شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ممارسة السلوكيات المرفوضة
ليس بيننا من يجهل أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد دخلت تاريخ حضارة الإنسان بعدد من الرجال الذين لا تفخر بهم أميركا وحدها، بل يفخر بهم تاريخ الإنسان الذي قد تكون حرّيته، بمضمونها الإنساني الأسمى والأنصع والأكثر توهّجاً، قد تحققت - ولأول مرة - على أيدي هؤلاء الرجال، بما اقتحموه من عقبات، وما خاضوا غماره من معارك، في سبيل حقوق الإنسان الأمريكي والحرية أسمى وأقدس هذه الحقوق.
ومضمون الحرية كما خاض غمار معاركها أولئك الرجال في أميركا، قد يختلف كثيراً من مضامين لها في تاريخ وحياة أممٍ وشعوب أخرى. وقد يكون ما يعتبر تجاوزاً للحدود هنا، وإسرافاً في ترك الحبل على الغارب هناك، وربّما كان ما يُحكى عن الجنوح، والاستهتار السلوكي دليلاً على أن مضمون الحرية في أميركا - وفي إطار حقوق الإنسان فيها دليلاً على أن للحرية في المفهوم الأمريكي مساوئها التي لا ترتضيها سلوكيات مجتمعات بعينها، ولكنْ هناك فرق قلّما لوحظ وأخذ بعين الاعتبار... وهو الممارسة... ممارسة مضمون هذه الحرية في أميركا، وممارسة هذا المضمون في تلك المجتمعات بعينها... الأمريكي يمارس مضمون هذه الحرية تحت ضوء الشمس، وفي العلن، ووراءه أو أمامه أو من حوله عصا القانون التي يعرف الممسك بها في الشرطة أو في القضاء، كيف ومتى يستعملها فيعيد إلى المنفلت أو الخارج على مضمون الحرية في الحدود التي قررها الدستور، صوابَه، أو يصلح انحرافه... بينما الواقع في كثير من المجتمعات، التي لا ترتضي مضمون الحرية في أميركا، أنها تمارس سلوكيات مرفوضة بل ومحرّمة، ولكن في الخفاء، وبعيداً عن عين الممسك بعصا الرفض والتحريم. وهذا بهذه الصورة، أو بهذا السلوك المتخفّي، يفسح المجال لانتشار الكثير من السلوكيات المرفوضة بل والمحرمة على نطاق واسع في هذه المجتمعات، ولأنها تمارس في الخفاء، يتعذّر وقف انتشارها. وهذا يلقي على عاتق الأسرة، قبل المدرسة، واجب التوجيه التربوي الحازم، الذي يرسّخ السلوكيات التي يرتضيها المجتمع، ويحث عليها الموروث من النواهي الدينية والأعراف والعادات. والمشكلة في أداء هذا الواجب، الملقى على عاتق الأسرة، هي وجود القُدوة، والتزام هذا، أو هذه القدوة بالسلوكيات التي يطالب بترسيخها وقد لا نجحف أو نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن هذه القدوة - أباً أو أماً - لا تعي من واجب هذا الالتزام ومن السلوكيات المرفوضة، إلاّ القشور أو التوافه، تعبّر عنها، بكلمة (لا) أو (عيب)... تتردد على أسماع الصغار، مئات المرات بين اليوم والليلة بينما يرى هؤلاء الصغار، القدوة نفسها، لا تلتزم بـ(لا)، أو (بالعيب)، فمن ذلك على سبيل المثال التدخين، وعلى الأخص ((الشيشة)) والتحلّق حول ورق اللعب، وما يتناثر من الشتائم القذرة بين اللاعبين، ومنهم (القدوة) وهو الأب، وما تمارسه (الأم) من التعلّق بالمظاهر، والاسترسال في البذخ والإسراف، أو ادعاء ما لا أصل له من المظاهر الكاذبة كإنفاق عشرة آلاف ريال على هدايا قدّمتْها في حفل زواج دعيت إليه، ومن هذه الهدايا (بوكيه) الأزهار الذي كلّفها وحده ألف ريال... وهذا إلى جانب النميمة، وقذف الغائبات عن المجلس، وانتقاص صورهن الخ. والأطفال، يسمعون... ويرون، ويكتسبون مما يبدو لنا أنهم لا يفهمونه، مع أنه يترسّخ في تكوينهم، ومنه ينطلقون إلى الأكثر، أو الأقبح، وفي آذانهم تلك (اللا) وذلك (العيب) الذي كانت تمارسه القدوة ولا وجود له في الواقع المشهود.
السلوكيات المرفوضة التي تمارس في مجتمعات بعينها في الخفاء، وتعجز عن الوصول إليها عصا الرفض والتحريم، هي للأسف، العاهة التي لا ندري في الواقع كيف تقاوم بأكثر من كلمة (لا)... وكلمة (عيب)... بعصا الرفض والتحريم التي يجب أن تصل إلى مكامن الخفاء وأن تؤدي واجبها في الإصلاح والتقويم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1136  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 113 من 113

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج