شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
السجن.. والمطالبون بحقوق مدنية
في التصريح الذي أفضى به سعادة مدير الأمن العام الفريق أول عبد الله عبد الرحمن آل الشيخ إجابة للسؤال الذي طرحته (عكاظ) حول نظرة المجتمع إلى السجون، (نبّه) سعادته إلى ضرورة توعية أفراد المجتمع وتغيير نظرتهم إلى السجون، وإيضاح دورها كمؤسسة إصلاحية تخدم المجتمع في إطار الأنظمة.
وقد لخص سعادة الفريق، دور السجون، (بأنها مؤسسات (إصلاحية) تهتم بتقويم الفرد خلال فترة وجوده في السجن، وأن للسجون رسالةً تؤدّيها من خلال المسؤولين فيها، بالأصالة إلى ردع الفرد وتأديب وتقويم سلوكه بالدرجة الأولى خلال فترة (الحكم عليه).
ولا نحتاج أن نقول إن ما أفضى به مدير الأمن العام عن دور السجون، ولخّصه (بأنها مؤسسات إصلاحية) هو في الواقع نظرة الدولة إلى عقوبة السجن، وهي نظرة تضع المملكة العربية السعودية، في المستوى الحضاري الرفيع الذي تزدهي وتعتز به الدول المتقدمة في العالم. فالسجن بالنسبة للجريمة ومقترفها، مؤسسة تفترض فيه، الإنسان بفطرته الخيّرة وآدميته التي كرّمها الله، ولذلك لا تستهدف الانتقام أو الثأر للجريمة التي ارتكبها، وإنما هي تستهدف محاولة تقويم الإعوجاج، واستعادة الفطرة الخيّرة، وكرامة الآدمية بالنهج الإنساني في معاملته، على أسس علمية مدروسة تجيد الوصول إلى أعماق نفسيته فتنتزع منها تلك الدوافع التي ورطّته فيما اقترف وارتكب.
وحين أكتب هذه السطور، تعليقاً على التصريح الذي أفضى به سعادة الفريق عبد الله عبد الرحمن آل الشيخ لجريدة عكاظ، أجد نفسي أمام تساؤل لا يزال يلح عليّ منذ زمن طويل هو: (سجن المطالبين بحقوق مدنية) وأعني على التحديد أولئك الذين يعجزون عن تسديد ديون ترتّبت في ذممهم، وثبتت لدى الحاكم الشرعي، أو لدى الحاكم الإداري أو من في حكمه صلاحية بمقتضى النظام (كمسؤول الحقوق المدنية). وما يتّبع مع من يعجز عن الدفع، ولا يجد كفيلاً غارماً يدفع في أجل يلتمسه المدين من الدائن، هو أن يسجن مدة من الزمن لا أعرف مداها، ولعلّها تختلف طولاً وقصراً، ولكنّها لا تنتهي في جميع الأحوال إلاّ عندما يثبت للحاكم الشرعي إعسار المدين، فيصدر صكاً بالإعسار فيحجب عنه الدائن، ويطلق سراحه ليعود إلى السعي للقمة عيشه ومن يعول. ويدخل بين من يسجنون لعجزهم عن دفع ما عليهم من حقوق للغير، أولئك الذين يحكم عليهم بالدية، من سائقي السيارات، الذين يتسبّبون في موت من يتعرّضون لحوادث الدهس من المارة، أو لحوادث التصادم أو الارتطام أو غيرها ممّا يسمّى حوادث المرور.
والتساؤل الذي يلح عليّ، وعلى كثيرين أيضاً، هو: (ما هو دور السجن بالنسبة لهؤلاء الذين لم يرتكبوا جرائم كتلك التي يستهدف السجن تقويم اعوجاج مرتكبيها، واستعادة الفطرة الخيّرة في نفوسهم). ليس المطالب بديون عجز عن دفعها مجرماً من المجرمين بطبيعة الحال، ومن هنا فإن سجنه لا يستهدف الإصلاح والتقويم.. ولا أستطيع أن أقول إنه يستهدف إرغامه على أن يدفع ما عليه إلاّ إذا افترض الحاكم، أنّه يدّعي العجز عن الدفع سبيلاً إلى اغتيال الحقوق، وحتى إذا قيل إن ذلك ما يفترض، ويسجن لإرغامه على السداد، فليس كل الذين يعجزون عن الدفع من هذه الشريحة التي ربما تكون نادرة، أغلب الذين يعجزون عن الدفع - فيما أرجّح - إنما عجزوا، لسوء أحوالهم المادّية، قبل الدين يعجزون عن دفعه وبعده.
وإننا لنعلم، ما تقوم به جمعيات البر، في شهر رمضان المبارك، وربّما في غيره من مد يد العون لهذا النوع من نزلاء السجون. ولعلّ أحداً من المواطنين، لا ينسى مبرة جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، التي خرج بفضلها عدد كبير من النزلاء من هذا النوع في شهر رمضان في العام الماضي، مما يعطينا فكرة عن عدد من يسجنون لعجزهم عن دفع ما عليهم من الديون.
فإذا لم يكن سجن هؤلاء لتقويم أعوجاج فيهم.. ولا لإرغامهم على الدفع الذي لا بد أن يظلوا عاجزين عنه مهما طالت مدة سجنهم، إذ لا سبيل لهم إلى التماس لقمة عيشهم وعيش من يعولون فضلاً عن تسديد ديونهم ما داموا سجناء.. فما هو دور السجن بالنسبة لهم؟
لا أدري كم هي نسبة السجناء، في سجون المملكة، من هذه الشريحة، ولكن ما يتواتر هو أنها نسبة عالية، قد تزيد على الثلاثين في المائة وكل منهم لا يطلق سراحه إلاّ إذا حكم الحاكم الشرعي بإعساره؟ فهل لنا أن نطمع في إجابة شافية نزيل ما يدور في النفس من تساؤلات حول هذا الموضوع؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :674  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.