شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حسبي هذه الدموع
سمعت وأسمع الكثير عن مستوى، ومدى البذخ الذي يتيه ويتبختر به بعض نسائنا، بنات وزوجات، وتواتر الرواية، من شاهدات عيان، رأين وشاهدن ما تدفعه إحداهن، ثمناً لمتر واحد من القماش، أو ما يزين الصدور والنحور من قطع ماس، لا تقل قيمة الواحدة منها عن مليون أو ملايين من الريالات، يوكّد أن ما يسمع عن هذا المستوى من البذخ، هو الحقيقة الماثلة، التي لا يهم أن يصدّقها أمثالي أو لا يصدقوها.
سمعت - على سبيل المثال - أن واحداً مما يسمّى فستان الفرح والطرحة - قد صنع في باريس لدى أكبر وأشهر بيوت الأزياء، وأن المبلغ الذي دفع، عداً ونقداً، كان أكثر من ستة ملايين ريال. وقالت شاهدة عيان، أنها رأت فتاة تختار قماشاً لفستان سهرة.. عرض عليها المحل مجموعة من الأنواع والألوان.. كانت تسأل عن قيمة المتر الواحد من كل نوع، فتستبعده، إلى أن عرض عليها نوعاً قيمة المتر منه عشرة آلاف ريال.. فأمرته أن يجهّز لها أربعة أمتار، وقبل أن يقص أخرجت من حقيبة يدها المبلغ نقداً.. واستدعت سائق سيارتها، لينقل ما اشترته.. وهذا يعني أن فستان السهرة، سوف يكلّفها أكثر من خمسين ألف ريال، عندما تتبختر به في مجتمع السهرة المنتظرة.. والملاحظة أن الفتاة لم تناقش إطلاقاً صاحب المحل في المبلغ الذي طلبه.. ولم تتردد لحظة في الموافقة والدفع.. كأن هذا الارتفاع الصاروخي في القيمة، هو البرهان القاطع المانع على أن القماش الذي عرض هو الذي يليق بالسهرة التي سوف تحضرها..
وليس لنا أن نتساءل عن الأب، أو الزوج، الذي يشجّع الفتاة على أن تحضر السهرة بفستان قيمته أكثر من خمسين ألف ريال.. إذ الأرجح أنه لا يهتم بأكثر من أن يدفع ما يطلب منه، والدفع عنده عملية لا تكلّفه أكثر من أن يتناول من صندوقه أو درج مكتبه، أو ورقة من ذوات الخمسمائة يقدّمها بيد وسماعة التليفون في اليد الأخرى، ليكمل حواره ربّما - عن سهرة يحضرها في نيس وكان ينفق فيها، أضعاف ما دفعه لقيمة الفستان.
تلك صورة من واقع لا يزال معاشاً للأسف رغم كل ما بحت الأصوات في الدعوة إليه من ترشيد الإنفاق، وفي هذا البلد.. وأعني بالطبع البلد الذي نتشدّق بأنه مهبط الوحي، ومشرق الهدى، ومنطلق الدعوة إلى الله وننتظر، وينتظر معنا المسلمون في الأرض، أن يكون أبناؤه مثالاً للقدوة الصالحة في مسيرة الإسلام والمسلمين.
تجمّعت أمامي عناصر وألوان، هذه الصورة، ولا أخفي أني بكيت، وأكتب هذه السطور وأنا ألاحق ما تذرفه عيناي من الدموع.. عندما تذكّرت كلمة قالها الإمام علي كرّم الله وجهه يذكر زوجه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. قال: (جرّت الرحى حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها..).
وليتصوّر القارئ، فاطمة بنت رسول الله، تجرّ الرحى، حتى تؤثّر في يدها، وتستقي بالقربة حتى يؤثر حبلها من الليف أو سعف النخل، في نحرها، وإحدى بناتنا تتبختر في السهرة بفستان قيمته خمسون ألف ريال.
ماذا أقول؟ حسبي هذه الدموع أذرفها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :712  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.