شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كبار الكتّاب واللغة العربية
درجنا خلال ما يقرب من عشرين عاماً مضت، على أن نستكثر على ناشئة الكتاب، وشداة الأدب فيما ينشر لهم في الصحف من أعمال، أن يقعوا في أخطاء نحوية أو لغوية. ولعلّ الكثيرين منّا قد تصدّوا لهم، بحملات تصحيح وتجريح لم تخل من قسوة وصرامة وعنف. وكان السبب دائماً هو الخوف على اللغة أن يزداد ما طرأ ويطرأ عليها من ضعف، وعلى قواعد النحو أن يتزايد العبث بها والاستهانة بأهميتها، وهي الضوابط والكوابح، التي تصون الكتابة والقراءة، عن مزالق الضياع والانهيار، في بلد، هو مهبط الوحي، وينبوع العربية، ومهد البيان والتبيين. وقد لا نركب موجة الغرور، إذا زعمنا، أن اطِّراد الحملة قد أعطى بعض النتائج الطيبة، إذ أخذت نسبة هذه الأخطاء تتراجع، حتى فيما ينشر للناشئين والشداة في صحفنا ومجلاتنا.. وحسب القارئ أن يقوم بمقارنة عابرة بين ما كان ينشر في هذه الصحف والمجلات، منذ عشر سنوات مثلاً، وما ينشر فيها اليوم، ليرى ويلمس هذه الحقيقة، ممّا يرجّح أحد احتمالين: أولهما أن الذين يكتبون، أصبحوا يتحرّون الدقة والصحة ويحرصون على أن يلتزموا ما يستطاع أو ما ينبغي من قواعد النحو واللغة، والآخر أن تكون الصحف والمجلات، قد أخذت بالرأي أو القاعدة المتّبعة في كبريات صحف العالم العربي وهي أن لا يبعث مقال للجمع والطبع، إلاّ بعد أن يراجعه مصحّح (لغوي)، يصحّح الأخطاء بما فيها (الفواصل).. وفي الحالين، لنا أن نحمد الله على أن أصبحنا نقرأ هذه الصحف والمجلات، دون أن يقف شعر رؤوسنا غيظاً وحنقاً على الأخطاء.
كان هذا شأننا أو هو موقفنا من أخطاء الناشئين والشداة عندنا، وللحقيقة لي أن أقول إن شريحة كبيرة من حملة المؤهلات العالية. كانت ولا تزال تقع في مزالق هذه الأخطاء فإذا تجنّب بعضنا الإشارة إليهم أو ضبطهم متلبسين بما يؤخذ على الناشئين والشداة، فلأننا - على الأرجح - نلاحظ، ضرورة الاحتفاظ لهم بهيبتهم وموقع أستاذيتهم من الناشئين والشداة، أو من طلابهم في مدرجات الجامعات، وهم يتلقّون منهم المواد التي يدرسونها.
أمّا كبار الكتّاب، الذين اقتعدوا مواقع الأستاذية، في الصحف والمجلات، بل وفي الحجم الضخم من المؤلفات، أو الأعمال الأدبية، منه القصص والروايات، التي انتشرت، وتسلّلت إلى أرفف المكتبات الصغيرة أو الكبيرة، في بيوت المثقفين، وبطبيعة الحال، إلى أيدي الفتيان والفتيات، في مرحلة الطلب، أو هي مرحلة المراهقة والتكوين.. أمّا هؤلاء، ومن هذه الأوزان الراجحة، فإن ما يقعون فيه من أخطاء لغوية ونحوية، لا أجد لها وصفاً أقل من أنها فاضحة بل ومخجلة، خليق بأن يكون لرؤساء تحرير الجرائد التي تنشر لهم مقالاتهم على صدر صفحاتها، موقف يتجاوز الرغبة في (استغلال) اسم الكاتب بغض النظر عن أخطائه، إلى ما لا يقل عن الاعتذار عن هذه الأخطاء (نيابة عن الكاتب الكبير) إذا قضت الرغبة في استغلال الاسم، بنشر المقال ملوّثاً بتلك الأخطاء.
والأستاذ (إحسان عبد القدوس) وأحد من كبار الكتّاب في العالم العربي، وهو من الكبار ليس فقط، بسنه العالية، وبرصيده الضخم من المشاركة في العمل السياسي خلال فترات متعددة من تطور الحياة السياسية في مصر، وإنما أيضاً بمجموعة الروايات التي أجاد وأبدع في دغدغة أحاسيس فورة الجنس لدى الفتيان والفتيات بها.. بحيث يندر أن أتيح لكاتب عربي معاصر أن ينتشر، وأن يُقرأ بلهفة ونهم، كما انتشر وقُرئ الأستاذ إحسان، وليس في مصر فقط، وإنما ربّما في معظم بلدان العالم العربي.
وقد حرصَتْ أكثر من جريدة، خارج مصر، على أن تنشر له مقالات التزم فيها أسلوب الحوار بينه (ومبسم الشيشة في يده)، وبين شخصيات وهمية خلع عليها صفة الشباب الحائر المتسائل عن قضايا الساعة في سياسة العالم العربي. بل حرصت هذه الجرائد أن تنشر له نفس المقالات التي تنشرها جرائد مصر، والغرض بطبيعة الحال هو الترويج للمطبوعة لدى شرائح من القراء هنا أو هناك. وليس في ذلك، ما يؤخذ على الجريدة التي لا بد أن تحرص على انتهاج كل سبيل أو وسيلة تحقق الرواج والانتشار. وليس لنا أن نناقش الآراء التي يطرحها الأستاذ إحسان أو يصل إليها في حواره، ولكن لا شك في أننا نتوقع، ومعنا كل قارئ يعرف الأستاذ ورصيده العالي، أن تخلو مقالاته من الأخطاء اللغوية والنحوية بل والأسلوبية أيضاً، لأنه معدود بين كبار كتّاب مصر والعالم العربي.. وحتى إذا قيل إن كاتب المقال السياسي، يمكن أن يتخفّف من أعباء اللغة وقيودها، فإن ذلك لا ينبغي أن يصل إلى حد الخطأ الذي لا يعذر أن يقع فيه طالب في مستوى التعليم المتوسط.
الواقع أني لم أقرأ للأستاذ إحسان أكثر من كتابين لا أذكر عنوان أي منهما الآن ولا بد أن أسجل له رشاقة الأسلوب، وعفويته، وخصوصية الموضوع الذي يعالجه في الرواية التي يكتبها وهو يوجهها إلى شريحة يعرفها، من الفتيات والفتيان.. ولعلّي قد تجاوزت عن أخطائه القليلة مشدوداً إلى فنّية العرض وحيوية الأحداث، ويندر أن أقرأ له مقاله وهو ممسك بمبسم الشيشة، لأنه يعطيني صورة (المعلّم) في المقهى البلدي، وليس في حياة إحسان ما يجمع بينه وبين (المعلّم).. فإذا أضفنا إلى ذلك، أن الصورة والحركة فيها مكرورة، إلى حد فقدت معه قدرتها على أن تكون مقبولة، حتى لدى عامة القراء، فإنّ رؤساء التحرير يستطيعون - فيما نظن - أن ينبّهوا الأستاذ إحسان، إلى أن حركة التغيير في مسيرة الفكر العربي، والثقافة العربية أصبحت أسرع كثيراً، وأكثر حيوية، من (المعلم) ومبسم الشيشة بين شفتيه، ودخانها من منخريه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :668  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 85 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج