ليس بالجوع وحده، يموت المسلمون |
والمسلمون الذين يموتون بالرصاص وقنابل النابالم والقنابل العنقودية، إلى جانب أولئك الذين يموتون بالجوع، في أريتيريا، مأساة أخرى من المآسي التي أصبحت تمثل على مسرح الحقد... وهذا الحقد حين يكون في رقعة من الأرض الإسلامية، صليبياً، وفي رقعة أخرى صهيونياً، فإنه في أفغانستان، وأريتيريا حقد ثلاثي الأوصاف أو ثلاثي المنابع والبؤر... حقد صليبي بطبيعة الموقف التقليدي من الإسلام والمسلمين... وحقد صهيوني بطبيعة الملف بين الصهيونية والصليبية على التصدي للإسلام والمسلمين... وحقد ماركسي بطبيعة كفر الماركسية بالله وحقدها على جميع الأديان. وفي مقدمتها الإسلام. |
وأريتيريا كانت مستعمرة إيطالية قبل الحرب العالمية الثانية، ومنها قفز موسوليني إلى أثيوبيا فاستعمرها ليلجأ الإمبراطور هيلا سيلاسي إلى بريطانيا ، وبانتصار الحلفاء في تلك الحرب، أعيد الإمبراطور إلى عرشه، ووضعت أريتيريا تحت وصاية الأمم المتحدة فترة قصيرة من الزمن، إذ ما لبثت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن قررت في عام 1950 أن تدخل أريتيريا في اتحاد فيديرالي مع أثيوبيا، ونفّذ القرار في عام 1952، ولكن الإمبراطور هيلاسيلاسي تخلّص من قرار الاتحاد الفيديرالي بأن ضم أريتيريا إلى إمبراطوريته بقرار من جانبه وحده وذلك في عام 1962... ومنذ ذلك العام، وحتى اليوم، والصراع بين أريتيريا، وأثيوبيا متواصل مستمر، والدماء لا تزال تسفح، وعين الأمم المتحدة لا تبصر، وآذانها لا تسمع وبانتفاضة منجستو هيلا ميريام، على الإمبراطور، ثم القضاء عليه، بعد أن تجرّع كأس الهوان والإذلال كما لم يسبق أن تجرّع مثلها حتى عندما طردته إيطاليا من أديس ابابا، بهذه الانتفاضة، أخذ الصراع بين ثوار أريتيريا، ونظام الحكم الماركسي، الذي فرضه مينجيستو، يتصاعد، وحمّامات الدم تتعدد وإمدادات أسلحة الفتك والدمار من الترسانة الروسية تتلاحق بسخاء ودون مقابل سوى توطيد وترسيخ نظام الحكم الماركسي، وهو ما لم يتردد فيه منجيستو هيلا ميريام ولن يتردد ما دام الاتحاد السوفيتي، هو ركيزته في الحكم. |
غالبية سكان أريتيريا، وفصائل الثورة (كما يسمّونها) مسلمون، ومن هنا تعتبر ثورة أريتيريا ثورة إسلامية... ونظام الحكم في أديس ابابا، يدرك هذه الحقيقة، ويصر على سحقها بكل ما يملك، من قوة، يزوّدها الاتحاد السوفيتي، بكل ما تحتاجه لتحقيق هذا الهدف، وحتى بالخبراء الروس. |
والظاهرة المحيّرة، هي الصمت المطبق الذي لا تزال تلتزمه الدول الإسلامية، تجاه الثورة والثوار، وتجاه الجرائم والفواجع التي يرتكبها نظام الحكم الماركسي ضد الأبرياء العزّل من السكان، في قراهم ومدنهم الصغيرة، بذريعة ملاحقة الثوار. |
والأعجب في هذه الظاهرة، أن تعنى جريدة مثل السانداي تايمس، بحركة الثورة في أريتيريا، وأن يكون لها في منطقة وساحات الصراع مراسلون، منهم (آن دوماس) وهي فتاة كما يظهر من اسمها، وكريستوف موجل. وأن يكتبا تقريرهما، الذي نشر في 25 نوفمبر وفيه تفاصيل الأعمال الإجرامية الرهيبة التي يمارسها نظام الحكم الماركسي في قرية صغيرة كمثال لما يحدث في قرى ومدن أخرى. |
مما يقوله التقرير في السانداي تايمس، أن الثوار الذين أصبحوا يسيطرون على ما يقرب من 85% من منطقة أريتيريا، يواجهون، إلى جانب الحملات العسكرية المتواصلة، وبالأسلحة الروسية والخبراء الروس، ضربة الجفاف والقحط والجوع التي ضربت القرن الإفريقي وما وراءه... ثم يصف الحالة في مدينة (مولكي) الصغيرة التي هاجمتها قوات منجيستو بكل شراستها وعنفها، ويقول في النهاية: (وإذ نستعرض الأطفال والخرائب في مولكي... نسمع أحد سكانها يردد: ((يستحيل أن نستسلم))). |
* * * |
كم تمنيت، أن أقرأ تقريراً في أي صحيفة عربية أو إسلامية، لمراسل يكتب لجريدته من ساحة الصراع، ليس في أريتيريا فقط، وإنما في أفغانستان، أو في لبنان، أو في أي ساحة يواجه العرب والمسلمون فيها، تحديات الحقد والاغتيال. |
مرّة أخرى تتناول الصحف، في أميركا وأوروبا، موضوع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية (سراً) إلى المجاهدين الأفغان، في وقفتهم الشجاعة الصامدة في وجه قوات الاتحاد السوفيتي، التي لا تزال ترفض الانسحاب من البلد الإسلامي بذريعة أن حكومة أفغانستان هي التي استعانت بها لتوطيد كيانها في الحكم العميل. |
والموضوع الذي تتناوله الصحف، عن هذه المساعدات، هو مقدارها، وأهميتها، والنتائج التي تحققها. |
وأول ما يطرحه الموضوع من الأسئلة هو (سريّة) هذه المساعدات... إذ ما الذي يحتم السرية، بالنسبة للولايات المتحدة، وهي التي ما زالت توالي شن حملتها الإعلامية ضد القوات السوفيتية منذ تدفّقت إلى أفغانستان... كيف يتفق، على سبيل المثال أن يكون لها هذا الموقف الإعلامي المعلن، مما لا يعني أقل من أن أميركا، تقف إلى جانب الشعب الأفغاني، وأن تلتزم في نفس الوقت هذا النوع من (السريّة) في تقديم مساعداتها. |
والسؤال الثاني هو عن مقدار هذه المساعدات... إذ يقول تقرير نشر في الصفحة الأولى من ((الهيرالد تريبيون))، منذ أيام، إن الولايات المتحدة قد اعتمدت مبلغاً قدره 280 مليون دولار كمساعدات عسكرية للمجاهدين أو الثوار الأفغان، في ميزانية عام 1985... وهذا يبلغ ضعف المساعدة التي كانت معتمدة في عام 1984 والتي انتهت في الأول من أكتوبر من هذا العام... وهذا يصل بمجموع مبلغ المساعدة التي قدمتها أميركا للمجاهدين، منذ (تدخل) الروس في أفغانستان، في عام 1979، إلى 625 مليون دولار. ويضيف كاتب التقرير أن هذا المبلغ لا يشمل ما يقدر بمبلغ 100 مليون دولار قدّمته المملكة العربية السعودية... |
فما علاقة ما تقدمه الولايات المتحدة، بما قدّمته المملكة العربية السعودية بحيث يقال إن المساعدات الأمريكية (تشمل أو لا تشمل) المساعدة التي قدّمتها المملكة. |
والملاحظة التي يطرحها التقرير، هي عن كمية الأسلحة التي وصلت حقيقة إلى المجاهدين... وعما إذا كانت صالحة فعلاً للاستعمال... ثم ما هي حصيلة النصر أو الهزيمة التي يحققها المجاهدون بهذه الأسلحة. |
في تقرير سابق منذ أسابيع، في السانداي تايمس، ملاحظة تقول إن كميات كبيرة من هذه الأسلحة، قديمة، ومشتراة من نفايات حروب سابقة، وأن الأموال التي تدفع لشراء أسلحة صالحة تذهب في الواقع إلى جيوب المنتفعين، الذين يتسلمون هذه المساعدات ويتولون شراء الأسلحة بمعرفتهم. |
مساكين هؤلاء المجاهدون... الذين تحصد أرواحهم أسلحة الروس... ويضحك عليهم هؤلاء الذين ينتهزون مأساتهم لينتفعوا... بقيمة السلاح... ويتصايح العالم مع ذلك بطلب الوقوف إلى جانبهم... من بعيد لبعيد. |
* * * |
فيما تبجح به شارون لتبرير دفاعه عن سمعته بدعوى أقامها على مجلة تايم الأمريكية التي قضمت اشتراكه في التخطيط، والتعاون مع الميليشيات المارونية على تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا، وقد استنكرها العالم حتى لقد أطلقوا عليها اسم مجزرة العصر... فيما تبجّح به هذا الإرهابي السفّاح، إنّه بدفاعه عن سمعته ومطالبته بتعويض قدره أربعون مليوناً من الدولارات، إنما يدافع عن شعب إسرائيل... |
وهذا حين يتقرر كقاعدة تقول: إن ما يمس سمعة شارون - وهو فرد - يمس سمعة الشعب الإسرائيلي، فلا بد أن نحكم بأن ما يمس سمعة الشعب الإسرائيلي، يمس في نفس الوقت سمعة الفرد من هذا الشعب. ومن هذا المنطق، لا بد أن نضع بين يدّي مجلة تايم، جريمة جديدة من جرائم إسرائيل، وعلى التحديد من جرائم شارون بالذات، الذي وضع الإعلام الغربي على جبهته أكاليل الغار، عندما قاد جيش إسرائيل، في غزو لبنان، وقالوا إنّه يذكرهم بأبطال الرومان في فتوحاتهم وانتصاراتهم التي تمتلىء بأخبارها مجلّدات التاريخ. |
والجريمة الجديدة، هي هذه المجزرة الجماعية التي أميط اللثام عنها أخيراً حيث تم العثور على مقبرة (جماعية) قذفوا فيها جثث أربعين شاباً من الجنوب اللبناني المحتل. |
والشهداء الأربعون، الذين قتلتهم قوات إسرائيل، ودفنتهم في المقبرة الجماعية في مستعمرة (بنات يعقوب) في فلسطين المحتلة، كانت إسرائيل قد اعتقلتهم بعد غزو لبنان في عام 1982 وكان يفترض أن يكونوا معتقلين ضمن الذين اختفوا بعد نقلهم إلى إسرائيل في أعقاب الغزو... والجريمة التي بررت سفك دماء هؤلاء الشهداء هي أنهم لبنانيون رفضوا التعامل أو الاستسلام للجيش الإسرائيلي. |
والقضية حتى كتابة هذه السطور، لا تزال في أيدي لجنة من منظمة العفو الدولية التي اكتشف المجزرة وطلبت من قوات الاحتلال الإسرائيلي كشفاً بأسماء القتلى. |
لا أدري شيئاً عن طبيعة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها اللجنة، في مواجهة الجريمة ولكن الذي أتمنّى أن تسهر الجهات أو الدوائر المختصة في الدول العربية، على الوصول إليه هو مطالبة الأمم المتحدة بتسجيل هذه الجريمة النكراء في سجل إسرائيل الأسود، كما أتمنى أن تتعاون المؤسسات الصحفية في العالم العربي، على التفاهم مع مجلة تايم، وإقناعها بالتحقيق في الجريمة الجديدة، وضمّها إلى ملف قضيتها مع أرييل شارون. |
ولا نحتاج أن نقول، إن شارون، كان وزير الدفاع الذي خطط، بل وقاد جيش الدفاع الإسرائيلي لغزو لبنان، وأن معسكر (أنصار) الذي ازدحم بأكثر من خمسة آلاف معتقل، كان من إفراز عبقريته الإجرامية بصفته وزير الدفاع، وقائد الغزو الهمجي، الذي جرّب بطولته في غزو بلد مفتوح وجد من يستقبله فيه (بالأحضان)، ولو لم تصمد قوات المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي حاصرها في بيروت الغربية، لكانت عملية الغزو كلّها ناعمة، لا مجال فيها لأي عمل بطولي. |
جريدة الشرق الأوسط التي نشرت الخبر يوم السبت 8/12/984، تستطيع أن تقود حملة صحفية تستهدف، تزويد مجلة تايم بجميع المستندات التي تثبت جريمة المجزرة البشعة، وأن تعلن وقوفها إلى جانب المجلة، في قضية، أعتقد أن انتصارها فيها، سوف يكشف للشعب الأمريكي حقيقة جديدة من الحقائق التي لا تزال غائبة عن هذا الشعب ولا بد أن يعرفها بكل بشاعتها عن إسرائيل. |
|