شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
معركتنا تحدٍ حضاري
ممّا كاد يصبح مسلمة تستغني عن النقاش، أن معركتنا مع العدو ومن يدعمونه، معركة تحدٍ حضاري.. بعبارة أخرى، أن معركتنا، ليست مع أهدافه العدوانية، وهي أهداف الاستعمار الذي زرعه في أرضنا، وأراد له أن يكون ذراعه، التي تستطيع أن تمارس استنزاف الطاقات والقدرات، لحساب غرض مخطط له ومحسوب ومطلوب، وهو بقاؤنا السرمدي، في موقف العاجز الكسيح الذي يتسوّل العون لسد الرمق لا أكثر ولا أقل.. معركتنا ليست مع شيء من هذا كله.. وإنما مع الحضارة الأوروبية التي أقامها العدو، ولا يزال يرفع معمارها الشامخ في قلب الشرق الأوسط وبين جماهير شعوب هذا الشرق، الذين لا يزالون يوصمون بالتخلف الحضاري، بمفهوم الحضارة في هذا القرن.
وما أكثر ما يطيب لنا أحياناً، أن نستهين بما يحققه العدو من تقدم وتطور في مختلف المجالات، فإذا جوبهنا بحقائق ملموسة أو مشهودة عن هذا التطور، عزونا ذلك، ببساطة مضحكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أو إلى غيرها من الدول الأوروبية، ونتجاهل في نفس الوقت أن الولايات المتحدة إذا كانت تساعد العدو، من منطلق التزامها بالدفاع عن بقائه، فإنها تظل (تاجراً) مستعداً لبيع التقنية وما في حكمها ووزنها، وقد استفادت من ذلك دول دفعت واستلمت، ومن هذه الدول الصين الشعبية رغم أنها واحدة من أعضاء النادي النووي منذ أكثر من ربع قرن. فما الذي منع أو يمنع أن نستفيد نحن أيضاً.. وما الذي ينقصنا للتعامل مع (التاجر) الأمريكي أو الأوروبي، فنحقق ما حققه العدو لنفسه من نجاح.. وليس مما نستطيع أن نستهين به من هذا النجاح، إنّه أصبح، يصنع أنواعاً من الأسلحة المتطورة، ويصدّرها ليُعدَّ من الدول المصدّرة للسلاح، وهو ما لا نزال نعتبره حلماً بعيد المنال.
وحياة الفكر، وحركته في عالمنا العربي، قد يطيب لنا أن نطمئنَ أنفسَنا، بأنها نشطة مرضية، ونستشهد، بهذا العدد الهائل من الجرائد والمجلات، التي تقذفنا بها دور النشر، وسبيلها إلى أيدي القراء، (فتاة الغلاف)، أو ما في حكمها وما يدور حولها من مواضيع ميتة، كل ما يبرر الإقبال عليها - إن وجد - أنها ميتة، يكتفي من تقع في يده بالنظرة العابرة الخاطفة، إلى هذه الصورة أو تلك، أو إلى العناوين التافهة السخيفة، ثم يلقي المطبوعات إلى مصيرها المحتوم.. سلة النفايات.. وقد نجد من يذكرنا بحركة التأليف، وما أنشطها في كثير من بلدان العالم العربي، رغم هبوط نسبة عدد القراء تقليدياً، ولكن ما أبعد ما ينشر من هذه المؤلفات من تعمّق مشاكل العصر، وما أشد عجزه عن اجتياز مرحلة التبعية والتقليد، والمراوحة في نفس الساحة التي ملأتها جهود القدماء، بإعادة نشرها بمبرر (التحقيق) الذي لا ترى الجامعات ما يمنع أن تمنح عليه المحقق تقديراً بدرجة (الدكتوراه).
.. أمّا محاولة الوصول إلى مرحلة (الاستقلال) بحياة فكرية تستمد عناصر وجودها ونموها من واقع المنطقة، ومن الجذور التي لا تزال تحتفظ بحيويتها في تراثنا الروحي والعقلاني، فإنها أمنية لا تزال لا تحظى بنصيبها من الفاعلية، إلاّ في أضيق الحدود، وفي مواجهة تشكيك في حسن النية يصل إلى حد الاتهام بالجنوح والزيغ والضلال.
ومن هنا، يبدو أنه - بدون تخطيط قيادي على مستوى قمم فكرية مسؤولة - وتنفيذ على مستوى مسؤوليات عليا للتعليم والثقافة، سوف لن تشهد الأرض العربية، ذلك التطور الجذري في قضايا الفكر ومنطلقاتها وأهدافها.. ومعها مشاكل الحضارة، وأثرها في تمهيد وتصديق الأجيال الصاعدة نحو كيان حضاري معاصر وأصيل، وقادر على التفاعل مع متطلبات حياة تتنازعها عوامل تغيير وتطوير لم يسبق أن شهدت مثلها البشرية قط.
وبعد..
أفليس ممّا يؤكّد ما نتهم به من التخلف الحضاري، أن الكتاب العربي لا يزال مطوّقاً بعجز الفكر عن الاستقلال، من جهة، وأن الكاتب لا يزال مطوّقاً بقيود تحرّم عليه أن يتنفّس إلاّ بمقدار، ومن هواء (مكيّف) محسوب من جهة أخرى.. فإذا قيل، إن معركتنا مع العدو، أو الأعداء، معركة تحدٍ حضاري، أفليس علينا أن نستوعب المقولة، بتجرّد، وأن نلتمس السبل، التي تتيح لنا أن نواجه هذا التحدي بأسلحة العصر، ومنطق العصر، وأساليب العصر؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 87 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج