شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المسلمون في استقبال شهر الصوم
استقبل المسلمون في مختلف أقطار الأرض شهر صومهم، كما ظلوا يستقبلونه في كل عام منذ فرض الله الصوم على العباد.
استقبلوه والقلوب التي تتفتح للخير، تستعطيه من رحمة الله وإحسانه، وتعطيه من فيض الإيمان ببره سبحانه، وبركته ورضوانه.
استقبلوه بهتاف الأرواح وقد طال بها الشوق إلى عالمها الروحاني تخلص فيه من وخز الحياة وزحمتها، وباطلها، إلى رحاب الإشراق ومعارج الرحمة والغفران في عالم القداسة والطهر والجمال...
استقبلوه بهذه القلوب تتفتح للأمل في عفو الله، ضارعة أن يمدها بما ظلت تفتقر إليه من الأيدي والقوة والعزم في مواجهة البغي والطغيان والفساد... في مواجهة التنافر والتنابذ والبغضاء... في مواجهة العلل والأدواء التي ظلت تنخر في كيانهم حتى وقع ما لم يكن ليقع لولا هذه العلل والأدواء.
استقبل المسلمون، شهر رمضان، وأرض الأنبياء... مسرى رسول الله. وأولى القبلتين، وثالث الحرمين... لا يزال تحت أقدام الصهيونية الفاجرة... تحت أقدام البغي والطغيان والفساد.
استقبل المسلمون شهر صومهم، والمسجد الأقصى لا يجد حيثما التفت إلا أشلاء الضحايا، وصور المأساة... مأساة المسلمين، وقد انفضوا من حوله، وصموا آذانهم عن ندائه، وأغمضوا عيونهم عن أعدائه، والتزموا صمت القبر وجمدوا جمود الصخر، عن العدوان والقهر والقمع في رحابه...
استقبل المسلمون هذا الشهر المبارك... وصوت المؤذن في المسجد الأقصى يرتفع في فراغ... يرتفع وفي عيني المؤذن عبرات، وفي صدره شُعل، وفي عيون السامعين دموع، وفي صدورهم شجا...
يرتفع صوت المؤذن، ينادي المسلمين، وكأنه يتساءل أين هم اليوم؟... أين هم عن داعي الله... أين هم عن مقدساتهم... أين جموعهم عن مسرى نبيهم... أين ملايينهم عن ثاراتهم؟؟؟ أين قواتهم عما فرض عليهم من الجهاد في سبيل الله؟؟؟ أين هم عن حقهم؟؟؟ عن شرف النضال؟؟؟ عن نصرة الحق... أين هم عن العدو في حرمهم؟؟؟ أين هم عن أَعراضِهم تُنتهك، وعن شرفهم يُداس، وعن كرامتهم تُذل وتُمتهن؟؟؟
استقبل المسلمون، شهر رمضان، ويستقبله معهم مسجدهم الأقصى أسيراً في أيدي الأعداء... فما أجدرنا بأن نتذكر أننا لم نحرم عن ثالث الحرمين عن قلة ولم نغلب عن ضعف، ولم يشرَّد أبناؤنا وأخوتُنا عن الأرض عن هزال... وإنما تم ذلك لأن الكثرةَ منا غافلةٌ غافية، شُغلت بالعَرَض عن الجوهر... وبالقشور عن اللباب، وبالأكاذيب عن الحقائق... ولأن القوة فينا مبعثرةٌ مبددة، صرفت في تخريب القواعد والأركان، ووُجهت لهدم الذاتِ والكيان.
ما أجدرنا وهذا واقعنا أن ننتهز فرصة هذه الاشتعالة الروحية، يبعثها في نفوسنا جلال الشهر العظيم، لنرى كيف جاهدَ أولئك الذين شيدوا صروح الإسلام... كيف التفَّت القلةُ الصابرة والمصابرة حول كلمةِ الحق، فكان لها النصر... وكانت لها العزة، وكان لها ما منَّ الله به على المسلمين من الفتح المبين... وكيف تجمعت الكثرةُ الفاجرة على الباطل، فكانت لها الهزيمةُ الساحقة، والخذلانُ إلى أبد الآبدين...
ما أجدرنا اليوم، وهذا تاريخنا... تاريخ الإسلام، أن نتعمق السر في النصر، والسر في الهزيمة، عسى أن يكون لنا. في كل ذلك منطلق جديد...
وإيمان القلة الصابرة المصابرة بالحق الذي دعت إليه، هو الذي حقق المعجزات... ولكن إيمان سيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه، كان قبل هذه القلة، هو ((الحقيقة)) التي تُبلور عظمة هذا الإيمان، وتبرزُ جلالَ العقيدة، وتؤكدُ مضمونَها النافذَ العميق...
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحده المؤمن بأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له... بينما كان العرب لا يؤمنون إلا بأوثانهم وطواغيتهم وما وجدوا عليه آباءهم... واستطاع الإيمان بالحق أن ينتصر، وعلت كلمة الله في الأرض...
ذلك أعظم درس لنا يستطيع أن يحققه الإيمان للمؤمنين... وذلك ما نرجو أن يذكرنا به شهر الصوم الكريم.
ومع مشاعرنا الروحية في هذا الشهر... ما أجدرَنا بأن نصنَع أكثرَ مما نصنع ونحن نرى على شاشة التلفزيون، مشاهدَ القمع والطغيان، تُمارس بوحشية العدو على أولئك الأطفال والصبية والصبايا، وهم يدخلون الشهر السادسَ عشر، دون أن يسقط الحجر من أيديهم إلا على وجوه القردة، من قوات العدو، التي لم تجد حتى اليوم أمامها إلاّ هؤلاء الأطفال... إلا هذه الحجارة، قذفتْ بها الأرض وتفجّرتْ عنها العزيمةُ والإصرار على تطهيرها من يدِ الغصب والاحتلال.
ما أجدرَنا أن نعي من شهرِ الصوم وفيه أنه الشهر الذي كانت فيه غزوةُ بدر الكبرى، وفتح مكة، وحربُ العاشر من رمضان... ما أجدرنا أن يكون لنا في كل يوم منه موقف فتحٍ ونصرٍ هما عطاء الإيمان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :628  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 120 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج