حسن الخط - والآلة الكاتبة |
ليس وحده الذي دار بيني وبينه نقاش عابر (ومكتوب) عما عانيته من تعثر في قراءة رسالته، وإنما هو واحد من عشرات أو مئات الألوف من أبنائنا، الذين يكتبون بما أصفه - مازحاً، بخط الدكاترة الذين يكتبون وصفاتهم بخط لا يمكن أن يقرأه إلاّ الصيدلي... وأنا أعتبر قدرة الصيدلي على قراءة خطوط الدكاترة، نتيجة لتدريب طويل تلقاه مع المواد التي تلقاها في علم الصيدلة. |
وتهون مشكلة الكتابة بخط يصعب على مثلي قراءته، إذا انحصرت بين اثنين - صديقين مثلاً - يتكاتبان، أو حتى بين ثلاثة أو أكثر... ولكنها تصبح مشكلة بالغة التعقيد ولها وزنٌ من خطورة، حين نجدها في نص حكم محكمة شرعية، أو نص توكيل، أو حجة إفراغ أرض تصدر عن دوائر كتاب العدل... فالحكم الشرعي في قضية من القضايا، يحمل وزنه الخطير لأنه حكم شرعي، ونص التوكيل، أو الصك الشرعي بملكية أو بيع أو رهن أو تنازل الخ... يحمل نفس الوزن أو ربما الأخطر، لأنه يصدر بإثبات حقوق على طرف لطرف من متعاملين في بيع وشراء أو حق لمدعٍ به في وقفٍ أو نحو ذلك من الصكوك. |
ولا أجد في نفسي حرجاً أو تحسباً أن أتوجه بهذه الكلمة إلى صاحب الفضيلة معالي وزير العدل الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، راجياً أن يأمر بالاطلاع على معظم ما بأيدي جمهور المتقاضين، من أحكام شرعية، أو صكوك ملكية أو توكيلات، ليحاط فضيلته علماً بأن قراءة معظمها يكاد يتعذّر إلا بعد كثير من الجهد ومحاولة ((تصوُّر)) الحرف أو الجملة المكتوبة بخط اليد. |
صحيح، أن كتابة هذه الوثائق بخط اليد تقليد قديم التزمت به المحاكم ودوائر كتاب العدل. وربما كان هذا هو السبب في عدم تجاوزه أو العدول عنه، ولكن معالي الوزير الجليل قد اطلع دون شك على خطوط كتاب الأحكام والصكوك، قبل أربعين أو خمسين عاماً،... إني أرى بعضها بين محفوظاتي، فأجد أن كتّابها كانوا يعنون أشد العناية بحسن الخط، وصحة الإملاء إلى الحد الذي يجعل من الوثيقة (تحفة) من تحف (حسن الخط). والفرق كبير جداً بين خطوط كتاب الأحكام والصكوك في هذه الأيام، وبين تلك التي نعرفها قبل أربعين عاماً. |
ولا أستبعد إطلاقاً أن معالي الوزير لا يرى ما يمنع الاعتماد على الآلة الكاتبة (الحديثة) التي تستغنى عن (مزيل الحبر) لتصحيح الأخطاء التي قد تحدث نتيجة للسرعة. وأرجّح أن بقاء تقليد كتابة الأحكام والصكوك باليد، وقد أوشك أن يصبح مثل خط الدكاترة، هو الافتقار إلى (كتّاب الآلة الكاتبة). والواقع أن كتّاب الآلة الكاتبة، قليلون جداً في المملكة، حتى لقد سمعت أن معظم كتّاب الآلة في دوائر ومرافق الدولة مُستقدمون أو متعاقدون من أبناء الدول العربية الشقيقة... بل سمعت، أن بعض دول الخليج، تدفع لكاتب الآلة (الجيد) راتباً يصل إلى أربعة أو خمسة آلاف ريال، إضافة إلى مميزات العقد أو حوافزه ومنها السكن والعلاج الخ. |
ومعالي رئيس ديوان الخدمة المدنية، يعلم الكثير، عن الأعداد الضخمة من طلاّب الوظائف، ومن حملة مؤهلات جامعية، الذين لا يجد الديوان لهم وظائف إلاّ في بلدان أو مناطق نائية أو بعيدة عن الحواضر الكبرى... فهل يتعذّر أن يقترح معاليه افتتاح معاهد للتدريب على الآلة الكاتبة العربية والإفرنجية، وأن يتاح لمن يتم تدريبه ويحقق النجاح بالنسبة المطلوبة، أن يوظّف، وبراتب أكبر من الراتب المقرر للمؤهل ليحل محل العشرات أو هم المئات من الذين يستقدمون من البلدان العربية الشقيقة. |
أعتقد أن المحاكم، ودوائر كتاب العدل وحدها سوف تستوعب مئات من هؤلاء، وفي الحواضر الكبرى، وهذا إضافة إلى المئات في الدوائر ومرافق الدولة على أوسع نطاق. |
ثم هناك، مشكلة التسجيل في (الدفاتر) الضخمة في المحاكم ودوائر كتاب العدل، التي يمكن أن تستبدل بأجهزة الميكروويف والكومبيوتر، التي لن تشغل أكثر من خزانة صغيرة تستوعب وثائق ومستندات عشرات السنين. |
ولكن هذه خطوة متقدمة، وأكتفي اليوم بالآلة الكاتبة فقط... ولا شك عندي أن معالي وزير العدل الجليل، يرحّب بالرأي، الذي أقدمه من منطلق إيماني بضرورة التجديد والتطوير. |
ابتسامة اليوم |
قال أحد هواة الغناء والطرب، بعد أن أدّى أغنية بصوته، لصديقه |
ـ هل لاحظت، كيف كان صوتي يملأ أرجاء القاعة؟؟؟ |
ـ فعلاً... والدليل أن أكثر المستمعين قد خرجوا ليفسحوا المجال لصوتك. |
|