شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إبراهيم المازني.. والصحراء..
لا أحسبني آتياً بجديد عن الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني رحمه الله إذ هو واحد من أولئك العمالقة الذين استطاعوا أن يخرجوا الأدب العربي - والشعر منه خاصة - من تلك الأبهاء التقليدية التي ظل يتبختر فيها، عهداً طويلاً، وفي الصدر من نمارقها - بعد سامي باشا البارودي - أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وحتى خليل مطران.. أن يخرجوه إلى ساحات تستمتع بضوء الشمس ودفئها، يدرج فيها ويعايشها إنسان العصر بكل ما تنفحه به الحياة من عطاء التطور والنمو والتجديد.
ولكن، ما عسى أن لا يجهله القراء، هو أن المازني، ينتسب إلى (مازن) من كبريات القبائل العربية، عرفت بأن (مازن تميم) منها، لم يرتدوا عن الإسلام، وأنهم ساهموا بحظ كبير، في الفيالق العربية التي فتحت بلدان آسيا.. بل منها من كان حكماً في سوق عكاظ، فهو عربي صميم، وإن كان كثيراً ما يردد كلاماً من (أجداده) الفراعنة ونادراً ما تفاخر بعروبته وبمازن التي ينتسب إليها. فإذا لم ننس أنّه تأثّر بالأدب الإنجليزي، ومنه انطلق مع العقاد وعبد الرحمن شكري، في حملتهم على شوقي وحافظ، فإن ما كتبه من تعلّقه بالصحراء، لا بد أن يفسّر بأنّه بقية كامنة في موروثه العربي القديم.
ويبلغ من تعلق المازني بالصحراء أن يقول في مقال له بعنوان: (على شاطئ بحر الروم - بين البحر والصحراء - في كتابه (قبض الريح):
((كلا صحرائي أرفق بي من هذا البحر العاتي، الذي لم يتغير منه شيء.. والذي يهيج النفس إلى ما بها.. ويعذّبها.. فتجيش مثله وتندفع فيها العواطف وتتلاطم وتتزاخر.. ومن أين لي القدرة على نقل هذه الصحراء التي ألفتها وأحببتها، معي في حلي وترحالي.. وفرشها وبسطها حولي في حيثما أكون من الأرض؟ نعم ليت هذا في وسع إنسان.. إذن لاستطعت أن أطويها كلمّا غادرت بقعتها، وأن ألفّها مع ثيابي وأشيائي في حقيبتي.. حتى إذا نزلت مكاناً واستوحشت نفسي، أنست بأن أخرجها، وأنشرها أمامي وأتأمّلها وأذكر بها لياليّ فيها بما اشتملت عليه من خير وشر. وسرور وحزن، وغبطة واكتئاب، ورضى وألم.. ومن أحق بها مني أو بي منها؟ ما لي وللماء الذي لا تطمئن إليه قدم، ولا يثبت على حال.. ولا ينفك ينقلب فيه القديم جديداً، والماضي مقبلاً، والمقبل مدبراً.. ولعلّ السبب في حبها وإيثارها أن بي مشابه منها.. وإني أجتلي في انبساط رقعتها، وترامي أطرافها، وتقاذف أرجائها وجدبها وعريها وتجردها من كل زينة تحفل بها رقع الأرض الأخرى.. صورة من نفسي التي تبسط للحياة، ولا تزيد الحياة بها، وللدنيا لتحسب عليها ومنها. ولا تزيد الدنيا بها عماراً.. وعسى أن كلفي بها، لذكرياتي ومعاهدي فيها..
وهو لا يلتفت، وهو يلتمس أسباب كلفه بها، إلى القبيلة التي ينتسب إليها وموطنها صحراء نجد بالذات، مما يؤكّد أن البقية الموروثة والكامنة في أغوار عقله الباطن هي التي تعمل على تعلّقه بالصحراء إلى هذا الحد.. أو إلى الحد الذي جعله، كما يؤثر من أخباره، أن لا ينتقل من منزله على تخوم الصحراء، أو في منطقة الفسطاط، كما يقول، طوال عمره.
وبعد، فإني حين يتاح لي أن أعود إلى قراءة أي كتاب للمازني، يعاودني شعور قوي بأنه الكاتب، الذي لم ينصفه النقاد، ولم يحظ بمن يعكف على دراسة أسلوبه، الذي أتمنّى أن يدرسه أولئك الذين لا تزال أساليبهم تتخبّط وتترجح، ثم تضيع لتفقد خصيصة التميّز والامتياز بحيث تغدو ولا هوية لها، ولا تزيد على مجرّد أداء يتعثّر، ولا يكاد يبين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :893  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج