ينقصنا الإيمان بالحق |
من المبادىء التي دعا إليها الإسلام، الإيمان بإله واحد... والإيمان بالبعث بعد الموت... وبالدار الآخرة وما فيها من حساب وجزاء، وبالمساواة بين المسلمين، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى... وبالحق المعلوم في مال الغني للجائع المحروم. |
وكانت هذه المبادىء أخطرَ ما واجهته قريش، وخافتْه على ما توارثته من عقائدها الباطلة وعاداتها المتأصلة، وعلى ما كانت تتمتع به من مكانة بين العرب، فكان لا بد أن تقاوم المبادىء الجديدة، وأن تقف في وجه الداعي إليها بكل كبريائها وعنجهيتها، وبكل ما تملك من قوة كرَّستْها لمقاومة ما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم من المبادىء والمُثل. |
وقاومت قريش ووقفت للداعي ودعوته بالمرصاد، وعقدت العزم على أن تصرف الناس عنها، وأن تحولَ بينهم وبين الإيمان بمبادئها يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ...
|
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه تلك القلة من أوائل السابقين إلى الإيمان بالله وبرسوله في وجه قريش، ومعها ما معها من خيلٍ ورجُل، ومن بسطة العيش والجاه، ومن قدرة على البطش والأذى تمارسهما على المستضعفين من المسلمين على الأخص. |
وتتعدد صور الصبر والصمود في تاريخ الدعوة... حتى ليتعذر أن يُلمِحَ إلى بعضها مقال قصير كهذا... ولكن تتألق من هذا الصبر ومن الإصرار على الحق في وجه كل ما ظلت ترتكبه قريش من إثم وعدوان، ((حقيقة)) ما أجدرنا في هذه الأيام بأن نستلهمها وأن نتأسَّى بها فيما تلزمنا به الأحداث من جهاد في سبيل الله، وفي سبيل المقدسات التي لم يحدث قط أن دُنِّستْ وديستْ، كما تُدنَّس وتُداس اليوم... ولم يحدث قط أن تنمَّر فيها العدو واستأسد كما يتنمَّر ويستأسدُ في هذه الفترة المظلمة من تاريخ الإسلام الحديث. |
هذه ((الحقيقة))، هي أن المسألة ليست كثرة العدد، وليست السلاح، وليست المال والرجال، وإنما هي أولاً وقبل كل شيء مسألة الإيمان بالحق... ومسألة التمسك بهذا الحق مهما كلف من تضحيةٍ وفداء... |
ونحن على حقٍ لا شك فيه... نحن على حق في مطالبتنا باسترداد الأرض... ونحن على حق في إصرارنا على انتزاع هذه الأرض من براثن الاحتلال. |
نحن على حق في تطهير كل شبر من أرض لم تكن إلاَّ عربيةً منذ أكثر من ألف عام... ونحن على حق في رفض تدعيم أميركا للغصب والاحتلال والقمع الوحشي تمارسه الصهيونية على الصبية والأطفال والنساء. |
نحن على حق في الإصرار على عودة المشرَّدين عن الأرض إلى أرضهم، ثم نحن على حق في افتداء مقدساتنا بالدماء والأرواح... |
نحن على حق... ولكن الذي ينقصنا هو أن نؤمن بهذا الحق، وأن نستلهم الإيمان سبيلاً إلى الانتفاضة المؤمنة لاسترداد هذا الحق... انتفاضة هؤلاء الصبية والأطفال والنساء، وسلاحهم حجارةُ أرضهم تنفجر حرباً، هي الأعظم والأقدس والأطول عمراً في تاريخ النضال. |
نحن على حق، ولسنا قلة... ولسنا فقراء، وإنما نحن مُبتَلون بتفرق الكلمة، وانهيارِ العزيمة، واستغراقنا في حُب الذات، وانغماسنا القذِر في الملاذ والشهوات. |
تُرى هل من سبيل إلى صحوة؟ هل من سبيل إلى أن نرى المئات والألوف من أبنائنا يرفعون رايةَ الجهاد... وأن يسيروا في مسيرة واحدة، وخطوات واحدة ليقتحموا كل السدود نحو الأقصى الأسير... نحو الأرض التي قالت حجارتها الكلمة الحاسمة، تنطلق بأيدي الأطفال والنساء، صارخةً أين مني المجاهدون من أبناء العروبة والإسلام؟... أين هم يقتحمون بجهادهم واستشهادهم دفاعَ إسرائيل فيقفون معي... يدعمون أطفالي ونسائي، وهم يشنون على العدو حرباً هي الأولى والعظمى بين الحروب التي واجهتها إسرائيل. بل هي الأعظم في تاريخ البشر على طول الأجيال والقرون. |
ترى هل يستحيل على أبناء العروبة والإسلام... وقد بلغ عددهم ألف مليون، أن يداهم مئات أو ألوف منهم إسرائيل من كل حدب وصوب، من سوريا، والأردن، ومن لبنان ومصر... يدفعهم الإيمان بالحق وسلاحهم حجارة الأرض. |
ترى هل يستحيل أن نصحو من نومنا الطويل؟ وأن نمشي - ولو مرة واحدة - نحو استرداد الحق الضائع، والثأر للشرف وكرامة الرجال؟... فيصحو العالم... ويصحو الذين يدعمون العدو، ليدركوا أن الاستمرار في الطغيان محال؟؟؟. |
|