شعراء وكتّاب قصة.. وأخطاء في القراءة |
في التحقيق الذي نشرته عكاظ، عن (جيزان تسهر حتى مطلع الفجر مع الأدب والفكر).. تعليق عن (بعض ما حدث في الأمسية) ومنه قول المعلّق - ولا أدري من هو؟ ((تألّق الإبداع وسطع نصوصاً، ولكنه خبا منكسراً تحت وطأة الإلقاء)). |
ويفصّل الحكاية بعد ذلك، فيقول: (قرأ الشقحاء قصّته، ولكن صوته كان يخفت تارة حتى يؤول إلى نوع من الهمس.. وتارة أخرى يضيع.. وأثناء ذلك كانت (تتواتر) الأخطاء النحوية والتي حاول أن يهرب من بعضها بتسكين أواخر الكلمات.. ولكن.. |
ثم يتجاوز عن إلقاء الأستاذ محمد علي قدس الذي كان أكثر الحاضرين تكمناً في الإلقاء وأقلّهم أخطاء.. حتى من الناقد.. ليقف عند الأستاذ محمد علوان، الذي ألقى أو قرأ قصته بصورة معقولة ((وإن شابها قليل من العثرات اللغوية)). |
ولست أفهم كيف تألق الإبداع وسطع نصوصاً، وهو يخبو منكسراً تحت وطأة الإلقاء.. بل لعلّ ما أجد الفرصة مناسبة لذكره اليوم، هو أني أعرف شاعراً، من الشعراء المرموقين أهداني ديوان شعره بتجليد أنيق، وحدث أن اجتمعت به، ولا أدري من الذي ورّطه - ربما متعمّداً - أن يقرأ إحدى قصائده، فإذا به فضيحة صارخة أو هي (بجلاجل) كما يقول إخواننا المصريون.. أخطاء في النحو، وفي اللغة.. في نفس الكلمات التي كتبها في قصيدته. |
وجدت نفسي أتساءل بعد ذلك.. من يا ترى الذي كتب له هذه القصائد العامرة من الشعر، وترك له أن يصدرها في ديوان، يتباهى به وهو يجهل أبسط قواعد النحو والصرف. |
ليس لي أن أذهب، إلى حد التساؤل عن الذين يكتبون لكتّاب القصة والشعراء الذين تسطع أعمالهم - أو الأعمال التي تنسب إليهم - إبداعاً.. فذلك جرح، أتوخّى أن لا أقترفه وهم الشباب الذين ننتظر منهم، أكثر كثيراً مما يجعل نادي جيزان يسهر معهم حتى مطلع الفجر.. ولكن لي أن أنصحهم، بأن يتعلّموا النحو والصرف واللغة، وأن يتعلّموا كيف يقرأون ما يكتبون، قبل أن يفرضوا أنفسهم على الساحة، وبهذا المستوى الساهر الكبير. |
أما (الفنون) فهو الملحق الفني لمجلة الجيل الذي قام بتوزيعه، مدير عام مجلة الجيل، الأستاذ محمد أحمد الشدّي، على عدد كبير من الذين حضروا احتفال معالي أمين مدينة جدة، المهندس محمد سعيد فارسي، بمناسبة منح (مطرب العرب) محمد عبده، ميدالية أو وسام الاستحقاق. وأمّا (الثقافة والفنون) فهو الملف الذي يصدر عن المركز الرئيسي للجمعية العربية للثقافة والفنون، وهو العدد السادس (وخاص عن الشعر السعودي). ومعلوم أن رئيس مجلس إدارة الجمعية هو (أيضاً) الأستاذ محمد أحمد الشدّي. |
وفي ذلك الحفل الضخم بكل معيار، قلت إن الأستاذ محمد أحمد الشدي (جندي مجهول) وراء نشاط حركة الفنون في المملكة.. ولكن لا بد أن أستدرك اليوم، فأقول إن من يصدر (الفنون)، وملف (الثقافة والفنون)، وخاصاً في هذه المرة عن ((الشعر السعودي))، لا ينبغي أن يوصف بأنه جندي مجهول، إلاّ باعتبار أن تنوّع نشاطه، وتلاحق جهوده، في أكثر من محل تخفّف من شدّة الأضواء التي تلقى عليه، إذ يتعذّر على مثلي (على الأقل) أن يراه أو يسمع به في كل هذه الأنشطة، التي لا شك في أنها تثري الحياة الثقافية والفنّية من حولنا، ولكن يصعب أن يشهر بها من لا يجد الكفاية من الوقت للتواجد والمشاركة فيها إلاّ في أكثر المناسبات ندرة. |
وقبل أن أفرغ لملف (الثقافة والفنون) الذي تلقيته منذ يومين، أجد بين يدي (الفنون).. أو الملحق الفني لمجلة الجيل الذي وزّعه الأستاذ الشدي في تلك الليلة من ليالي (الفن في جدة). وأجد أيضاً أني توقّفت عند أكثر من مادة من مواد هذا الملحق. بملاحظات منها (مثلاً).. حين أعجبت بصوت وأداء وألحان محمد عبده، تساءلت: (أليس قد آن الأوان لهذا المطرب الفنّان، أن يغني القصيدة العربية؟) ولعلّي همست في أذنه بالتساؤل وقلت (إن محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، لم يتربّعا على عرش الأغنية، إلاّ بعد أن غنى كل منهما (القصيدة العربية الفصحى).. وما أكثر ما نسينا وننسى الكثير من الأغاني لهما ولكن من الذي ينسي الجندول والكرنك مثلاً لمحمد عبد الوهاب.. ومن الذي لا يذكر لأم كلثوم ((الأطلال)) ونهج البردة.. بل من الذي يسعه أن ينسى (قارئة الفنجان) لعبد الحليم حافظ أو (غنيت مكة) لفيروز. ومن الملاحظات، التي سجّلتها وأنا أقلب صفحة (الفنون)، مقال الأستاذ الصديق طارق عبد الحكيم، فقد كان مقالاً قيّماً، استطاع أن يعطيني صورة مشرقة، لحجم الاطلاع والثقافة الموسيقية، التي يتمتع بها الموسيقار الرائد طارق عبد الحكيم.. ولفت انتباهي أنه يرى أن الغناء العربي الذي تزدحم به موسوعة الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ليست أجنبية ولا مجلوبة من الخارج، وإنما هي عربية تفتّقت عنها عبقريات كبار المغنّين، في الحجاز، وفي المدينة ومكة بالذات.. وقد وقفت طويلاً عند قوله: (مكة والمدينة هي التي برزت في الغناء وهي التي وضعت نظرية الغناء العربي الذي نقرأ مصطلحاته في كتاب الأغاني).. والتي (تشهد بأنهم كانوا يغنون من المهد، إذ كانوا يرقصون أطفالهم بالغناء.. إلى اللحد، عندما كانوا يبكون موتاهم بالنواح). |
ولكن حبذا لو قال لنا الأستاذ طارق عبد الحكيم، كيف دخلت الأنغام والمقامات الفارسية على الغناء العربي.. وذلك واقع ندركه، حين نسمع مسمّيات المقامات مثل (رست) و (سيكاه) و(بنج كاه) ولعلّ الذاكرة لا تخونني إذا زعمت أن معنى (رست) هو (ستة أصوات) وأن (سيكاه) تعني عدداً من الأصوات تحدده كلمة (سي).. أما (بنج كاه)، فواضح أنها تعني (خمسة أصوات). |
الأرجح، أنها دخلت، أو طرأت على الحياة والغناء العربي في أيام ضعف (أو قوة) الخلافة العباسية التي نعلم كم نظرت للحضارة الفارسية وكم أخذت منها.. فإذا لم ننسَ أن الأتراك أخذوا من الفرس، عن طريق العرب هذه الأنغام والمقامات، فإن لنا أن نتساءل اليوم أين نجد من يفسّر لنا المصطلحات التي جاءت في موسوعة الأصفهاني؟ سمعت على أي حال أن عالماً من علماء مصر في الموسيقى قد وجد لها التفسير الصحيح، ووضع (نوتات) بها.. ولا شك أن الأستاذ طارق يستطيع أن يتحفنا بمعلومات عن هذا الموضوع، ونحن في الانتظار. |
|