شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سنضربه كلنا
أذكر أني قلت في كلمة منذ فترة، إن ما يتطلبه موقف الدول العربية من دولة العدوان هو وجود (استراتيجية عربية)... وعنيت على التحديد: (استراتيجية للدول العربية مجتمعة كلها). وذهبت إلى ترجيح أن قرارات القمة الاستثنائية التي عقدت في بغداد، كانت بمثابة هذه الاستراتيجية المنشودة، تدعمها أو يمكن أن يحققها تحذير العراق الصريح بأنه سوف يواجه أي اعتداء، على أي دولة عربية بالضربةِ الرادعة. وعقّبت في نفس الكلمة بأن (الاستراتيجية العربية المجمع عليها في مؤتمر القمة الاستثنائية اكتفت باستراتيجية (الرد)... وتجنّبتْ تماماً قرار القيام بأي تحرك، إلاّ إذا وجدت نفسها في موقف الدفاع. وهذا، بغض النظر عمّا يلمح به من التزام الدول العربية بسياسة أو استراتيجية السلام فإنّه يحاول أن ينفي عنها مقولة أنها متربّصة بالعدو الإسرائيلي، وأن أملها على المدى البعيد أو القريب، أن تقذف به إلى البحر الذي قدم منه. وفي هذا، إضافة إلى ذلك رفض ما دأبت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها مجموعة الدول الدائرة في فلكها على اتهام الدول العربية به، وهو العنف الذي نفضت منظمة التحرير الفلسطينية يدها منه وهي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، مما جعل الدول العربية - من جانبها - تنتهج استراتيجيةً للسلام التزمت الاكتفاء بالرد الرادع، إذا وقع من إسرائيل عدوان ما على أي دولة عربية مجاورة أو بعيدة... فنحن العرب من هذه الزاوية والمنظور نقف في خط الدفاع فقط، ومن هنا يتوارى (مبرر) دعم أميركا للعدوان الإسرائيلي الذي أصبحت حكومة شامير تستعد له لترسيخ احتلالها للأرض العربية المحتلة والقطاع ومرتفعات الجولان، إن لم يكن بضربة إجهاضية تأخذ شكل (المناوشة) على الدول المجاورة اللصيقة، فبالتحدي السافر الذي يتمثل في حركة الاستيطان الموسّعة، ببناء عشرات الألوف من الوحدات السكنية في ساحات اختارتها في القدس من جهة، وفي غيرها من الأرض المحتلة من جهة أخرى... وتلك خطوة، تليها خطوة قد تستغرق وقتاً، وهي تهجير الفلسطينيين عن أرضهم، إلى ما تسميه (الوطن البديل) في الأردن، وما وراءه من أراضي الدول العربية المتاخمة لحدود الأردن.
في كل هذه التصرفات، قد لا تحرك إسرائيل قوات (جيش الدفاع الإسرائيلي)، ولكنها رغم ذلك تصل إلى أهدافها... وهنا تواجه الدول العربية مأزقاً، يوقفها أمام سؤالين: الأول هل يلزمها ما اتفقت عليه في قمة بغداد بالتزام الاكتفاء بموقف الردع ما دام العدو لم يَضرب ليُضرب أم أنها تعتبر انطلاق إسرائيل في تنفيذ مخططها (دون تدخل قوات الجيش الإسرائيلي) اعتداءً أو ((ضرباً))، يعطيها الحق في أن تضرب أو أن تردع؟؟؟
تلك مسألة، لا أشك في أن الدول العربية لا تغفل عن طرحها للمداولة ولا بد أن تصل فيها إلى قرار بخطة، ممكنة التنفيذ عند اللزوم.
ومسألة أخرى، يثيرها خطاب فخامة الرئيس صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية الشقيقة في (المؤتمر الإسلامي الشعبي العالمي لمناصرة العراق)، وهي ما سبق أن أشرت إليه في كلمة سابقة وأعني (استراتيجية الدول العربية مجتمعة). فقد أفضى فخامته في خطاب طويل متعدد الاتجاهات، بتصريح أعلن فيه أن (أمن العرب غير قابل للتجزئة، فأمن دولة عربية، هو أمن جميع الدول العربية)... وكان أهم ما صرّح به فخامته هو: (فهمنا كل المجتمعين في بغداد - ويعني مؤتمر القمة - أن الذي يضرب أي دولة عربية؟؟؟ سنضربه ((كلُنا)) كل ضمن إمكانياته). ثم أضاف فخامته (لا سبيل إلى فصل ((الأمن المحلي)) لدولة عربية عن الأمن الأعم... عن أمن الدول العربية كلها).
وقوله (سنضربه كلّنا... كل ضمن إمكانياته) يعني صورة أو مفهوماً للدفاع المشترك، الذي تلتزم به كل دولة عربية ضمن إمكانية كل منها. والرئيس صدام حسين أفضى بهذه التصريحات على رؤوس الإشهاد في المؤتمر الإسلامي الشعبي، مما استوعبته إسرائيل دون شك، ومعها الدول التي تدعمها، وهي ليست من الغباء، بحيث يبلغ بها الغرور، حد الاستهانة أو الغفلة عمّا تعنيه هذه التصريحات... ومن هنا، فإن استراتيجيتها ستأخذ اتجاهين: أحدهما حساب إمكانية كل دولة مجاورة أو لصيقة، أو حتى ملتزمة بمعاهدة الكامب، والآخر تحميل قوات (جيش الدفاع) مسؤولية التعامل، ليس مع جبهة عربية واحدة، بل مع عدة جبهات... وهنا يأتي دور الدعم الأمريكي، الذي التزم وتعهّد بالحفاظ على (وجود) إسرائيل. وفي الوقت نفسه حتمية رعاية مصالح أميركا وعلاقاتها بدول المنطقة وما يمكن أن يطرأ من اصطدام هذه المصالح والعلاقات بمصالح وعلاقات الاتحاد السوفيتي، الذي لن تحمله بريسترويكا جورباتشوف على خفض توازنه الاستراتيجي أو على الاستسلام الأيديولوجي للغرب، وهو ما صرّح به جورباتشوف نفسه في آخر مواجهة له مع اليمين العسكري المحافظ، الذي أعلن عما يصل إلى حد استنكار سحب قواته من المجر وتشيكوسلوفاكيا.
ما يواجه الدول العربية في هذه الفترة، كثير وخطير جداً، فلا يسعنا إزاءه إلا أن نرجو لقضية الشرق الأوسط أن تمر من عنق الزجاجة بسلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :726  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.