شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قمة بغداد... والمجزرة
يوم وقع حادث حرق المسجد الأقصى وكان الذي أقدم عليه مخلوق قيل إنه كندي، ثم استبعدت عنه تهمة العمالة للحقد الإسرائيلي، والقيام بالجريمة لحساب هذا الحقد، بزعم أنه (مختل) الأعصاب... مجنون... ولا أدري بعد ذلك ما الذي انتهى إليه أمره... ولنا أن نرجّح أنه قد تخلص من طائلة العقاب، وأتيح له أو أُمر بأن يغادر إلى كندا دون أن يمسّه القانون بأي عقوبة، بل وحتى لم يودع مستشفى الأمراض العقلية، بفرض صحة ما التمسوه له من دوافع الجريمة ومبرراتها وهي الجنون.
واليوم... نجد جندياً إسرائيلياً مسلّحاً، يقتل ثمانية (عمّال) فلسطينيين... يخرج عليهم، في الساعة التي يتجمّعون فيها للذهاب إلى موقع عملهم، ويفتح عليهم النار من سلاحه فيرديهم قتلى... ومرةً أخرى، يتكرر الزعم القائل إنه (مختل عقلياً)... (مجنون). وذلك هو الباب الذي سوف يخرج منه دون أن تمسّه قوانين إسرائيل في محاكمها بأي عقوبة لأنه مجنون... والمجانين يتمتعون في إسرائيل كما نرى، بحريةٍ من نوع خاص، أهم خصائصه أنهم يرتكبون ما يعن لهم من جرائم دون حساب أو عقاب... ودون أن يسأل (الأمنُ)، في هذا المسخ الذي أريد له أن يكون دولة: كيفَ يُصرَّح للمجانين بأن يرتدوا البزّة العسكرية وأن يحملوا السلاح الذي يقتلون به ثمانية أو ثمانين؟؟؟
وليس من قبيل الصدفة أن يقع هذا الحادث البشع، وما جرّه من اضطرابات، لا تزال تتلاحق، ولا يزال يتساقط صرعاها، قتلى أو جرحى... أن يقع قبل عشرة أيام فقط من موعد انعقاد قمة بغداد الطارئة.
والبيانات الصحفية، وغير الصحفية، التي تتناثر في الأرض العربية من المحيط إلى الخليج تقول إن هذه القمة الطارئة في بغداد تريد (الخروج برؤية موحّدة في مواجهة التحديات المحدقة بالعالم العربي)... ولا تقول لنا هذه البيانات شيئاً واضحاً أو حتى غامضاً، عن عناصر أو جزئيات هذه الرؤية الموحّدة... فإذا أضفنا إلى مضمون هذه البيانات، ما قيل أن الرئيس الجزائري (الشاذلي بن جديد) قد أفضى به، وهو أنه (يشترط للاشتراك في هذه القمة أن تتوافر لها شروط النجاح) بينما حضور الرئيس السوري حافظ الأسد، لا يزال يدور في دوامة الشكوك، والتردد بين احتمالات الانغلاق، أو الانفراج، وعلى الأخص بعد الدعوة التي لم ير الرئيس صدام حسين مانعاً في توجيهها رسمياً على يد وزير العدل العراقي.
في مواجهة كل ذلك، لنا أن نتساءل، ومن منطلق الحيرة وما يشبه الضياع:، (ما هو الذي سوف تخرج به هذه القمة في مواجهة التشكيلة الواسعة من التحديات، ومنها هذه المذبحة أو المجزرة، التي دلقت الكثير من الزيت على النيران المشتعلة في الأرض المحتلة.
والواقع الذي لن يغيب عن الأذهان أن هذه المجزرة، حين شبّهوها بمجزرة (دير ياسين) فاتَهم أن يذكروا أن مجزرة دير ياسين تلك، لا تزال مستمرة ومتجددة، ولم تتوقف قط، منذ عام 1948م وحتى اليوم... ولا فرق بين أن يتم قتل الإنسان الفلسطيني ((بالقطاعي)) أو ((بالجملة))، فهو قتلٌ، ودمٌ يسفح، والقتلى، إذا كانوا في المجزرة الأخيرة ثمانية عمّال فإن القتلى طوال هذه السنين عشرات أو مئات أو ألوف، كلهم قُتلوا... كلهم سفحت دماؤهم رخيصة على أيدي قوات الاحتلال، وبرصاص بنادقهم... فما الفرق؟؟؟
فالمسألة إذن، هي موقف الدول العربية من هذا الواقع الرهيب بكل ما في الرهبة من معان يعجز عن تصورها العقل، ولا يجد لها المنطق معادلة تخضع لعبقرية الحل.
ويبدو لي أن السيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، بل رئيس الدولة الفلسطينية قد أتاح لنا أن نقترب قليلاً من اكتشاف ذلك الغائب، الذي طال غيابه، وبدا كأنه يرفض الظهور فضلاً عن الحضور، وذلك حين قال في دعوته إلى القمة الطارئة في بغداد، إنه (سيطلب منها إجراءات ملموسة، وليس بيانات شجب).
ثم يبدو لي أن السيد ياسر عرفات لا يختلف عن أي مواطن عربي في نظرته إلى ما يتدفّق من بيانات ((الشجب))، و((الاستنكار))، و(التنديد) أو (التفنيد)... فهي النظرة الواثقة من أن هذه البيانات، وحتى منها تلك التي تتقدم بها الدول العربية إلى مجلس الأمن، لم تسفر قط، ولن تسفر على المدى والعمر الطويل، عن أي تحوّل أو تغيّر ذي بال على نمط البغي والطغيان، ومنه (المجزرة) الأخيرة و(المجازر السابقة طوال أربعين عاماً). ولا تحتاج المسألة - من هذه الزاوية إلى تعليل أو استكناه أسباب... إنها معروفة، ومسلّم بها حتى على صعيد الأطفال، فضلاً عن الكبار من الساسة وقادة السفن. وهي باختصار (الولايات المتحدة الأمريكية) التي لم تزد قط في أي بيان من بيانات البيت الأبيض أو وزارة الخارجية عن أنها تشعر (بالقلق)... وأنها نتيجة لهذا (القلق) تحث حكومة إسرائيل على (ممارسة ضبط النفس).
ولا بد أن يكون للفظ أو كلمة (القلق) هذه، في قاموس السياسة الأمريكية، ومصطلحاتها الديبلوماسية، معنى لا نعرفه نحن، ولا أي عربي، وربما ولا أي مخلوق في العالم الثالث كلّه والعجيب الغريب غير المفهوم والضائع تماماً، أن كلمة (القلق) هذه، هي التي ترضي صنّاع السياسة العربية... ولا تزال ترضيهم... فعسى أن لا تمارس سحرها في قمةِ بغداد الطارئة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :653  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 91 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.