شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
غياب الاستراتيجية العربية
يصعب على أي مَعْنِِيٍّ بالشؤون العامة من المفكرين والكتّاب أن يسلِّم، في مواجهة الكثير الجهير من التحديات التي تتلاحق وتكاد تنذر وتهدد هذه الأيام بأن الاستراتيجية العربية غائبة، أو لا وجود لها... وليس جديداً أن نقول إن أي استراتيجية لا تتواجد بين يوم وليلة، وإنما هي التخطيط المدروس على أساس من احتمالات يفرضها الوضع الجغرافي أولاً، ثم الاقتصادي والمتغيراتِِِِِِ السياسية التي توضع في الحساب، وذلك في صميم وصلبِ ِِكيانِِِِِ الدولة، ومنذ فترة من الزمن قد ينبغي أن لا تقل عن خمس عشرة سنة... لا بد أن لكل دولة عربية تخطيطها الاستراتيجي الخاص دون شك، ولكن استراتيجية دولةٍ، لا يعني استراتيجية (مجموعة الدول العربية) التي ما زالت تعيش وتواجه قضاياها الساخنة منذ قدّر (عليها) أن تواجه عدوّها الكامن في قلب أراضيها وقد اعترف المجتمع الدولي به دولة ضمنت الولايات المتحدة لها البقاء والوجود، وتطور هذا الضمان، بتطور المتغيرات في المنطقة إلى أن بلغ مرحلة التحالف (الاستراتيجي)، بحيث أصبحت إسرائيلُ ذراعَ أميركا، التي تحمي مصالحها في المنطقة. وبطبيعة الحال، ليست المنطقة، فلسطين وما يجاورها أو يتاخم حدودها فقط، وإنما هي في الواقع الساحة العربية من المحيط وإلى الخليج. ولا حاجة بنا إلى تحديد هذه المصالح، إذ هي من الوضوح بحيث لا يجهلها أحد.
وحين نستبعد وجود استراتيجية (لمجموعة الدول العربية) فإننا نعلم يقيناً، أن إسرائيل تملك استراتيجيتها التي لا بد أن ندرك أنها موضوعة منذ ولدت أو وجدت، وإنها تعكف على مراجعة خطوطها وتقوم بما تفرضه المستجدات حولها من تعديل. وليس من المبالغة في شيء أن نقول إن هذه الاستراتيجية هي شغلها الشاغل، ربما في كل لحظة من ليل أو نهار. لأنها بهذه الاستراتيجية تستطيع أن تواجه عشرات الملايين من العرب، الذين لم يخفوا قط، أنهم متربصون بها، ويتلهفون على محوها من الوجود... وهي لا تأخذ ما يقال حتى على ألسنة عامة الشعوب في الشارع، مأخذ الاستهانة وعدم المبالاة، بل هو عندها الحقيقة المقررة، والمسلّم بها بل والمنتظرة في يوم ما قريب أو بعيد. بل هي الحقيقة التي يعيشها كل فرد إسرائيلي في الأرض العربية المحتلة أو في فلسطين كلّها، بحيث لا يغمض له جفن ويستسلم للنوم، إلا وفي حسبانه أن الصباح القادم قد لا يجده في مكانه بل قد لا يكون له وجود إطلاقاً، لأن ذلك اليوم القريب أو البعيد آت، ما دام يعيش وحوله مئة وعشرون مليوناً من العرب، يمكن أن ينقضّوا عليه في أية لحظة... إنها (استراتيجية التخوف والخوف)، رغم التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة بل رغم كل ما تمتلكه، وتصنعه من أسلحة تصنعها أو تستوردها... ولا ننسَ أن لهذه الاستراتيجية مواليدها من الحركة والتكتيك اللذين تفرضهما المتغيرات الساخنة حولها، ومن هذا التكتيك ما سبق أن مارسته وأعطتْنا دروسَه، وهو (الحرب الإجهاضية) أو العمليات المحدودة ولكنها الخطيرة، بنتائجها التي تضمن بها آخر سلاح تشعر أنه يعدّ للانقضاض عليها، أو قوات يحتمل أن تتحرك في اتجاهها.
قد يحسن بنا أن نبتعد عن التذكير اليوم، بانتصارات للعدو، قابلتها - للأسف الساحق المرير - هزائمنا... ومن هنا لا بد أن نحسب كل ما وقع (على) العنصر الأساسي الغائب وهو استراتيجية الدول العربية (مجتمعةً)... وأعني تلك الاستراتيجية التي تخطط لها مجموعة الدول العربية الواحدة والعشرين، والتي تغطي ساحة الشرق الأوسط من المحيط إلى الخليج.
ولا ينهض البحث، والطلب على هذه الاستراتيجية، كما ينهض في هذه الأيام، التي عاد فيها إسحاق شامير إلى سدّة الحكم في إسرائيل، ومن أهم عناصر وزارته، أولئك الذين يرفضون باستهتار صريح كل نداءات السلام، حتى تلك التي دعت إليها - ثم تراجعت عنها بتصريحات، لغمطت وجه جيمس بيكر بالكفاية من الهباب وبالسخرية الوقحة الصاخبة من حكاية أرقام تلفون البيت الأبيض التي أعلنها في انتظار أن يسمع تراجعاً عن معزوفة الحرب، التي أصبحت مفهومة وإن كانت تتستّر بشيء من التحايل على مفهومها الذي يستبعد الصخَب يتاح له التسلل إلى الأذان (العربية) بنعومة يمكن أن تخدع عن العزم المبيَّت، الذي لم يُخفه عدد من وزراء التشدّد الرافض صراحةً لكل عروض واقتراحاتِ السلام، أو الحوار مع الفلسطينيين، حتى مع أميركا، وليس ذلك إلاّ الإعلان الصريح، باقتلاع الضفة والقطاع وحتى الجولان، وامتداد ألسنة اللهب إلى الأردن، الذي تقرر، أن يكون هو الوطن البديل للفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع، ومنه إلى ما يليه - على المدى الطويل المنتظر - لقيام (إسرائيل الكبرى) في كل أرضٍ يمكن أن تصل إليه الاستراتيجية، ومواليدُها من التحرك والتكتيك.
وفي مؤتمر القمة الاستثنائي الذي عقد أخيراً في بغداد، كانت احتمالات الخطر على الأردن وصلت إلى حدٍ يشبه (اليقين)، إلى جانب عدد من القضايا التي طُرحت للبحث والمناقشة، ثم اتخاذ القرارات التي يرجّح أنها كانت بمثابة (استراتيجية تجمع عليها الدول العربية) ربما لأول مرة وكان قرار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، بدعمِ ومساندةِ المملكة الأردنية الهاشمية، ليستمر صمودُها باعتبارها المستهدف الأول في المشروع الإسرائيلي، لمحةً تكشف عن الوصول إلى هذه الاستراتيجية، تدعمها أو يمكن أن يحققها تحذير العراق الصريح بأنه سوف يواجه أي اعتداء على أي دولة عربيةٍ بالضربة الرادعة.
ورغم ترجيح هذا الاحتمال يصاحبه إحساسنا بالتفاؤل وبشيء من الاطمئنان، فإن نجاح شامير في تأليف وزارته من هذه العناصر المتشدّدة، ثم تراجع الولايات المتحدة عن كل ما تورط في الإفضاء به وزير خارجيتها جيمس بيكر، إلى حد تجديد الوعود بالدعم والتأكيد على ضمان الوجود الإسرائيلي مع مقتضيات التحالف الاستراتيجي إيّاه، رغم ذلك، فإن الثغرة التي لم تُحجزْ أو تُسد أو تُردم، تظل مستسرةً، في أن الاستراتيجية العربية - التي نفترض أنها وجدت في القمة الاستثنائية في بغداد، تجنّبتْ أن تكون لها ضربةٌ إجهاضية كتلك التي جربناها من إسرائيل أكثر من مرة. وبمعنى آخر... إن استراتيجيتنا العربية المُجمع عليها في مؤتمر القمة الاستثنائية، اكتفتْ بتقرير الاتفاق على (الرَّد) وتجنّبتْ تماماً رغبة البدء بأي تحرُّك، إلاّ إذا وجدتْ نفسها في موقف الدفاع.
هل لي أن أقول إن الاستراتيجية المجمع عليها من الدول العربية لا تزال غائبة؟؟؟
سؤال أخشى أن لا تجيب عنه إلاّ إسرائيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :718  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.