بصيص من النور |
ما دام الصراع على موارد العيش ووسائل الحياة قائماً بين البشر، فلا مناص من استمرار نمو العلاقات الدولية بين أمم الأرض. |
والصراع على موارد العيش ووسائل الحياة يتطور بتطور نوعية العيش ونوعية الحياة. |
قبل ألوف السنين، ربما كان الصراع، على منطقة من الغابة، تجد فيها مجموعة من البشر حاجتها من الصيد، بينما تجد فيها مجموعة أخرى، هذه الحاجة نفسها، ولكن الموجود في الغابة لا يكفي المجموعتين.. |
فلا بد لإحداهما أن تزيح الأخرى.. |
لا بد إذن من الصراع بين المجموعتين. |
وكان الصراع ينتهي دائماً، بانتصار واحدة على الأرض. |
المنتصرة تسيطر على الغابة، وتتمتع بخيراتها من صيد وحاصلات، ومن كهوف تأوي إليها إذا جن الليل. |
والمنهزمة، ليس أمامها إلا الهجرة.. والترحال.. والبحث إما عن غابة ليس عليها من ينافسها في استعمارها، أو عن غابة، تعيش فيها مجموعة لا تستطيع الصمود أمام الغزاة.. |
من المحتمل، أن لا تحقق المجموعة الغازية نصراً.. وعندئذ إما أن تندمج في غيره وإما أن تندثر.. |
ومن العجيب، أن الصورة البدائية التي عاشها إنسان الغابة ألوفاً من السنين، لا يزال يعيشها الإنسان المتحضر، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين. |
الصراع بين القوى الكبرى.. وعبث القوى الكبرى بمقدرات القوى الصغرى.. واتفاق الكبار، على التهام الصغار.. |
وتآمر القوتين العظميين، على جميع القوى الأخرى في العالم. |
كل ذلك.. ليس في الواقع إلا صورة متطورة، للصراع الأبدي.. لنفس الدور الذي كان يلعبه إنسان الغابة قبل ألوف السنين.. |
كل ما هو جديد، في الصورة، هو المظهر.. ((القشرة)).. أما ما وراء هذا المظهر.. ما وراء هذه القشرة.. فهو نفسه ذلك الإنسان، الذي كان يقتل خصمه، إذا ما نافسه على صيد غزال.. أو حتى أرنب.. |
ومع هذا الأساس فإن طموح الإنسان إلى طريقة أفضل تضمن الحصول على موارد العيش ووسائل الحياة، ظل الحلم الذي يراود أذهان الحالمين من رجال الفكر، وقادة الرأي.. |
وفي كل مرة، سُفحت فيها دماء الألوف من الرجال، بل والنساء والأطفال، في الحروب التي ملأت ألوف الأطنان من كتب التاريخ، كان يُبرق بصيصٌ من نور، في ذهن حالم أو آخر. |
ذلك البصيص من النور، الذي أبرق في ذهن هذا الحالم أو ذاك، تجمع، وتراكم وبدا كأنه بلغ مرحلة من القوة والنضوج، وكأن البشر، قد بدأوا يدركون حاجتهم إليه.. في أعقاب الحرب العالمية الأولى. |
وتمخض كل ذلك، عن ((عصبة الأمم)) التي قامت على أساس من مبادئ ((الرئيس ويلسن))، رئيس الولايات المتحدة، الذي كان مسرفاً في مثاليته إلى حد جعل (كليمانصو) رئيس وزراء فرنسا، يقول: (إن المسيح قد رضي بأن يقدم للبشرية عشر وصايا.. أما ويلسن، فإنه يصر علي أن يجعلها أربع عشرة وصية). |
ورغم كل ما بذل من جهد لتحقيق السلام فإن الحرب العالمية الثانية، نسفت عصبة الأمم.. كما نسفت مبدأ ويلسن.. ثم نسفت كل أمل للبشر، في الأمن والاستقرار والسلام. |
ولكن ذلك ((البصيص من النور))، الذي أبرق في أذهان الحالمين، وإن كان قد غمره دخان البارود والقنبلة الذرية.. التي ألقيت على هيروشيما ثم على ناجازاكي. |
ذلك ((البصيص من النور))، ما زال موجوداً.. لا يزال يومض، ولا يزال يبعث الأمل، في إمكان تعايش البشر دون صراع.. |
صحيح أن القوى الكبرى، قد خيبت أمل الشعوب والدول الصغيرة، في ميثاق الأمم المتحدة.. ولكن يظل الميثاق، هو ذلك النور الخافت.. ذلك البصيص الذي يومض في الأذهان.. |
|