وباء الـ (AIDS): نقص المناعة المكتسبة ومسؤولية الطب الوقائي في المملكة |
الجديد الذي أصبح يأخذ صفة صفارة الإنذار بخطر القنبلة الذريّة مثلاً، في أخبار وباء الـ (AIDS) هو أنّه يجد طريقه إلى الانتشار عالمياً، بمعنى التسلّل إلى كل بلد في العالم، وعلى الأخص تلك البلدان التي تعارفنا على وصفها بالمتطورة، أو المتقدمة ومنها - أو في مقدمتها - الولايات المتحدة الأمريكية. وفي مقدمة هذه الولايات مدينة سان فرانسيسكو، من ولاية كاليفورنيا، المعروفة تقليدياً بانغماس نسبة كبيرة من سكانها في الشذوذ الجنسي، وإلى ذلك الحد البشع، الذي جعل للمبتلين بهذا الشذوذ، النوادي الخاصة والمجلات المتخصصة، وحتى الفنادق، والأحياء والبقالات الخ.. ثم تأتي في ترتيب ارتفاع نسبة الانغماس في هذا الشذوذ، ولاية (نيويورك).. وهي - كما هو معلوم - المدينة التي تكاد لا تعرف أمريكا إلاّ بها، وإليها يرحل طلاّب السياحة، والعلاج، إذْ منها يتاح الانطلاق إلى الولايات الأخرى. |
وكانت أوائل أخبار وباء الـ (AIDS) قد صدرت عن عدد المصابين بالوباء في نيويورك وبلغ من المعلومات المنذرة بخطره الساحق الماحق، أن أصحاب شركات نقل ودفن الموتى، أخذوا يرفضون رفضاً باتاً، التورّط في نقل ودفن أولئك الذين يقضي عليهم هذا الوباء، وجاءت مدينة سان فرانسيسكو بعد نيويورك، ولكن ليس فقط عن عدد المصابين بالوباء، وإنما عن الأعداد الهائلة التي تجاوزت مئات الألوف من المنغمسين في محنة الشذوذ الجنسي. وتبعاً لذلك، عدد الإصابات بالوباء التي أخذت تتكاثر يوماً بعد يوم، والطب مكتوف اليدين، لا يعرف سبيلاً للعلاج أو الوقاية من العدوى، وإن كان قد عرف أنه (نقص المناعة المكتسبة)، وهو النقص أو المرض الذي إذا أخذ يتطوّر - وهولا يتوقف عن التطور - لا بد أن يقضي على المصاب به، وهذا مع الخطر الأهم، وهو عدواه.. أي انتقاله من المصاب إلى السليم، وليس فقط عن طريق الاتصال الجنسي، وإنما عن طريق الحَقْن، بإبرة أو حقنة ملوَّثة، وحكاية الحقن هذه، مرتبطة بالمخدرات، وعلى الأخص منها (الهيرويين، والكوكائين) الخ.. ثم نقل الدم للحالات التي يحتاج فيها مريض ما إلى الدم، الذي ثبت أن الكثيرين من المصابين بالمرض، يتبرعون أو يبيعون دماءهم، بغرض نشر الوباء، حقداً أو انتقاماً، أو على قاعدة (عليّ وعلى أعدائي) والسليم هو عدو المصاب بالوباء، الذي كانت إصابته نتيجة لمحنة الشذوذ، أو للانغماس في إدمان المخدرات. |
وكنت قد قرأت منذ سنتين أو أكثر التحقيقات المطوّلة في مجلات أمريكية، ثم في صحف بريطانيا، وتذكرت على التو أن لنا في الخارج - وفي أمريكا خاصة - أكثر من ثلاثة عشر ألف طالب يتدرّبون في معاهد التقنية، أو يدرسون في الجامعات، ووجدت من واجبي أن أكتب إلى الجهة المختصة، وهي وزارة الصحة - في عهد الدكتور غازي القصيبي - مؤكّداً أن ما نشرته مجلات وصحف أمريكا وغيرها، لا بد أنه مما قرأه المختصون، فلست الوحيد الذي قرأ.. ولكن كان لي اقتراح، عليَّ أن أسلِّم بأنّ تنفيذه لا بد أن يواجه عقبات وحساسيات، ولكنه رغم ذلك ضروري، ضرورةً تصل إلى حد الوجوب الذي لا يجوز التهاون فيه. وكان الاقتراح، أن يتم الكشف على كل من يعود إلى المملكة، من تلك البلدان الموبوءة، سواء أكان طالباً أو سائحاً وبالنسبة للزواج، وجوب حصول الزوج والزوجة، على التقرير الطبي الذي يثبت خلوهما، ليس فقط من وباء الـ (AIDS) وإنما من أمراض تناسلية أخرى معروفة منها (الزهري) وكذلك (السيلان). |
وقد بلغ من تحمّسي للفكرة، أن أبرقت بها برقياً، ألحقتها بخطاب مفصّل.. ولكنني فضّلت أن لا أكتبها تحت عنوان (نشر وطي) اليومي في جريدة عكاظ، تجنّباً لحالة الفزع التي قدّرت أن الناس سوف يصابون بها، وهو ما يدخل في باب (التشويش)، الذي اعتدنا أن نتحاشاه. |
وليس لي اليوم أن أعقّب بشيء، على عدم الرد في وقته، مرجّحاً أن الوزارة ليست نائمةً، وأنها رأت في تحذيري، ربما نوعاً من (هلوسة وهواجس) الأدباء يمكن إهماله. |
ما علينا.. ولكن الصورة في هذه الأيام شرعت تأخذ صفة صفارة الإنذار بخطر القنبلة الذريّة.. إذ أجد أمامي، خبراً نشرته صحف المملكة، نقلاً عن وكالات أنباء، من واشنطن يقول: (وزير الصحة الأمريكي) (أوتيس بوين) أعرب عن اعتقاده بأن وباء الـ (AIDS) يمكن أن يؤدي إلى وفاة عشرات الملايين من الأشخاص خلال عشرة أعوام.. وأنه لم يُسَجَّل أي تقدم في مقاومة هذا المرض الخطير. وأضاف وزير الصحة، في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن يقول: (لم تروا أو تسمعوا شيئاً بعدْ! إن الطاعون والجدري.. والحصبة والتيفوئيد ستصبح أمراضاً بسيطة جداً، بالمقارنة بما سيحدثه الـ (AIDS) من آثار مدمرة). |
وآخر أخبار هذا الوباء، ما نشرته جريدة الشرق الأوسط بعنوان (طاعون البعوض) في مقال مطوّل نوعاً عن طريقة عدواه وانتقاله من المصاب إلى السليم، والخلاصة فيه أن البعوض.. - أجل البعوض - يمكن أن ينقل الوباء. ويقول كاتب الخبر الأستاذ (صلاح قبضايا): (وإذا عرفنا أن البعوض ينتشر في السودان، والأردن ومصر وشمال أفريقيا، وإذا أضفنا إلى ذلك تزايد احتمالات وجود المرضى وحملة المرض بيننا ممن تحملهم الطائرات كل يوم قادمين من أوروبا وأمريكا ومن غيرهما، فإن هذا يعني أن السنوات القليلة القادمة قد تحمل معها كارثة صحية يمكن أن نطلق عليها: (طاعون ((الإيدز)) أو طاعون البعوض). |
والأستاذ قبضايا فضّل أن لا يذكر بلدان المملكة بين البلدان التي ينتشر فيها البعوض انتشاراً رهيباً، ومن جانبي - في منزلي - رغم حواجز السلك والزجاج في النوافذ والأبواب المفتوحة على الشارع أو الحديقة، فإن ميزانية المبيد (ذو القوة الثلاثية) الذي يعلن عنه التليفزيون كل ليلة، لا تقل عن 100 ريال في الشهر. |
وفي وزارة الصحة عندنا قسم للطب الوقائي، وهو القسم المسؤول عن وقاية المواطنين - بعد الله - من الأوبئة والأمراض الوافدة، وهذا الوباء منها دون شك وكونه وافداً يعني أنّه يفد علينا، مع القادمين من الخارج، ومن هنا أصبح الكشف عليهم توقياً من هذا الوباء، والأمراض التناسلية الأخرى، واجب له حكم الإلزام. |
وبالنسبة للزواج، فإني أتقدم إلى أولي الأمر، باقتراحِ فرضِ الكشفِ الطبي، وصدور تقرير بسلامة الزوجين من الأمراض التناسلية، ومن هذا الوباء خاصة قبل العقد. وأعتقد أن تطلعنا إلى أجيال صحيحة البنية، خالية من قذارة التناسليات، التي يرثها الأبناء والأحفاد إذا أهمل العلاج، يحتم علينا أن نتخطى - وبجرأة وتصميم - عقبات الحساسيات الموهومة، التي آن الأوان للتخلّص منها، بعد أن بلغ عدد خريجي الجامعات من الجنسين عشرات الألوف. |
|