شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عندما كانت أنديرا في العاشرة من عمرها
مشاعر التأثر، بل وربما الحزن والأسى، لاغتيال أنديرا غاندي، رئيسة وزراء الهند، قد لا تنبع، من العلاقة أو الإحساس بشخصها وشخصيتها، التي تقررت في الهند، وفي المجتمع الدولي كأقوى،وأقدر شخصية تضطلع بأعباء الحكم في شبه القارة الهندية، وإنّما إلى حد كبير جداً من الإحساس بشخصية والدها البانديت جواهر لال نهرو، الذي دخل التاريخ كواحد من أعاظم القادة في القرن العشرين، بمسيرة نضال وكفاح طويلة، استطاعت في النهاية انتزاع الهند كلّها من براثن بريطانيا، أو من تاجها الإمبراطوري، ثم ظلت تحرص على انتزاعها من فك الطائفية الشرسة التي تعتبر الهند أوسع وأقدم مواطنها في العالم.
والطائفية وصراعها في الهند، هي التي اخترمت واغتالت حياة المهاتما غاندي، وبعد الاستقلال، لنضاله الطويل بسياسة (اللاعنف) و(العصيان المدني) و(مقاطعة مصنوعات بريطانيا) ثم بشعار (ارحلوا عن الهند)... وقد كان من المفارقات في اغتياله أن الذي اغتاله (هندوكي) اعتقد أن غاندي ينتصر للمسلمين الذين رفعوا شعار الانفصال عن الهند بقيادة القائد الأعظم محمد علي جناح... وكان هذا اعتقاداً خاطئاً، لأن غاندي كان يعارض فكرة أو مطلب الانفصال والتقسيم.
وهانحن نرى أن الطائفية في الهند هي أيضاً التي اخترمت حياة أنديرا غاندي... ورغم الحدث الدرامي العنيف، فلعل الكثيرين لم يكونوا يستبعدون هذه النهاية لأنديرا، وعلى يد واحد أو أكثر من طائفة السيخ، الذين أمرت أنديرا بمهاجمة معبدهم الذهبي ولم تتردد القوات التي هاجمته في قتل أعداد كبيرة من المعتصمين فيه، ولم يرفع الحصار عنه إلاّ منذ أسابيع قليلة، بعد أن قامت الحكومة بترميم ما أحدثه الهجوم فيه من تخريب، وحرص الترميم على إعادة المعبد إلى ما كان عليه تماماً بما في ذلك الزخارف الذهبية، التي استهلكت أوزاناً ضخمة من رقائق وصفائح الذهب تغطّي جدران وقباب المعبد... ومن المفارقات التي قد يتعذّر تفسيرها أن تطمئن أنديرا إلى عناصر من طائفة السيخ هذه في حرسها الخاص... وهي لا تجهل أن السيخ من أشرس الطوائف، وممّا تتميز به الشجاعة وروح التضحية والفداء.
وأنديرا هي الابنة الوحيدة للبانديت جواهرلال نهرو، تلك الشخصية التي عرفها العالم إلى جانب غاندي قبل الاستقلال، ثم عرفها بعد الاستقلال تقود مسيرة الهند في وجه أعتى العواصف وأشرسها، ومنها عاصفة التقسيم التي ذهب ضحيتها مئات الألوف من الهندوك والمسلمين على السواء. ثم السهر والعمل المتواصل لتحقيق اتحاد ولايات الهند الكثيرة، والتقريب بين طوائفها، بما فيها طائفة (المنبوذين) التي أعطاها نهرو وفريقه في الدستور الهندي جميع الحقوق التي تتمتع الطوائف الأخرى، ومن هذه الطوائف (البرهمية) وهي أعلى طبقات الهندوكية، وهي الطبقة التي ينتمي إليها (نهرو).
وقد ولدت أنديرا في عام 1917، وعندما كانت في العاشرة من عمرها، بدأ أبوها يكتب إليها من السجن الذي ظل يتردد عليه (ومعه أمها كاملة)، رسائل عن تاريخ العالم. وهو يقول في كتابه (لمحات من تاريخ العالم): ((طبعت تلك الرسائل في كتاب استقبله القراء استقبالاً حاراً وظلت فكرة متابعة هذه الرسائل تدور بخلدي، لكن الحياة المليئة بالنشاط السياسي منعت الفكرة من الظهور، إلى أن أتاح لي السجن الفرصة التي أعوزتني فاغتنمتها.
وأكثر فصول هذا الكتاب، كتبها نهرو وهو في السجن، الذي ظل يتردد عليه ويقيم فيه (ومعه زوجته) طوال ما يزيد على اثني عشر عاماً. وهو يقول عن هذه الفصول: (هذه رسائل شخصية، وفيها من كلام القلوب، ما كان موجّهاً إلى ابنتي فقط).
ولنا أن نتصور، صبية في العاشرة وما بعدها، تتلقى من أبيها نهرو رسائل عن تاريخ العالم يكتبها إليها من السجن... وهو السجين الذي كانت تفتح أبوابه أو تغلقها عليه بريطانيا والأيام والسنوات الطويلة التي قضاها فيه نهرو، هي التي انتزعت الهند من براثنها، وهي التي صنعت منه ذلك القائد العظيم من قادة العالم في القرن العشرين.
لنا أن نتصور هذه الصبية، وقد كبرت، ودخلت الحياة السياسية من أوسع أبوابها بعد الاستقلال، وذخيرتها ورصيدها الضخم تجارب النضال و الكفاح التي خاضها أبوها، وخاضتها هي أيضاً في كل مرة ينتزع فيها من البيت إلى السجن وشريكة هذا النضال تلك الأم التي كانت تتقدم الصفوف، وتتزعّم المظاهرات ليكون السجن نصيبها هي أيضاً تاركة في البيت تلك الصغيرة (أنديرا).
واختيرت أنديرا رئيسة لحزب المؤتمر في عام 1959، حين كان أبوها يتقلد منصب رياسة الوزراء بعد الاستقلال ولم يكن الاختيار مجاملة لنهرو بقدر ما كان تقديراً لخصائص شخصيتها التي أخذت في الظهور... وبعد وفاة نهرو في عام 1964، اختيرت لمنصب وزيرة الإعلام والإذاعة. وفي عام 1966، خلفت لآل بهادر شاستري رئيسة للوزراء إلى عام 1977. ويؤخذ عليها أنها أعلنت حالة الطوارىء في عام 1975 وانتهجت سياسة ديكتاتورية تعتبر مختلفة عن سياسة اللاعنف التي عرف بها أبوها. وقد عطّلت البرلمان، وأوقفت العمل بقانون الحقوق المدنية المقررة في الدستور... بل وفتحت أبواب السجون والمعتقلات للألوف من خصومها السياسيين... وكان أعجب وأشرس تصرفاتها الديكتاتورية قانون تحديد النسل (الإجباري) الذي نفذته بصرامة، فعقمت (إلى الأبد) أكثر من 7 ملايين رجل. ورغم الهزيمة الساحقة التي منيت بها أمام حزب (جاناتا) في عام 1977، فقد فوجىء العالم بانتصارها وعودتها إلى الحكم في سنة 1980.
وبعد اغتيالها، يصعب كثيراً أن نتوقع هدوء الأحوال والأوضاع في الهند... ولا يدري أحد كيف سيكون تغير الأوضاع فيما يوصف بأنه (أعظم الديموقراطيات سكاناً في العالم). والأرجح أن الجيش، هو الذي سوف يعتمد عليه الحكم فترة من الزمن لا يدري أحد كم سوف تطول... والأرجح كذلك أن (راجيف) ابن أنديرا (وحفيد نهرو) سوف يؤصّل رئيساً للوزراء، إذ رغم شعار الديموقراطية، ورغم محاولات الابتعاد عن نزعات التمييز الطبقي والطائفي، فإن الرصيد الذي تركه نضال نهرو في سبيل الاستقلال، إلى جانب الطبقة (البرهمية) المتميزة التي ينتمي إليها، إضافة إلى العنف الدرامي، الذي انتهت به حياة أنديرا... كل ذلك لا بد أن يعطي (راجيف) ابنها، مرشّحات للحكم، لا تتوافر الآن لغيره بأية حال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :675  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 169 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج