شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فيما يكتبون، زائدة دودية
ولا يحتاج القراء - أو أكثرهم - إلى تعريف للزائدة الدودية، ولكن أهمّ ما ينبغي أن يعرف عنها أنها سمّيت (زائدة)، لأنها عديمة الفائدة في موقعها من القولون (الأعور)... ولا علم لي بسبب تسمية هذا الجزء من القولون بـ (الأعور)، ولا يعرف الجواب، إلاّ الأطباء وعلماء التشريح. ومع أن هذه الزائدة عبارة عن أنبوبة يبلغ طولها ثمانية سنتيمترات وهي جزء من القولون، فلا أدري لماذا ألحقوا بها وصف (الدودة) فقالوا إنها (الزائدة الدودية) ذلك أيضاً، مما يمكن أن نسأل عنه الأطباء، الذين ربّما خطر لهم وهم يستوعبون علم (التشريح) أن يسألوا الأساتذة أسئلةً، ربما تستلزم علماً بتاريخ التشريح، يعود إلى عصور غابرة، كان فيها أولئك الذين مارسوا التشريح من أكابر علماء الطب، يضعون أسماء لكل ما كان لهم فضل اكتشافه من جسم الإنسان، وابتداء من الشعر، والمسام، وانتهاء عند (المخ) الذي في العظم.
المهم... أنهم اتفقوا على أنها (زائدة)، عديمة النفع، ولا عمل لها، وكثيراً ما تَسبب التهابها في أعراض، تنذر بخطورة عاصفة، إذا أهمل علاجها، ولا علاج لها إلاّ فتح البطن واستئصالها... والخطر، في التهابها ثم انفجارها... إذ قد تقضي على حياة المريض إذا لم ينقل بأقصى سرعة ممكنة إلى غرفة العمليات.
هذه الزائدة التي تتواجد في موقعها من القولون، أصبحت تتواجد في مكان آخر من أقلام الكتاب والمحررين، وحتى الكبار منهم. والظاهر أنهم لم يشعروا قط بخطرها فأمعنوا في الترحيب بها، فانتشرت أسوأ ما يكون الانتشار، بحيث لم يعد يخلو منها عطاء معظم الكاتبين في الصحف، وحتى في الكتب والمؤلفات.
ولقد عنيت بأن أكتشف سبب تواجدها وانتشارها، ولعلّ ما اكتشفته يحتاج إلى مزيد من الإيغال في البحث، أتركه، لعلماء النحو، الذين نجد عندهم، ما يشبه ما عند علماء تاريخ التشريح في العصور الغابرة. ولكن لا بأس بأن أضع بين أيديهم، ما اكتشفته دون أن أتورّط في منزلق يفضي بي إلى ما يشبه الرمال المتحركة، التي لم يعد في وسعي أن أمشي فيها، مع ما أجد من وهن العظم، وارتخاء اللحم والعضل.
أما (الزائدة) فيما يكتب الكاتبون على اختلاف مواقعهم من الصحف والمجلات، وتباين مستويات ثقافتهم، فهي هذه (الباء) المكسورة، يجعلونها سابقة كحرف جر وملتصقة بـ (أن) التي يجب أن تكون مكسورة الهمزة (بعد القول ومشتقاته)، فيتخلصون من هذه الهمزة بإلصاق هذه (الباء) مكسورة، كحرف جر، يتيح لهم أن يفتحوا الهمزة فيقولون على سبيل المثال (قال الضيف بأنه يشكر للمملكة كرم الضيافة وحسن الاستقبال) فالباء هنا زائدة دودية بشعة، إذ الصحيح أن يقول: (قال الضيف إنه يشكر الخ)... والتعليل أنهم يهربون من التورط في حتمية كسر همزة (أن) بعد القول ومشتقاته، بإدخال هذه الزائدة الدودية فلا يجدون هم، ولا يجد القارىء معهم، ما يشعرهم بالضيق أو التأزّم، ما دامت هذه الباء قد أسعفتهم بالخروج من المأزق.
وبعضهم يستمرىء إدخال هذه الزائدة، حيث لا حرج مع الهمزة المكسورة بعد القول ومشتقاته، فالهمزة يمكن أن تكون مفتوحة، أو مكسورة، لأنها لا تقع بعد (القول) وإنما بعد أفعال مثل (علمَ... وفهم... وسمعَ ...الخ) إذ للكاتب أن يقول (علمت أن السماء غائمة) أو (فهمت أنه على أهبة السفر)... فيفتح الهمزة أو يكسرها، ومع ذلك فإنه يلصق هذه (الزائدة)، فيقول (علمت بأن السماء غائمة) أو (فهمت بأنه على أهبة السفر).
والعجيب، أن بعض كبار المثقفين، من حملة المؤهلات العالية، يحدث أن يقف لإلقاء كلمة في ناد أو محفل، يقع في نفس الورطة... وأعني ورطة الزائدة التي لا أدري، كيف يمكن أن يتخلص منها الكاتبون.
الزائدة الدودية في موقعها من القولون إذا التهبت، تعالج بفتح البطن والاستئصال ولا أعرف مع الزائدة اللاحقة بـ (أن) و(أنه) وهي دودية بكل معيار، لأنها كالدودة شكلاً وموضوعاً، كيف يمكن استئصالها، وإذا فرض أن هناك من يستطيع ذلك من رؤساء التحرير، ومصححي الكتب والنصوص، فكم من ألوف النصوص في الصحف وحتى في الكتب، ينبغي أن نجد من يفرغ لاستئصالها.
أخونا العلامة (أبو تراب)، فيما ينفحنا به من مهجور الكلمات العربية، في أراجيزه وقصائده، خير من يستطيع أن يقوم بعمليات الاستئصال، في مجال عمله - ولا أدري أين هو من الجرائد أو المحلات في جدة - ولذلك فإني أقترح أن يزوّد بسيارة ذات هاتف، ولا بأس بأن نضع تحت تصرفه أيضاً طائرة هيلوكوبتر، وإذا كان لا يوافق على استعمال كلمة (هيلوكوبتر)، فإن له حق التصرف في الاسم - فيسميها الاسم العربي الذي يقترح - فيتصل به رؤساء التحرير حيثما يكون من شوارع جدة، أو منازلها... فينطلق بالسيارة، أو بالطائرة إلى الجريدة أو المطبعة التي تحتاجه لاستئصال الزائدة... وليكن الله في عونه... فإنه - على الأرجح - سوف يظل منطلقاً بالسيارة، أو طائراً، بالطائرة... ليلاً، حيث تجمع حروف المقالات، ونهاراً حيث تدور عجلات المطابع، لطباعة الكتب...
ولكن... هل يعلم الأستاذ أنه سوف يكون بذلك من أصحاب الملايين... فألف مبروك مقدماً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :831  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 125 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج