شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
معنى الإرهاب عند أميركا
جاء تصريح الرئيس (بوش) بتعليق أو وقف الحوار بين الفلسطينيين والولايات المتحدة وعلى التحديد، بين منظمة التحرير وأميركا، رداً بمعنى العقوبة على عملية الإنزال التي قامت بها عناصر فلسطينية بالقرب من مياه تل أبيب. لأن العملية - في تقدير الولايات المتحدة - عمليةٌ (إرهابية) نقضت أو تعارضت مع التزام منظمة التحرير بنبذ ورفض الإرهاب، إلى جانب التزامات أخرى، طمعت منظمة التحرير، ومعها الفلسطينيون كافة، أن تكون سبيلها، ليس إلى الحوار مع أميركا فحسب، بل إلى دعم جهود السلام، التي ظلّت أملاً، لهثت وراء تحقيقه جميع الدول العربية طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
ومع أن السيد ياسر عرفات، ومعه بعض القيادات في المنظمة، قد نفى مسؤوليته عن العملية التي قام بتنفيذها - كما قيل - (أبو العبّاس) زعيم (جبهة) التحرير الفلسطينية فإن الولايات المتحدة، لم تكتف بهذا النفي، لأن (أبو العباس) محسوب على منظمة التحرير، ولذلك فإنَّ ما كان يرضي الولايات المتحدة، ويرفع عن منظمة التحرير مسؤوليتها عن العملية هو أن (تفصل) أبو العباس، أو تنزل به وبالعناصر التي قامت بعملية الإنزال نوعاً من العقوبة، التي تعبّر عن رفضِ ونبذ المنظمةِ للإرهاب.
ولا أجد في الأخبار التي نشرت أو أذيعت عن عملية (الإنزال) هذه، تفاصيل عن النتائج التي حققتْها... ولكني أميل إلى الاعتقاد أن إسرائيل قد واجهتها بالقوة الساحقة فاخترمتْ حياةَ أكثر هذه العناصر من جهة، وتكتّمتْ - كالعادة - على خسائرها مهما كان حجمها. ولكنها انتهزتها فرصة للتهويل، والإثارة، وتأكيد ادعائها التقليدي، بأن منظمة التحرير الفلسطينية لم تتخلَّ عن (الإرهاب)، ولم تلتزم بما تعهدت به، وبذلك قدّمت للولايات المتحدة، وهي الحليفة الاستراتيجية، المبرر المنتظر والمطلوب الذي يجري وراءه اللوبي اليهودي، لوقف الحوار بين الفلسطينيين وأميركا، مما لا يعني أقلَّ من (تبخير) جميع الآمال التي كانت معقودة للوصول بجهود السلام إلى غاية ما، أو إلى موقف يقرّب الساعين إلى هذا السلام من الهدف، الذي - أرى من وجهة نظري - أنه يبتعد كثيراً، ليس بتعنّت وتشدد حكومة شامير فقط، وإنما لأن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، لا تجد الثغرة التي تستطيع أن تنفذ منها إلى خطوة حاسمة. وهي مطوّقة بجدار فولاذي الصلابة من إصرار اليهود في أميركا، على تحقيق حلمهم الكبير، وهو ظهور (إسرائيل الكبرى) ومعها (هيكل سليمان)، الذي قد لا ننسى أن أكابر المصممين في أميركا، وفي غيرها، قد أعدّوا جميع التصاميم، (ومجسَّماتها)، مع تقدير ما سوف يتكلفه تشييده من أموال، عندما يتم لهم إزالة المسجد الأقصى من الوجود. ولا تقيم إسرائيل، والصهيونية العالمية،وزناً أو تضع حساباً للزمن، الذي يتم بعده هذا العمل الإجرامي، لأنها على يقين بأن القدس كلها أصبحت جزءاً من الأراضي العربية المحتلة، والتي تقرر أن تظل محتلة، إلى ما شاء الله.
فالإرهاب إذن هو الذي اتكأت عليه أميركا لوقف الحوار بينها وبين الفلسطينيين وهنا، ترتسم في أذهاننا، عشرات من إشارات الاستفهام، والدهشة، عن معنى الإرهاب الذي استوجب وقف الحوار، وهذا من جهة، ومن جهة أخرى سؤال أرجو أن لا يفسّر بالتهوين من الجهود التي بذلت أو كانت تبذل طوال الفترة التي انقضت منذ بدأ الحوار حتى اليوم. وهو، ما الذي أسفر عنه هذا الحوار؟؟؟ ما هي النتائج الملموسة التي أفرزها هذا الحوار؟؟؟ هل هي تصريحات السيد جيمس بيكر التي نعترف أنها أبرقت بشيء من الجدّية، ولم تجد عند شامير غير المُضيِّ في التعنّت، مع المزيد من التصريحات المكشوفة، عن إصراره على استيطان اليهود المهجّرين من الاتحاد السوفيتي ومن أوروبا الشرقية، في الأرض المحتلة، لأن هذه الأرض في منطق إسرائيل اليوم هي الجزء الذي لن ينفصل عن (إسرائيل الكبرى).
ولنقل إن الحوار كان مطلوباً، وكان وراءه (وهم) احتمال الوصول إلى السلام، وإن ما اعتبرته أميركا إرهاباً، قد أدّى إلى وقفه... ولكن أليس من الطبيعي أن نسأل الرئيس بوش، عمّا تمارسه إسرائيل من أعمال القمع، ومنه القتل اليومي للصبية والنساء والشيوخ: هل له من معنى غير (الإرهاب) الذي تحرّمه أميركا على الفلسطينيين، وتبيحه، لقوات (جيش الدفاع الإسرائيلي)؟؟
بل لنفرض، أن أميركا تعتبر القمع والقتل، دفاعاً، عن قوات إسرائيل التي تهاجمها وتحصبها (بالحجارة) عناصر الانتفاضة، فماذا نسمّي، أو تسمّي أميركا قصف مخيمات الفلسطينيين وغير الفلسطينيين في جنوب لبنان بالقنابل، وقتل العشرات وراء العشرات، يوماً بعد يوم.
كل هذا ليس (إرهاباً) يستحق أن تراه أميركا... أو تحاسب عليه حليفتها إسرائيل. بينما تقوم أميركا ولا تقعد، لعملية إنزال، بالقرب من سواحل تل أبيب، قامت بها عناصر فلسطينية، ضاقت ذرعاً بما ضاع من الوقت في الحوار وما سُفح من دماء صبايا وشباب الانتفاضة، في انتظار نتيجة الحوار، فأقدمت على عمليةٍ قالت: (فلنعد إلى النضال المسلّح)... وليكن بعد ذلك ما يكون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :671  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.