شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وزارة للثقافة.. ووزيرها
دون التورط في تعريف الثقافة، لأنّه يكاد يكون الوحيد الذي تعذَّر الإتفاق عليه ربما حتى في منظمة اليونيسكو، فإن الواقع الذي تعيشه المملكة، منذ أكثر من عقدين هو نمو، بل وازدهار الحركة الفكرية، التي يشملُها أو يستوعبها معنى (الثقافة) أو تعريفها بغض النظر عن الاختلاف عليه. وكثيرة هي العناصر التي كوّنت أو بعثت (الطاقة) في هذه الشركة، وكل عنصر منها استمدَّ القدرة على النصر والازدهار، من انتعاش مسيرة التعليم وانطلاقها، وعلى الأخص بعد تعدد الجامعات، وتدفق المؤهّلين منها ذكوراً وإناثاً إلى جانب السخاء والحماس اللذين نعمت بهما حركة الابتعاث، فأثمرت رعيلاً كبيراً لا يزال ينمو، ويتزايد عدداً، ونوعيات اختصاص من المثقفين.
ولقد كان من الأيام المشهودة التي يجب أن تخلّد، بكل وسيلة ممكنة، ذلك اليوم الأغر الذي دُعي فيه النخبة من المثقفين لاجتماع مع صاحب السمو الملكي، الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز، خرجنا منه - الأستاذ محمد حسن عواد، وكاتب هذه السطور - بتصريح رسمي بتأسيس، أول (نادٍ أدبي في جدة)، ولا نحتاج أن نذكر المثقفين، الذين تجمعهم أمسيات النوادي، في جدة، ومكة والرياض والمدينة وغيرها من حواضر المملكة، أن سموه هو الذي أشعل مصباح الرِّيادة وحمل، ولا يزال يحمل الشعلة ساطعةً، في مسيرة العطاء الثقافي في هذه النوادي، ومن هذا العطاء، ما يدور من حوار، وما يُطرح من قضايا، وما يتفاعل أو يتصادم من أفكار حول هذه القضايا، ثم ما يصدره كل نادٍ من كتبٍ لمؤلفين، قد لا يجدون الحث على النشر، والإغراء به لولا جهد هذه النوادي، التي أخذت على عاتقها جانباً من حركة الإصدار والنشر، وقد غطّت من نشاط الأندية، ما لعلّها سوف تصل إلى تحقيقه، عندما يتم لها أن تملك، العقار، والقاعات، والمكتبات، وما إلى ذلك مما لن يطول انتظاره على أرجح الظن.
والنوادي الأدبية، التي كان الفضل في ظهورها، واستمرارها، وتوالي التطلع إلى الاستزادة منها، لهذا الأمير الشاب.. ليست كلّها إلاّ شريحة بسيطة، من كتلة النشاط والجهد الذي يبذله في مجالات الثقافة، باسم المملكة وتمثيلاً للحركة الثقافية فيها، في الكثير من المؤتمرات التي تعقد في هذا البلد أو ذاك من بلدان العالم العربي، وآخرها: مؤتمر (خطة التنمية الثقافية لدول مجلس التعاون) الذي كان سمو الأمير فيصل بن فهد يمثل المملكة فيه، إلى جانب الوزراء المسؤولين عن الثقافة. والمواضيع التي تطرح في هذه المؤتمرات، وللمملكة علاقة مباشرة بها باعتبارها من هموم الثقافة ومسؤولياتها وأهدافها، كان ولا يزال سموه، يضطلع بما يحقق للمملكة موقعها المرموق، ودورها الطليعي في تقرير ما يتفق مع مسيرة الحركة الثقافية في خطها الذي ترسمه، إلى جانب طموحاتها حرصها على الحفاظ على ما تلتزمه من روح العقيدة الإسلامية السمحة وجوهرها..
والصورة من هذه الزاوية - وأعني زاوية الحركة الفكرية التي أصبحت تتطلب تكريساً للجهد، وترسيخاً للمطالب، وتحديداً للاتجاهات - لم يعد مما يتّفق والواقع، أن تختلط أو تتشابك، مع ما تضطلع به وزارة الأعلام من جهود تدخل في مضمون الأعلام، بالنسبة لسياسة الدولة وجهودها الضخمة، في خدمة علاقاتها الدولية، وهي علاقات، واسعة شاملة، تنطلق في خطوط ترسمها وتحدد مساراتها القيادة العليا على ضوء المتغيرات الكثيرة، من جهة والثوابت الراسخة في طبيعة تكويننا من جهة أخرى. ولذلك، فقد كنت أتساءل دائماً، ترى ما الذي يمنع أن تكون لنا (وزارة للثقافة) تضطلع بالشؤون الثقافية، وما أكثرها، وما أشد تعقيدها وما أحوجها إلى وزير يتفرّغ لها ويقود مسيرتها، في عالم يعج ويضج بالكثير من المتغيّرات التي تفتقر إلى الملاحقة المتخصصة، مع تعمّق مشاكلها، سلباً وإيجاباً، ولعلّ السلبيات في هذه المشاكل هي التي نحتاج إلى دراستها التعامل مع مقتضياتها على مستوى الوزارة المختصة.
سمو الأمير فيصل بن فهد هو الرئيس العام لرعاية الشباب، وقد شملت رعايته للشباب الكثير من الشؤون الثقافية، وكما قلت - فإن النوادي الأدبية، وجمعيات الفنون وغيرها، هي الثمار التي حققتها رعاية الشباب، فهل لنا أن نتطلع إلى أن نرى في المملكة (وزارة للثقافة)، ونرى وزيراً لها، هذا الأمير الشاب، الذي أعطى ولا يزال يعطي الثقافة والفكر، أكثر كثيراً مما يدخل في باب الرياضة بأنواعها، وهي التي يتوهّم الكثيرون أن سموّه لا يضطلع إلا، بمسؤولياتها وحدها.. وهو وهم أعتقد أنه قد آن الأوان لأن يزول من الأذهان..
وقد يؤخذ عليّ أني أتعجّل المطلب الملح، إذا اقترحت، أن يكون سموه (وزير الثقافة والشباب).. وعذري، أني لا أزال أعيش طموحات الشباب، والحمد لله.
* * *
اكتشفت أني نائم (على أذني) - وهو التعبير الذي نسمعه من إخواننا المصريين حين يبالغون في وصف حالة الغفلة أو الغيبوبة عن الواقع - ومع أني لا أدري ما هو الفرق بين النوم على الأذن - وتلك عادة الكثيرين أو الأغلبية من البشر - وبين النوم على امتداد العمود الفقري أو الظهر.. فإني أشعر أن هذا هو التعبير الملائم، لحالة الغفلة أو الغيبوبة التي أعيشها عن المدى الذي بلغته حركة التطور والنمو، ومنها على الأخص، مطلب (بناء الإنسان)، الذي قال خادم الحرمين الشريفين أكثر من لقائه بالمواطنين أنه (ثروتنا الباقية).
وليس جديداً، أو جديراً بالتنويه، إن ما حققته الفتاة السعودية من النجاح في مختلف مراحل التعليم، والجامعي منه على وجه الخصوص، كان ولا يزال يؤكد أنها لا تقل، حرصاً على التفوق عن الفتى، بل قد لا نسرف إذا قلنا إنها تنافسه وتتفوق عليه، ولكن الجديد، والجدير بأن يعدّ وثْبة تاريخية تسجّل ببالغ الإعجاب والتقدير، وتعتبر بالنسبة لي شخصياً اكتشافاً لحالة الغفوة أو الغيبوبة عن الواقع، وأعني واقع المدى الذي بلغته حركة التطور والنمو في هذا العهد، أن فتاة من بناتنا، قد أصبحت أول (طيارة) سعودية.
أجل (طيّارة)!! بمعنى أنها نالت رخصة قيادة طائرة والتحليق بها، بعد الإقلاع المدروس، والانطلاق في الأجواء، من مطار إلى آخر، على أساس من دراسات للأساليب ((والقوانين المتعلقة بالطيران، والرموز المتعارف عليها في هذا الحقل، مع حل بعض المسائل الحساسية والهندسية، إضافة إلى قراءة الخرائط الجغرافية المختلفة)).
وتقول هذه الفتاة من بناتنا، التي تعلمت، وتدرّبت، لتصبح أول فتاة سعودية تقلع بطائرة، تحلق بها، وتنتقل من بلد إلى آخر، وتحصل على رخصة رسمية من إدارة الطيران الفيديرالية، في أمريكا.. تقول: (عامل هام كان وراء نجاحي في رحلتي، هو تشجيع والدي ووالدتي.. فهما لم يتوقفا لحظةً عن تشجيعي، ومد يد العون لي).
وأرى الآن، كيف تدور حماليق بعض قراء هذا العمود، دهشة، ربما لا تقل عن دهشتي، تساؤلاً عن (والدها ووالدتها) مَنْ هما؟ وقد يزيدُ بعضهم من شحنة الدهشة - ولا أقول الاستنكار - ليقول: (يستحيل أن يكون الوالد سعودياً.. لا بد أنه؟).
ولا حاجة بنا إلى معرفة الوالدة إذ ليس ذلك مم يهم كثيراً.. أما الوالد، فقد ذكرني بأبيه (الفريق منصور الشعيبي) تغمّده الله برحمته وغفرانه.. فقد كان صديقاً حبيباً لا يفوتنا التزاور أحياناً، والتفقد والاستفسار عن الصحة هاتفياً، هو في مكتبه في الثكنة العسكرية بجدة، وكاتب هذه السطور، بين أوراقه وكتبه في مكتبته. وما أكثر ما دار بيننا الحديث عن الكثير من الشؤون العامة التي يعلم أني أعالج الكتابة عنها في الصحف، وما أكثر ما كنت أجد فيما يفضي به إليّ من ملاحظاته، ما لن يستغني عن معالجته فيما أكتب لجماهير القراء.
ولا حاجة بي إلى التذكير، بأنه كان رجلاً عسكرياً، ولي اليوم أن ألتمس نوعاً من الصلة بين (عسكرية الفريق منصور الشعيبي، وبين أن تصبح حفيدته (أفنان) أول (طيّارة) في تاريخ تطور موقع الفتاة في المملكة إذْ كلٌ من (العسكرية) و (الطيران) يعتمد على خصيصة الشجاعة والإقدام بل وأحياناً (المغامرة) أداء للواجب وصولاً إلى النصر. فكأنَّ للوراثة أثرها الظاهر في الحفيدة، وربما في بقية الأحفاد.
وبعد،..
فمن حق الناشرين الأستاذين هشام ومحمد علي حافظ، أن أسجّل لهما السبق إلى نشر التحقيق المصور عن (أفنان) في آخر عدد من مجلة (سيدتي)، وأن أقدّر لهما نشر صور أفنان في طفولتها ومن أجمل هذه الصور، صورة أفنان، وهي في سن الخامسة، جالسة للصلاة، وقد رفعت يديها الصغيرتين، بالدعاء، إنها الصورة التي أكَّد الأبوان بها أنهما كانا وراء تربيتها الإسلامية، كما كانا وراء (نجاحها في رحلتها نحو الآفاق البعيدة في عالم الطيران).
رحم الله الفرق منصور الشعيبي، وبارك في حياة ابنه عبد الله ومن أنجب من الأبناء أو الأحفاد، يقدّمون لنا المثل للطموح وللفكر المستنير الذي يعرف طريقه إلى (بناء الإنسان).. والإنسان - كما قال عاهلنا العظيم، هو (ثروتنا الباقية).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :585  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 107 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.