شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فن الاستمتاع بالحياة
الاستمتاع بالحياة فن قد لا يقل اتساعَ آفاق، وتعدُّدَ مناهج وأساليب، بل قد لا يقل تعقيداً عن أي فن من هذه الفنون التي تشد الرجال لطلبها، في مختلف المعاهد والجامعات.
ومع ذلك فهو - فيما أعلم - الفن الوحيد الذي لم تخصص له كلية أو معهد، يتلقى الطلاب فيه أصول الفن وفروعه، ونظرياته، وأبحاثه، وما إلى ذلك، مما يصاحب دراسة مختلف العلوم والفنون...
وأغلب الظن أن السبب، هو أن ((فن الاستمتاع بالحياة)) يجمع معظم الفنون، ويشمل مختلف العلوم، لأنه الفن الأشد اتساعاً وعمقاً من أن يستوعب في فترة من الزمن، أو أن يحاط بجميع جوانبه فيما يؤلف من كتب، وما يُعد من أبحاث وما يُذاع أو ينشر من آراء وأفكار.
ومن أعجب أسراره وخصائصه، أنه، إذْ يوهب لفقير لا يملك أكثر من قوت يومه، قد يفتقر إليه الغني صاحب الملايين... وإذْ يجيده موظف في المرتبة الثالثة، يجهله الرئيس في المراتب العليا... وإذْ تجده في الكوخ الصغير، تفتقده في البيت الكبير... وإذْ يبدع في إجادته بدويُّ الصحراء، يتعثر في فهم أسراره أوروبي في كبريات المدن والعواصم... وإذْ يعيشه على أوسع مفاهيمه أميٌّ لا يقرأ حرفاً، يضيع في متاهاته المثقف صاحبُ الدرجاتِ الرفيعةِ من المؤهلات...
وليس ((فن الاستمتاع بالحياة)) - على سبيل المثال - أن تجلس إلى مائدة حافلة بألوان الطعام، وأن تتناول منها ما لذ وطاب، وإنما أن تعرف كيف تجلس إلى المائدة... أن تعرف كيف تبتسم في وجوه الذين يجلسون معك حولها، كيف تنظر إلى الوجوه التي يقع نظرك عليها، كيف تجعلها تعبر عن الود والألفة والدعة... أن تعرف كيف تعيش المتعة التي جهدت ربة البيت، لتوفيرها فيما يصافحك من الذوق في الإعداد والترتيب... أن تعرف كيف تعبر عن امتنانك لما بُذل من جَهد لإرضائك والحفاوة بك... وفيما تتناول من ألوان... وما أبعد الفرق بين أن تأكل، وبين أن تتذوق ما تأكل، وأن تختار ما تأكل، وأن يقع اختيارك على ما يُشبع العينَ والمشاعر، قبل أن يشبع المعدة والأمعاء.
ليس ((فن الاستمتاع بالحياة))، أن تحيط نفسك بألوان الأثاث والرياش، وإنما أن تعرف حاجة النفس والذوق والقلب من هذا الأثاث والرياش... أن تعرف كيف يبدو التافه والقليل، غالياً ثميناً رائعاً، بما تسبغه عليه من الوضاءة والألق وحسن الاختيار، وبراعة الأعداد والإظهار... إلى جانب سمو الذوق في التأليف، بحيث تكون دائماً مع موسيقى الألوان...
وليس "فن الاستمتاع بالحياة))، أن تكون في دارتك الحديثة الواسعة الغناء، وإنما أن تعايش ألوان الزهر في هذه الحديقة، وأن يتصل بينك وبينها حبل الألفة والود... أن تفهم من الوردة حديثها الخافت الحنون، حين تتبرج لك بما في تثني بِتلاَّتها من دلال، وبما يتثنى في تعاطف أوراقها من خفر، وبما يسري في لونها الأحمر من معاني الشوق والوله والهيام... أن تقف تحت الشجرة لتستمتع بحدبها عليك، وترحيبها بمقدمك، وأنسها بزيارتك. وأن تصغي إلى ما يحتدم بين العصافير على أغصانها من حوار... وأن تفهم من هذا الحوار، إنه (الفن للفن)، إنه الأعماق البعيدة من مضمون الحياة في انطلاقها السرمدي نحو الأعلى والأكمل والأسمى من أسرار الوجود...
ليس ((فن الاستمتاع بالحياة))، أن تنسى الحياة فيما تمارس من لهو وما تجري وراءه من متع وملاذ، وإنما أن تواجه الحياة، وأن تحيط بها من جميع جوانبها، وأن تنتزع من مخالب الزمن كل دقيقة... كل ثانية... كل لحظة، لتفهم هذه الحياة، لتتعمق أسرارها، ولتنهل من ينابيعها الثرة ما يروي ظمأَك إلى المجهول من آفاقها وإلى الغامض الملفع بالضباب من مراقيها ومدارجها ودروبها.
((فن الاستمتاع بالحياة))، ما أحوجنا إليه في إيماننا بهبات الله ونعمائه علينا، لنعيش مع الأحياء... ولنؤدي رسالة الحياة...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 129 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج