الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

القمر العربي.. والتعليم (2)

وما أكثر الأعمال التليفزيونية، التي تدور في ذهني الآن، ونحن نتهيأ للفرحة بوصول القمر العربي إلى مداره، ومنها، مما له علاقة بالتعليم (وعلى سبيل المثال فقط)، مسلسل تليفزيوني اخترت له اسماً هو (كوميديا النحو).. يستهدف ترسيخ قواعد النحو في ذهن المشاهد، بأسلوب فكه مرح، بما يتلاحق في مشاهده من مفارقات وتناقضات تنتهي إلى (حكم) القاعدة، يصدره أئمة النحو وفي مقدمتهم مثلاً (سيبويه).

وما أكثر قواعد النحو، التي نعلم أن أكثر من 80% من المتعلّمين ينسونها، أو فلنقل يجهلونها، فتظهر لهم تلك الأخطاء البشعة، التي كثيراً ما قلنا إنها من مواد المنهج في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة من التعليم.. ومع كثرة القواعد، تكثر شخصيات مسلسل (كوميديا النحو) من ذكور وإناث.

على سبيل المثال: (كان وأخواتها) و (أن وصويحباتها) و (همزة أن)، لا بد أن يمثلها إناث بينما (الفاعل والمفعول) و (المبتدأ والخبر) لا بد أن يمثلهم ذكور.. ولنتصور على سبيل المثال أيضاً مشكلة (انقلاب المضارع للماضي) و(معينات المضارع للاستقبال) و(أحرف المضارعة الأربعة ومعانيها وكيفية استعمالها) (وهمزتا الوصل والقطع).. كل هذه، لا بد أن يمثلها، وأن يقوم بأدوارها ممثلون وممثلات.. ومن أعمار تتراوح بين الطفولة والصبا والشباب والشيخوخة أيضاً، والدور الذي يقوم به كل منهم، هو القاعدة التي يصدر حكمها العلماء الكبار، الخ.

ذهبت - منذ ثلاث سنوات أو أكثر - في تعشّقي لظهور هذا المسلسل على الشاشة الصغيرة وإيماني بتأثيره المباشر في ترسيخ قواعد اللغة العربية في أذهان المشاهدين.. ذهبت إلى حد الشروع في كتابة سيناريو أحد فصول أو حلقات المسلسل.. ثم أخذت أضع ميزانية إنتاجه في مائة وعشرين حلقة بين كل منها نصف ساعة.. وأذهلني أن الأرقام أخذت تتصاعد فتتجاوز أربعة ملايين دولار.. وهو الذي أصابني بالدّوار، وأقنعني بالتخلي عن الفكرة من أساسها.

أعتقد أن الدول الاثنتين والعشرين تستطيع أن تنفق أضعاف هذا المبلغ، بل لو قلت إنها ملزمة بإنفاقه، لما أكثرت، لأن أبشع ما يعانيه الإنسان العربي، وما يشوّه صورة المتعلّم العربي الذي يحمل المؤهّلات العالية، هو جهله الفاضح بقواعد اللغة العربية، وعجزه عن كتابة بضع جمل، دون أخطاء نحوية مذهلة.

أنا في انتظار دوران القمر العربي في مداره، ومشاهدة برامج مختلف الدول العربية التي سوف نستقبلها على الشاشة الصغيرة في بيوتنا، لأتأكّد أن (كوميديا النحو) سوف تستقبل في الساحة العربية كلّها، وعندئذٍ لن أتردد في العمل، على إنتاج هذا المسلسل مهما كلّف من جهد، وأموال، ليس مشكلة أن تنفقها الدول الاثنتان والعشرون.