شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أرخص سلعتين
كان يدور بذهني منذ عقود من السنين، أن الوقت هو أرخص سلعة في حياة إنسان العالم العربي، وهو بطبيعة الحال، جزء من العالم الثالث. وتلك حقيقة تستغني عن الإثبات أو المناقشة.. وإذا كان لا بد من دليل على أن الوقت عندنا أرخص حتى من التراب، فيكفي أن نسأل أنفسنا، عن الوقت الذي نهدره ونبدده باستهتار، حتى ونحن نمارس العمل الذي نرتزق منه. لو حسبنا كم من الوقت نبدد، في التأخر عن موعد الحضور إلى المكتب الذي نعمل فيه، ونتقاضى عليه الأجر الذي نرتزق منه وكم من الوقت يضيع ونحن نلتصق بسماعة التليفون، في أحاديث بالغة التفاهة والسخف.. وكم من الوقت يذهب هباء ونحن نتحلّق حول ورق اللعب بكل ليلة، لوجدنا أن ما يقرب من 30% من هذا الوقت الغالي يهدر فيما لا يجدي شيئاً، على الإطلاق.
وضياع الوقت، أو إهداره، أو عدم الإحساس كلياً بقيمته، حالة تقليدية راسخة يبدو أن من العبث الذي لا طائل وراءه محاولة التخلص منها، أو حتى التخفيف من استسلامنا لها هذا الاستسلام العفوي المألوف.
عنيت مرة بأن أحسب، ما نبدده من الوقت بالتأخر عن موعد الحضور إلى الدائرة أو المكتب، أو مواقع العمل، وافترضت أن التأخر لا يزيد في المتوسط على نصف ساعة فقط، فإذا كان عدد موظفي الدولة يقرب من 350 ألف موظف، فهذا مضروباً في 30 دقيقة، كل يوم من أيام السنة، يعطينا (175000) ساعة في اليوم الواحد، أي (21875) يوم عمل بواقع أن عدد ساعات العمل في اليوم هو ثمان ساعات. وهذا في اليوم الواحد من أيام العمل وعلى القارئ أن يحسب كم يوماً يكون ذلك في الشهر ثم في السنة.. فإذا كان متوسّط الرواتب التي تدفعها الدولة للموظف الواحد لا يزيد على ألفي ريال، فلا بد أن نصاب بالدوار، حين نصل إلى الرقم الهائل من الأموال، التي تهدر فعلاً، بالتأخر عن موعد الحضور نصف ساعة في اليوم.
وكما أن الوقت أرخص عندنا من التراب، فإن (الإنسان) نفسه أصبح أيضاً أرخص سلعة وإن كان أغلى قليلاً من الوقت.. فلو عنينا بأن نحصي عدد الذين تخترم أرواحهم إسرائيل من أبنائنا في لبنان، ومن أبنائنا في العراق وإيران، ومن أبنائنا في عمليات الاغتيال ودع عنك عمليات السجن والتعذيب، فإننا نجد أن هذا الإنسان، هو السلعة التي نستهتر بها أبشع استهتار.. لا قيمة للأرواح، ولا للدماء، ولا مردود لهذه التضحيات، أو لعمليات القتل إلا المزيد من اليتامى، والأرامل، والثكالى والأيامى من الأمهات والزوجات والأخوات.
ظاهرة، نرى نقيضها، في هؤلاء اليهود، الذين يحرصون على أرواح عناصرهم، فيستكثرون القتيل أو القتيلين، في الصراع بينهم وبين المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية. كما نرى نقيضها المذهل، في حرص أمريكا على أرواح قواتها، فتقيم الدنيا ولا تقعدها، إذا قتل أحد أبنائها في لبنان أو في غيره.. ويبلغ من إعزازها للقتيل أو القتلى، أن يحرص الأمريكيون كما يحرص اليهود، على نقل جثثهم لتدفن في احتفال مهيب في أرضهم.. بينما قتلانا - في مذبحة صبرا وشاتيلا مثلاً - لا ندري إن كانوا قد دفنوا، في الأخاديد الجماعية، أم أكلت أشلاءهم الوحوش.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :647  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج