودة في فترة من الزمن قصيرة إلى حد يفوق كل تصور، لا بد أن يكلّف أضعاف التكلفة المعتادة لو كان البناء أو التجهيز يتم في فترة من الزمن تتناسب مع ضخامة الغرض، وضخامة المشروع. وقد لا يكون جديداً على القارىء، أن أقول، إن شراء الزمن لإنجاز أي عمل يستلزم دائماً مضاعفة الإنفاق، لأن الزمن يصبح في كثير من الظروف أغلى سلعة يتطلّبها أي مشروع. |
كان سمو الأمير سلطان موفّقاً كما قلت، وأريد أن أضيف أن الكثير من الأخبار التي تنشر أو التي تدور على الألسنة تحتاج إلى مثل هذه الالتفاتة البارعة التي تضع حداً لترويج الاستنتاج الرخيص. |
* * * |
قد لا أذهب بعيداً، إذا قلت إن الأستاذ الصديق محمد حسين زيدان، يكاد يكون (الأوحد) بين الشيوخ من حملة الأقلام، الذي يعرف (الأكثر) من أمراء آل سعود، ولا تقتصر معرفته على الشيوخ (سنّا) منهم، وإنما هي تمتد إلى الشبان، وربّما إلى من يليهم ممّن هم في سن اليفع والصِّبا ولعلّي - بدوري - واحد من القلة القليلة بين رصفاء الأستاذ وزملائه، الذين يعرفون مصادر هذه المعرفة، وقبل ذلك حوافز اكتسابها واختزانها. فالزيدان منذ كان زميلاً لي في المدرسة الراقية الهاشمية في المدينة المنورة، معروف، إلى جانب ذكائه، ونبوغه، بأنّه المتميّز من أقرانه باستيعابه مادة التاريخ، والسيرة النبوية منها بوجه خاص، ولا بد أن يكون ذلك مفتاح حرصه على التعمّق في أنساب رجال السيرة ونسائها، بحيث تسمع منه أسماء هذا أو ذاك من هؤلاء الرجال، - وقد تعرف من يذكر - ولكن الرائع حقاً، أنك تسمع صلة القرابة بين من يذكره، وبين هذا أو ذاك، وهذه أو تلك، من الرجال والنساء، ولا يقف زيدان عند القرابة بين من يذكره، وبين هذا أو ذاك، وهذه أو تلك، من الرجال والنساء، ولا يقف زيدان عند القرابة أو صلة الرحم، وإنما تسمعه يتحدث عن الأعمال والأدوار التي قام بها فلان عندما كان في غزوة كذا، أو في جيش من جيوش الفتح، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. |
ولا بد أن الحافز الأقوى لاستيعاب أي مادة أو موضوع أو فكرة، هو (الهوية) تدعمها الموهبة إلى جانب التفطن والذكاء، فالأستاذ على هذا الضوء يتمتع بكل العناصر التي تمكّنه من التخصص النادر، في (الأنساب)، ولكن في توسّع عجيب ودقة مدهشة حقاً. |
اقتنصت نموذجاً من هوايته أو تخصصه هذا في اللقاء أو الندوة التي دعت إليها جريدة عكاظ، وعقدها وأدارها الأستاذ بدر كريّم، وهو كما لا يجهل أحد، رجل الإذاعة والتلفزيون، الذي ينطبق عليه قولك (لا يشق له غبار) ولا يسبقه أو يرجح عليه قرين من رعيل الرجال الذين خدموا هذين المرفقين منذ كانا في مرحلة الرضاع. وكانت الندوة برياسة سمو الأمير سعود بن عبد المحسن آل سعود، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وفي مكتبه بمنزله. وللحديث عنها والتعليق عليها مجال آخر، وإنما الذي أعالجه اليوم هو تخصّص الأستاذ محمد حسين زيدان في الأنساب... |
قلت إني اقتنصت نموذجاً من هذا التخصص، عندما ضمنا مجلس الأمير الكريم، وجاء يشاركنا الجلسة ابنه دون السادسة من عمره إذا لم أخطىء الظن والتقدير، فلا تكاد تمر بضع دقائق، والأستاذ بدر يستعد لعقد الندوة، حتى رأيت الأستاذ زيدان يوجّه إلى الأمير الطفل سؤالاً مباشراً: (من هم أخوالك)؟؟؟ وعرفنا أن أخواله هم جميع أبناء الفيصل العظيم رحمه الله. |
أشك كثيراً في أن تجد واحداً في المئة ألف من الناس يهمه أن يعرف ما يهتم بمعرفته الأستاذ محمد حسين زيدان عن الرجال وحتى من النساء ممّن يتصل به خبرهم أو خبرهن. ولذلك فلست أدري إن كان لا يضايقه أن أقترح عليه، أن يستعين بمسجّل صغير، يرصد فيه ما يطيب له أن يسجّله من أنساب ومعلومات من كل من اتصل به خبرهم من الرجال في فترة نصف القرن الرابع عشر الهجري... أنّه يعدنا بأروع مخزون من الأخبار والطرائف، التي يتعذّر أن تجدها عند أحد كما تجدها عند الأستاذ زيدان. بل يتعذّر تماماً أن تجد الالتفاتات العجيبة التي يعنى بأن يختزنها عن كل من يهتم بمعرفته نسباً وأخباراً وعلاقات وصلات رحم. والعجيب في التفاتات الزيدان، أنها حين لا تخلو من الإعجاب في محله، فإنها لا تخلو من النقد اللاذع وفي محله أيضاً. وقد لا تتوافر هذه الخصيصة فيمن يكتب أو يتحدث عن سير الرجال. |
|