شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
انطلاقة التنّين (1)
الصينيون - ودون حاجة للتفريق، بين الذين أقاموا دولتهم في جزيرة فورموزا بقيادة تشانجاي تشيك وبين الذين أسلموا قيادهم لماوتسي تونج، واتخذوا الشيوعية نهج حياة، وبلغ عددهم أخيراً ألف مليون من أبناء آدم وحواء - هؤلاء الصينيون، يتخذون من التنّين شعاراً، وربما رمزاً للقوة الأسطورية الخارقة، لأن التنّين، مخلوق خرافي أسطوري، تقول دوائر المعارف، إنه يجمع بين مواصفات أو خصائص الزواحف والطيور، وفوق ذلك، فله مخالب الأسد، وأجنحة النسر، وذنب الأفعى، وفي المهرجانات أو الأعياد التي يقيمونها، وحتى في الاحتفالات الرسمية بذكرى أيامهم الوطنية، يصنعون تنيِّناً من الورق أو البلاستك الملوّن، يبالغون في طوله حتى ليصل إلى أكثر من عشرين أو ثلاثين متراً تحمله مجموعة من الرجال أو الفتيات، وعلى أنغام موسيقاهم الخاصة يتحرّكون، فيتحرّك التنّين الرهيب، بين الألوف المؤلّفة من الجماهير، التي تملأ ساحة الحفل وفي أيدي هذه الألوف، الأعلام بما لا حصر له من الألوان، إلى جانب ألوف أخرى من البالونات (ولا أعرف لها اسماً عربياً) المؤمّنة المنطلقة على ارتفاعات معينة في الفضاء. وهذا التنّين، بأحجام قد تصغر وتدق صناعتها من العاج، وربّما من الذهب والفضة، لا بد أن تراها في بيت كل صيني، وحتى في المطاعم، وردهات الفنادق، وربّما في غرف النوم أيضاً.
ومنذ قاد ماو الثورة الحمراء، وأخضع المئات من الملايين في الصين للحكم الشيوعي بكل ضغوطه على الحريّة وبكل اختناقات مسيرة الحياة، ثم بما سمّاه (الثورة الثقافية) وما أفرزته من نزيف دماء القيادات الفكرية.. كان العالم، حول الصين الكبرى، ومنه (الاتحاد السوفياتي) كمن نفض يديه من أي أمل في أن يتغيّر الخط الذي اختاره (ماو) لشعبه، وكذلك من أي أمر في أن ينتفض شعب (الألف مليون) على الحفنة التي كانت تحكم ضغط كمّاشتها على مصيرها.
وتطول حكاية الأحداث، منذ مرض ماو وزيارة نيكسن، ولعبة (تنيس الطاولة) وبداية تسلّل طابع واشنطن إلى ما وراء السور الصيني الماوي، ووقفة (الأربعة) في وجه هذا التسلّل بعد أن مات ماو، ولحقه رئيس وزرائه (شو آن لاي).. وبدأ التغيّير في هذا الجرم الهائل، ولكنّه بطبيعة ضخامة الجرم، كان تغييراً بطيئاً وحذراً، ولكن في اتجاه مضاد في كثير من التردد والخفاء والتمهل، إلى أن سمع العالم في أواسط السنة الماضية، بما يمكن أن يسمّى تغييراً مفضوحاً أو معلناً دون خفاء، ولكن - مع ذلك - بتغطية احتفظت إلى حد ما باللون الأحمر.. لون الشيوعية المعروف.
وهلّل العالم - والغرب على الأخص - لرياح التغيير.. وتدفّقت - كما يقال من الولايات المتحدة شركات الاستثمار، بل تأهّبت وتحفّزت أوروبا، للدخول في اللعبة، أو في ساحاتها التي فتحت أبوابها بالتصريحات الذكية التي أخذ يفضي بها المسؤولون، ومعهم صحف الحائط، التي أصبحت تبرق وتتوهّج بالرأي الآخر، الذي كان دائماً حبيساً في قمقم الماوي العتيد.
ولكن.. هل نستطيع أن ننسى التنّين، ذلك المخلوق الأسطوري، الذي ظل شعاراً للصين وللإنسان الصيني، حتى في عهد (ماو) و(شوان لاي)؟ وحتى تحت ظلال الثورة الثقافية السوداء؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :814  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.