شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لا جمر في عظامنا... ولا رماد
والكلمة للشاعر الذي طالما استقر في ذهني، كرمز لأفريقيا كما يراها الشاعر العربي في شقاء إنسانها، وهو يكافح الاستعمار الأوروبي الذي خرج من القارة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من هذا القرن، ولكنّه الخروج الذي ترك في الإنسان والأرض معاً شِبَاكَه، وفِخَاخَه ومصايِدَه التي زوّدها بالقدرة الخفية على أن يظل الإنسان مشدوداً إليه، بحاجته وافتقاره إلى يد هذا الأوروبي الأبيض تمتد إليه من باريس أو بلجيكا، أو لندن، وأن تظل الأرض مزرعة يكابد الإفريقي، مشاقَّ خدمتها، في الحقل أو في المنجم، أو في بئر البترول، ثم لا يجد الأسواق إلاّ عند ذلك الأبيض، القادر على الشراء والتسويق بالسعر الذي يلائمه. وهو سعر يضمن للإنسان الإفريقي السَّكَن في العُشة من أغصان الأشجار، والغذاءَ من البقية التي بقيت له من طحين الذَُرة وغيرِها من المحاصيل، التي تطحن في الأجران بعمليات (الهرْس) تقوم به المرأة، عند كل وجبة غذاء أو عشاء. فإذا جاء الليل، وغاب ضوء القمر وراء الغيوم السوداء، فالسَّمر الإفريقي المألوف، حولَ النار، وبدقات الطبول، والأبواق، والرقص، الذي سرقته أوروبا أيضاً ثم طوّرته لتسهر عليه مرابع الليل وعلب (الديسكو)... حتى هذه الصورة لم يغفل الأوروبي عن سرقتها أو استعارتها والاستفادة منها، بحيث تزدحم اليوم جميع ملاهي أوروبا، وأمريكا، بل وحتى أميركا اللاتينية كلّها بأشباه مايكل جاكسون، ومادونا، وفنهما معاً تشنّج الإفريقي، وانفعاله إلى حد التمزّق، وبذلك وعلى موسيقى التشنج والتمزيق بطبول وأصوات الإفريقيين يرقص الملايين في كل العام.
وتختلف رؤية الشاعر الأستاذ محمد الفيتوري، في تغنّيه بالإفريقي وبأفريقيا، في أنه كان ينطلق من لهب مشاعره أو عواطفه نحو هذا الإنسان الذي ناضل ليطرد الأبيض، وليصبح (السيد) على أرضه... وإذا لم تخني الذاكرة فإن إبداعَه، في أكثر من ديوان من دواوينه كان يُحلّق في أجواء القارة السوداء... وله اليوم أن يقول - أو أن نقول نحن - إن شعلة الثورة في شعره كان وَقودها من هناك... من العُش، ولهب النار أمامها، وحولها الصبية والرجال والنساء، يواصلون رقصاتهم على قرع الطبول بينما تغمر الساحة رائحة شواء الوعْل، ومعها رائحة عرق الراقصين.
وشعلة الثورة في شعر الأستاذ الفيتوري لم تخمد قط... بل هي لم تخمد أيضاً في معايشته للكثيرين الذين يحرصون على التحلُّق حوله، يذكِّرونَه بمطلعٍ أو بيت من شعره يحفظ أحدهم، ليسمعوا منه ما يعيد إلى الأذهان صوراً من مواكب الثورة، إن لم تكن من أفريقيا، فمن العالم العربي الذي يعيش الشاعر الفيتوري مآسيه ونكباته وواقعه الذي يؤمن أنّ قضية الحرية فيه، هي (أم) القضايا، التي لا تزال عقيمة فإذا قدر لها أن تخصب فإن مواليدها، هنا وهناك من أرجاء الوطن العربي، لا تزال، إما ((مُجْهَضة))، وإما من النوع الذي يسميه العلماء (موغولي) عاهته التخلّف الذي عجز العلم عن تغيير طبيعته، فاستسلم وتركه لحياته التي تنمو جسداً بينما هي غافية إدراكاً وقدرةً على التعامل مع الحياة.
والكلمة التي أخذتها عنواناً لكلمة اليوم، من قصيدة للفيتوري، نشرتها مجلة اليمامة الغراء، بكثير من الحفاوة والترحيب، عبّر عنهما الإخراج الفني الذكي الذي استطاع أن يعشِّق بين (يوميات حاج إلى بيت الله الحرام)، وبين هذه الصواريخ النارية في قوله:
يا سيدي منذ ردْمنا البحر بالسدود
وانتصبت ما بيننا وبينك الحدود
مِتنا وداست فوقَنا ((ماشية)) اليهود
* * *
يا سيدي، تعلم أنْ كان لنا مجدٌ وضيعناه
بنيتَه أنتَ وهدمناه
واليوم ها نحن
أجل يا سيدي... نرفل في سِقطَتنا العظيمة
كأننا شواهد قديمة
تعيش عمرَها لكي تؤرّخ الهزيمة
* * *
لا جمر في عظامنا... ولا رماد
لا ثلج... لا سواد
لا الكفر كلُّه ولا العبادة
الضعف والذلة عادة
وبعد:
فإذ أحيي الفيتوري، وأعايش مشاعره في يوميات (حاج إلى بيت الله)... لا يفوتني أن أتساءل أين الدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس تحرير هذه المجلة التي تتألق ولا تزال في طريقها إلى قمة تراها، ويراها فريق من هذا الشباب، الذي لن يتوقّف عن محاولة بلوغ القمة ولن يواصل التحليق أو التصعيد، دون أن يكون الدكتور فهد زميلهم معهم في موقع من الطريق الشاق الطويل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :967  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 112 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.