شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الطلاق في رسالة دكتوراه
الطلاق في جميع المجتمعات الإسلامية، رغم أننا نردد، أنه أبغض الحلال إلى الله بل ورغم كل ما يتدفّق، من عبارات الوعظ والإرشاد، والنصيحة والتوعية، في كل مرة شقاقٍ بين زوجين، وعلى مر السنين والأجيال، بل والقرون، فإنه لا يزال السيفَ المصلت، أو القنبلة الموقوتة، وأصبح الديناميت الرهيب، الذي يدمّر الحياة الزوجية، أو هي العلاقة الزوجية، فيضيف إلى مشاكلنا الاجتماعية الكثيرة، أشد هذه المشاكل تعقيداً وخطراً، وأثراً بعيداً، لا يقف عند الكلمة يلقيها الزوج في وجه الزوجة، أو عند الورقة يبعث بها، فيتم التدمير الرهيب، وإنما يمتد، ويتضخم، بل ويتعمّق في التكوين الاجتماعي والأُسري، وعلى الأخص حين يكون هناك أطفال صغار، ذكور وإناث، أنجبتهم الزوجية، وألقت بهم في الساحة بين أب يملك أن يطلّق دون حرج، وأم لا تملك أن تدفع عن نفسها وعن أطفالها غائلة الظَّلام الذي يبدأ زحفه على حياتها وحياة صغارها منذ اللحظة التي يُغلق فيها الباب خلف الرجل الذي يخرج، وفي ذهنه مستقبل، إذا بدا له غامضاً لبضعة أيام أو أسابيع، فإنّه سرعان ما ينجلي.. وسرعان ما تتفتح أمامه السبل والحلول.. إذ هناك العشرات من الفتيات، اللائي ترشحهن الأم أو الأخت، أو يرشح هو إحداهن التي علقت بذهنه يوم لمَحها ضيفاً على زوجته ذات يوم.
ومن المفروغ منه، أن الكثيرين من أفاضل وأجلاء العلماء، قد عُنوا ببحث الطلاق وربّما كانت لهم المحاولات للذهاب مع كونه أبغض الحلال إلى الله، إلى أبعد من المفهوم المحدود السائد. والغرض محاولة الحد من تفشي الظاهرة، وكبح جماح حالة الإسراف في ممارستها. وليس فقط بين العوام والجهلة أو محدودي الثقافة، وإنما بين من يحملون المؤهلات الجامعية، ومن الطبقات المرموقة الميسورة إن لم تكن الموفورة. ولكن مما لا ينبغي أن نتجاهله، أو أن نخفف من المبالاة به، أن الظاهرة لا تزال على ما هي عليه إن لم تزدد انتشاراً، وعلى الأخص مع الوفرة التي أتاحت، ليس الاستهتار فالطلاق وحده وإنما الزواج بأخرى وثالثة.. أي إن المصيبة لم تقتصر على الطلاق فقط وإنما تجاوزت ذلك إلى تعدد الزواج والزوجات، ودون مبالاة أو حساب لغائلة الأيام.
أعلم طبعاً أنّه الحلال الذي لا يوجد نص يحرّمه أو يحد من الإسراف في ممارسته ولكني أعلم كذلك، المسؤولية التي لا بد أن تضطلع بها الدولة تجاه الظاهرة، ليس بغرض التحريم، أو المنع، وإنما بغرض (التنظيم والتقنين) في حدود التوجيهات التي تشعها كلمة (أبغض الحلال إلى الله الطلاق). إن ما يعانيه المجتمع من انتشار حوادث وممارسات الطلاق، ليس جديداً في الواقع، ولكن الجديد، أو ما يجب أن يأخذ حكم الجديد هو تنامي التطلع إلى (التنظيم والتقنين).. والأرجح أن ذلك واحد من نتائج، التعليم والوعي، والإدراك الصحيح لما يترتب على الطلاق من جهة، وتعدد الزوجات من جهة أخرى، من نتائج، أقل ما توصف به أنها هَدْم للأسرة وتفكيكٌ لعرى الترابط في المجتمع.
ولا أدري في الواقع شيئاً عن رسالة الدكتوراه التي أعدتها الباحثة الدكتورة إقبال ابنة الأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار، ولكن الذي أدريه أني قد سعدت جداً، بأن تعنى الباحثة الكريمة بهذا الموضوع بالذات، وأن تتقدم ببحثها هذا أو برسالتها إلى جامعة ((سان فرانسيسكو)) في الولايات المتحدة الأمريكية. إذْ أفترض أو لعلّي أتوقّع أن نجد في الرسالة ما عرف به الأستاذ أحمد عبد الغفور من خصيصة الحرص على الدقيق والصحيح والمحقق فيما يعالج من أبحاث وتحقيقات، وقد لا ينبغي أن نستبعد، أن تحفل الرسالة بالاحصاءات الدقيقة لحالات الطلاق، ليس فقط في المملكة، بل في العالم الإسلامي على رحبه، حيث سوف نجد ما يذهلنا، ويفتح أمام أعيننا مدى العمق في هذه الهاوية السحيقة التي يهوي إليها المجتمع الإسلامي، كنتيجة لافتقاد التنظيم والتقنين، وعلى الأخص في الطبقات الفقيرة كعادة مستحكمة، وفي الطبقات الغنية، كمظهر ترف وثراء ورخاء.
في تقديري، أن الطلاق وتعدد الزوجات، وكلاهما مباح، يمارسه الرجال في المجتمعات الإسلامية كلّها، ولكنهما يفرزان الكثير من المشاكل التي تستحق أن يعنى بها مجمع الفقه الإسلامي، وفيه النخبة المصطفاة من أكابر علماء الإسلام، الذين نلقي على عواتقهم مسؤولية النظر والتماس الحلول والعلاج، لواحدة من كبريات المشاكل وأخطرها على المجتمع الإسلامي.
وبعد.. فمرحباً برسالة الدكتوراه، التي تتقدم بها الباحثة إقبال ابنة الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار، وتهنئة من الأعماق مع أطيب التمنيات نهديها إلى الأستاذ العطار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :923  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.