شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هكذا يغسل السوفيت أدمغة الشعب
في الصفحة الأولى من جريدة هيرالد تربييون الدولية يوم 4 ديسمبر 1984 تقرير بعنوان (أفغانستان للروس ليست فيتنام للأمريكيين). ويتحدث المقال عن موقف الشعب الروسي من تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. فيروي عن والد الجندي راستوف الذي قتل في يونيو في أفغانستان وهو يدافع عن زملائه السوفيت الذين هاجمهم الثوار. إن هذا الوالد قال (لقد مات ابني) وهو يؤدي واجبه الدولي على أرض أفغانستان وأن هذا الوالد كتب إلى جريدة الجيش (كراستايا زافيزادا) قائلاً إن أمنيتي العظمى الآن أن أخدم المدة الباقية لجندية ابني لأكمل أداء واجبه العسكري لأمتي.
ويقول كاتب التقرير وحين يقترب تدخل الروس في أفغانستان من سنته الخامسة في هذا الشهر فإن من الواضح أن تلك الحرب لم تفرز ردود فعل في الاتحاد السوفيتي كتلك التي أفرزتها حرب فيتنام على شعب الولايات المتحدة. وفي الأحاديث التي تدور بين الناس في موسكو وسواء منهم الشبان أو الشيوخ لا يبدو أي نوع من التبرم أو السخط اللذين يمكن أن يضطرا قادة الاتحاد السوفيتي إلى استعادة قواتهم إلى الوطن سريعاً. ويقول أحد المدرسين في هذه الجريدة - وهو روسي بالطبع - لا أدري إذا كان ينبغي أن تسمى هذه الحرب (حرباً شعبية) ولكن ليس من شك في أنها حرباً لا أهمية لها لأن الناس لا يهتمون بها. إذ لم يحدث قط أن احتج أحد على التورّط فيها علناً أو سرّاً.
والاعتقاد السائد كما تقول جريدة الجيش هذه أن الجنود الروس يشتركون في الحرب ليدافعوا عن أفغانستان في وجه الاعتداء الأمريكي. ويقول هذا المدرس أن ابنه لا يزال في سن المراهقة وفي السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية قال إن أحداً من زملائه لم يفكر في الاعتراض على هذه الحرب والناس يقولون (إذا كانت أميركا تريد احتلال أفغانستان فسوف نريها كيف تستطيع ذلك.
تلك صورة مما استطاعت الدعاية والإعلام السوفيتي أن ترسخه في أذهان الشعب الروسي. ولكن يقول كاتب التقرير لو أن مشاهد الحرب تعرض على شاشة التلفزيون فيراها المواطنون الروس لتغيرت الصورة إذ الواقع أن الدعاية والإعلام ظلا يرسخان في أذهان الشعب منذ التدخل في أفغانستان في ديسمبر عام 1979 أن الغرض هو إنقاذ حكومة أفغانستان من الثورة المضادة التي شقها الثوار على حكومة صديقة للاتحاد السوفيتي. والإعلام يركز على تدخل الولايات المتحدة وباكستان والصين والمملكة العربية السعودية باعتبارها دولاً تعمل على استمرار النزاع مما يصور للشعب الروسي أن الحرب في أفغانستان تشبه تلك الحرب التي كان الروس يدافعون فيها عن الوطن في وجه الغزاة النازيين في الحرب العالمية الثانية. ووسائل الإعلام في الاتحاد السوفيتي ومنها الصحافة لا تنشر أرقام أو عدد القوات التي ترسل للحرب في أفغانستان ولكن المصادر الغربية تقدر عددها بحوالي 100 ألف جندي روسي ويختلف تقدير عدد القتلى ولكن يرجح أنهم لا يقلّون عن 10 آلاف جندي روسي قتلوا خلال السنوات الخمس الأخيرة ولكن يعلق على ذلك أحد أعضاء الحزب الشيوعي بأنه لا يزيد على عدد الذين كانوا يقتلون في يوم واحد في الحرب العالمية الثانية.
وفي نفس الوقت تواصل الصحافة الروسية تصوير التقارب بين الشعب الأفغاني والشعب الروسي فتقول إن الإتفاق يسير على النهج الثوري الروسي، وأصبحوا يتعلمون من (إخوانهم) الروس كيف يعدون الفطائر الروسية. وكيف يمارسون لعبة (الفوليبول) بل بلغ الأمر حد أن الأفغان يسمون أطفالهم اليوم، بأسماء الأبطال الروس.
تلك صورة من غسل أدمغة الشعب... ناجحة إلى الحد الذي يجعله يستهين حتى بإهدار دماء الأبناء.
* * *
أخبار القتال بين الطوائف والتكتّلات المتصارعة في لبنان، ومعها أخبار وقف إطلاق النار الذي لا يكاد يبدأ حتى ينتهي، ليبدأ القتال بالأسلحة الثقيلة، ومنها الصواريخ وقذائف المدافع بعيدة المدى... كل ذلك لم يعد يثير الانتباه، أو يستحق حتى المشاهدة حين يعرض على شاشات التلفزيون... وليس ذلك لأننا فقدنا مشاعر الإشفاق والأسى على الضحايا الأبرياء، أو لأننا نسينا أن هذا الجحيم، وهذا الصراع المتوحّش، يقع في ذلك الفردوس العربي، الذي لا نزال نحتفظ بأجمل أضاميم الذكريات عنه، وإنما لأن استمرار هذه الدراما طوال عشر سنوات، على مسرح واحد، بنفس الفصول والمشاهد، والأحداث والعقد خليق بأن يصرف أنظار النظّارة إذا الله لم يبعث في عيونهم النعاس والنوم.
المشهد الوحيد، الذي لا تزال له القدرة على شد الانتباه، والرغبة في المتابعة هو قوات إسرائيل في هذا البلد التعس وما تمارسه من فنون التنكيل واستعراض القوة، بأعمال القتل تسميها أو يسميها الناس (أعمال قمع)، تشترك فيها الطائرات تخترق حاجز الصوت، وتقصف بعشوائية قذرة، تمزّق أجساد الأبرياء هنا أو هناك من الأرض المحتلة في الجنوب وفي غير الجنوب، ويتم كل ذلك جهاراً نهاراً، وبمنتهى اللاأبالية، وعلى مشهد من قوات الأمم المتحدة، وعناصر مختلف السفارات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتم لقوات إسرائيل، إنجاز مهامّها المزعومة، وتتناقل وكالات الأنباء أخبار العمليات كما تتناقل أخبار المفاوضات في رأس الناقورة، وفي نفس الوقت - وبنفس العنف والقسوة والشراسة تدور المعارك الطاحنة بين الطوائف والتكتّلات في الجبال، وفي السهول ويسقط القتلى، من اللبنانيين برصاص وقذائف اللبنانيين، إضافة إلى الذين يسقطون برصاص وقذائف إسرائيل.
وتتساءل: كيف؟؟؟ كيف يعقل أن تتوافر كل هذه الأسلحة، التي تتقاتل بها الطوائف والتكتّلات، وتتوافر بطبيعة الحال الأيدي والصدور التي تمارس هذا الصراع الدموي الرهيب ولا تنطلق رصاصة واحدة من هذه الأيدي في اتجاه قوات إسرائيل؟؟؟
وتجد نفسك، أو أجد أنا نفسي أقول ببلاهة: لو أن كل كميات السلاح الموجودة في حوزة الطوائف المتصارعة من اللبنانيين، وكل حجم تبادل إطلاق النيران، وكل هذه الأعداد الكبيرة من الشباب، الذي يتقافز من جدار إلى جدار... ومن زاروب إلى زاروب، بحثاً عن عنصر يريد اقتناصه من الطائفة الأخرى... لو أن كل ذلك تجمّع، وتكتّل، واندفع يصب رصاصه وقذائفه على قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الجنوب، وفي غير الجنوب لكانت قوات العدو تبحث عن جحور تختبىء فيها، وليس على الحدود الشمالية من الأرض المحتلة، وإنما في تل أبيب.
ليس لنا أن نتساءل، ما الذي يعمي اللبناني عن عدوّه الذي يحتل أرضه، ويفتح عينيه على اللبناني يطارده، ويرديه قتيلاً لا ذنب له سوى أنه من الطائفة الأخرى... وليس لنا أن نتساءل عن القوى الكامنة في هذا البلد التعس، التي تمد العناصر المتصارعة بكل هذا السلاح المتطور؟؟؟ مفروغ منه أن أموالاً طائلة تنفق لشراء هذا السلاح، فمن هو الذي يدفع ونحن نعلم أن العناصر التي تمارس سفح الدماء، تتقمّم لقمة العيش، ولكل منها أطفال ونساء... أمهات وأخوات، وبنات وزوجات، يقصف عظامهن الصقيع، ويمزق أحشاءهن الجوع.
ولكن قد يكون لنا أن نقول إنها جريمة القيادات الظاهرة والخفية التي استمرأت لعبة الموت... والعبث، ليس بالأرواح، وإنما بمصير البلد... بمصير الفردوس العربي، ومستقبله الذي لن يولد، إلاّ في نيران الجحيم.
إنها جريمة القيادات التي لم تشبع بعد من لحوم الضحايا، ودماء الأبرياء.
فلو أن الذين يعرفون هذه الحقيقة من القيادات العربية يكفون عن التباكي على المأساة وفصولها الدامية، ويحاولون، إزاحة الستار عن فضيحة العمالة الخائنة ويضعون النقاط على الحروف، لأمكن أن يتغيّر الكثير.
ولكنها تظل (لو...)... وقد قيل: (لو زرعنا ((لو)) في وادي ((عسى))، لكان الذي ينبت هو (يا ليت).
فيا ليت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :664  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 160 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج