شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تصريح بالقتل
وليس غريباً في الواقع أن يكون في حياة المجتمعات الإنسانية على اختلافها، ما يمكن أن يسمّى تصريحاً بالقتل.. إذ ما يكاد الجندي، يدخل ساحة الوغى، حتى يبدأ ممارسة عملية القتل بتصريح مفهوم ضمناً، ومتفق عليه، بل يتجاوز التصريح حدود مفهومه، إذ يغدو التزاماً يجب على الجندي أن يؤدّيه على أفضل وجه.. ولا ننسى في نفس الوقت، أن الذي ينفذ عقوبة الإعدام، فيقتل المحكوم عليه بها، إنما يفعل ذلك بتصريح هو حكم المحكمة.
ولكن ما يقع في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بلدان متقدمة أو متطورة أخرى، أصبح تصريحاً بالقتل.. أو تصاريح بالقتل، تصدرها المحاكم على اختلاف درجاتها، للمجرمين الذين يقترفون أبشع جرائم الاغتصاب والقتل، والضحايا فتيات، أو أطفال، تمارس عليهم عملية الاغتصاب ثم يقتلون، وتمزّق جثثهم أوصالاً، يعثر عليها عمّال النظافة، أو عمال المجاري، فإذا أقيمت الدعوى على القاتل، وتوافرت الأدلّة، ومنها الاعتراف أحياناً، فإن نتيجة المرافعة تكون حكماً بغرامة مالية، وحجزاً لا يتجاوز أسابيع، فإذا دفعت الغرامة، أو الكفالة يخرج المجرم، ليعود إلى ارتكاب نفس الجريمة أو الجرائم. ويتكرر المشهد في المحاكم، حيث يجد محامي المتهم الثغرة التي يدخل بها على القانون وحيث لا تملك المحكمة إلاّ إصدار نفس الحكم بالغرامة، والحجز، ثم إطلاق سراح المجرم، على أساس من حكم المحكمة في جميع الأحوال. ولا يمكن أن يسمّى مثل هذا الحكم إلا تصريحاً بالقتل.
أقرأ في الصحف والمجلات الأمريكية والإنجليزية، عن جرائم تقشعر لها الأبدان، جرائم قتل يرتكبها مجرم واحد، وتكتشف دوائر الشرطة الجريمة والضحايا، وتقدم المجرم إلى المحكمة وينتظر الجمهور حكم الإعدام، فإذا بالحكم يصدر بالسجن سنة أو سنوات، مع حق المجرم في الاستئناف.. وليس من المستبعد دائماً أن يصدر حكم الاستئناف لصالح المجرم، فيخرج ليرتكب جرائمه واثقاً أن رقبته لن تصل إلى حبل المشنقة في جميع الأحوال.
ومن المؤسف، أن بلداناً عربية إسلامية، قد ترك لها الاستعمار قوانينه وما في هذه القوانين من ثغرات يستفيد منها المحامي أو ما يسمّى الدفاع، فنسمع عن أحكام بالسجن في جرائم يستحق فيها المجرم الحكم بالإعدام.. إنها نوع من المزايدة على أحكام الشريعة الإسلامية السمحة التي حسمت القضايا بالحدود المقررة، فلا مجال فيها للتلاعب أو الحيل القانونية التي يفتح لها الأبواب ما في القانون نفسه من ثغرات.
أكثر ما أخشاه في حياة البلدان العربية الإسلامية، أن تصبح نتيجة لهذا التوسّع في الاستفادة من الثغرات، كتلك البلدان في الدول المتقدمة، التي أصبح فيها القضاء يصدر التصريح بالقتل. وبحكم القانون.. وفي هذه الحالة يصعب أن يوصف تشريع وقضاء هذه البلدان بأنه إسلامي، بل يصعب أن نسمّي الحكومة نفسها حكومة إسلامية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :732  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.