البحر الأحمر، بحيرة عربية |
ولا يحوجنا القارئ، أن نغوص في أعماق البحث أو البحوث، عن الزمن الجيولوجي الذي تم فيه هذا الانفلاق أو الانفصال بين قارة أفريقيا في الغرب، وقارة آسيا في الشرق، كما لا نحتاج إلى التفاصيل التي تذكّرنا بأن هذا البحر الذي يمتد بين القارتين لمسافة 2400 كيلومتر، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية وحدها فإن ((ساحلها على هذا البحر يمتد ليستوعب معظم المسافة بين القارتين، لا نحتاج إلى شيء من ذلك، ولكن أهم ما أصبح يلح علينا بالالتفات إليه، والنظر مع هذه الالتفاتة إلى مستقبل التطورات والمتغيّرات الدولية التي لا بد أن نتوقّعها، ليس فقط في الصراع بين الدولتين العظميين، الذي لن ينتهي رغم كل ما أفرزته موجة تغيّر (الجلد الإفعواني) في الحكم الشمولي أو الشيوعي. |
ليس في هذا الصراع بكل تعقيداته وأخطاره التي ظل العالم يتوجّس لها أو منها، وإنما فيما ينبغي أن تتحمله الدول العربية على ضفتي هذا البحر، من مسؤوليات دقيقة - ولي أن أقول إنها ((خطيرة)) - ما دامت لإسرائيل على هذا البحر أيضاً ثغرة، كانت سبباً فيما لن يُنسى من أحداث. وسوف تظل سبباً لمثل تلك الأحداث على المدى الطويل، وعلى ضوء الاستراتيجية التي تبنيها الولايات المتحدة، لحليفتها، ولهذه الثغرة بالذات، في مواجهة الاحتمالات الكثيرة التي تراها هذه الاستراتيجية في اللحظة التي تبرق فيها شرارة الحرب العالمية الثالثة التي لن يقدم على التخلي عن التحسب بل والاستعداد لها أي من القوتين العظميين، على ضفتي هذا البحر، الدول العربية، ومنها أريتيريا بمينائها (مصوع) الذي ينتظر حركة دعم جادة، ليكمل امتداد الخط العربي على الضفة الأفريقية، بحيث يستكمل البحر الأحمر تكوينه السياسي كبحيرة عربية. |
وبعد قناة السويس، التي ينطلق عبرها الاتصال بأوروبا والغرب، يوجد مضيق باب المندب، الذي ينطلق عبره الاتصال بالشرق على أقصى مداه. |
هذا المضيق تطل عليه من الضفتين ((الدول العربية))، التي تملك - أو ينبغي أن تملك - القدرة على التحكم فيه والسيطرة عليه، ليس لإغلاقه أو قطع الاتصال عبره إلى الشرق أو الغرب، وإنما للتعامل مع مقتضيات الاستراتيجية الجاثمة في إسرائيل، وهي حليفة الولايات المتحدة، أو الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط. وأعني بالتعامل: ((الوصول إلى حق الدول العربية، على ضفتي البحر الأحمر، في أن تحسب القوى المتصارعة (العظمى منها وغير العظمى) حساب هذه الدول، وأن تدرك أن لها هي أيضاً استراتيجيتها في الحفاظ على أمنها وسلامها من جهة، وعلى الأمن والسلام الدوليين من جهة أخرى. |
لا أعرف الآن شيئاً عن القوات البحرية العربية في هذا البحر على امتداده، ولكني أتطلّع إلى أن تكون القوات البحرية للدول العربية في هذا البحر، قوات،تستطيع أن تتواجد عند اللزوم... وأن تتواجد على الأخص، في مواجهة تلك الثغرة التي تتسلل منها إسرائيل، والتي تعمل الآن جاهدة، وبتخطيط دقيق، مع أثيوبيا، لتضمن نوعاً من التواجد الذي يتاح له أن يتحرّك على أي موقع في المضيق عند اللزوم. |
وبعد... فإن ما يتلامح في ذهني من احتمالات للمتغيرات المقبلة على عالم ما بعد التسعينيات، يحملني على أن أطرح هذا الذي يتلامح، مؤمناً بأن ذلك هو واجب الكاتب، يلح عليه أكثر مما يلح الكلام عن الشعر أو عن الإبداع في النقد، وما يتفتّق عنه الذهن من وقفات عند قضايا أعتقد أنها لا تجد من القراء إلاّ أولئك الذين يعايشون الفراغ والهباء. |
ولا يحوجنا القارئ أن نغوص في أعماق البحوث عن الزمن الجيولوجي، الذي تم فيه هذا الانفلاق في الأرض ليفصل بين قارة أفريقيا في الغرب، وقارة آسيا في الشرق... كما لا نحتاج إلى التفاصيل، التي تذكرنا بأن هذا البحر الذي يمتد بين القارتين لمسافة طولها 2400 كيلومتر - والمملكة العربية السعودية وحدها يمتد ساحلها على هذا البحر ليستوعب معظم المسافة بين القارتين - لا نحتاج إلى شيء من ذلك، ولكن ما أصبح يلح علينا أن نلتفت إليه، ومع هذه الإلتفاتة، النظر إلى مستقبل التطورات والمتغيرات الدولية، التي لا بد أن نتوقعها، وليس فقط في الصراع بين الدولتين العظميين، الذي أعتقد أنه لن ينتهي، رغم كل ما أفرزته حركة (تغيير جلد الثعبان) في الحكم الشمولي الشيوعي. وإنما فيما ينبغي أن تتحمله الدول العربية القائمة على ضفتي هذا البحر، من مسؤوليات دقيقة - ولي أن أقول ((خطيرة)) - ما دامت للعدو الإسرائيلي على هذا البحر تلك الثغرة التي كانت سبباً، فيما لن ينسى من أحداث، وسوف تظل سبباً قائماً لمثل تلك الأحداث على المدى الطويل، وعلى الأرض على ضوء الاستراتيجية التي خططت لها الولايات المتحدة الأمريكية، وتركت لإسرائيل مجال تنفيذها، في مواجهة الاحتمالات الكثيرة التي تراها هذه الاستراتيجية لانفجار الحرب العالمية الثالثة، التي لن يقدم أي من الدولتين العظميين على التغافل عنها والتحسب لأخطارها، بل والاستعداد لها بحرب النجوم، وبالأسلحة المتربعة في البحر، وعلى امتداد سطح الأرض. |
على ضفتي هذا البحر ((الدول العربية))، ومنها (أريتيريا) بمينائها بالغ الأهمية (مصوع) الذي ينتظر من الدول العربية دعماً جاداً ومجزياً، ليكمل امتداد الخط العربي على الضفة الغربية، بحيث يستكمل البحر الأحمر تكوينه السياسي كبحيرة عربية. |
وبعد قناة السويس التي ينطلق عبرها الاتصال بأوروبا والغرب، وهي منشأة تملكها ملكية مطلقة جمهورية مصر العربية الشقيقة، يأتي (مضيق باب المندب) الذي ينطلق عبره الاتّصال بالشرق إلى أقصى مداه. |
وصحيح أن قناة السويس حفرها الشعب المصري الشقيق، فمن حقه وحده الهيمنة عليها. بينما مضيق باب المندب منفذ طبيعي لم يصنعه الإنسان، ولكن الحقيقة التي ينبغي أن لا تنسى أو تغفل عنها مجموعة الدول العربية على ضفتي البحر الأحمر، ثم على المضيق نفسه، أن هذا المضيق بطبيعته هذه، وموقعه الفريد، وأهميته البالغة يعتبر عربياً ومياهه تعتبر مياهاً إقليمية عربية، إذا أخذنا في الاعتبار أن عرضه البالغ 26 كيلومتراً ينقسم بين الدول العربية على ضفتيه، والمياه الإقليمية لكل دولة أصبحت اليوم 12 كيلومتراً والدول العربية على ضفتي المضيق، هي الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديموقراطية في شرق المضيق، وجمهورية جيبوتي (العربية) في غربه، وعلى أساس هذا الواقع الجغرافي، فإن المضيق محكوم بالسياسة التي تنتهجها هذه الدول، إضافة إلى عدد من الجزر التي تعتبر نقاطاً استراتيجية خطيرة. ومع أن أثيوبيا، تجد نفسها مخنوقة إذا نجحت أريتيريا في الاحتفاظ بميناء مصوّع فإن إسرائيل، وهي تدرك خطورة موقع المضيق، والدول العربية على ضفتيه، وعلى الأخص بعد حرب العاشر من رمضان عام 1973، عندما أغلقت القوات اليمنية والمصرية المضيق في وجه الملاحة الإسرائيلية، إسرائيل تعمل جاهدة على مساعدة أثيوبيا على أن يكون لها وجود قوي، على المضيق ينطلق من عدة جزر أثيوبية صغيرة، ليقاوم أي محاولة لإغلاق المضيق في وجه إسرائيل أو غيرها. |
من هنا فإن النظرة إلى البحر الأحمر باعتباره بحيرة عربية، وإلى مضيق باب المندب باعتباره مضيقاً عربياً، يمكن إغلاقه عند اللزوم، وإلى إسرائيل، وأثيوبيا، كمصدر خطر على أمن وسلام الدول العربية، فإن الدول العربية مطالبة بأن تكون لها استراتيجيتها الهادفة إلى الحفاظ على أمنها وسلامها، وعلى الأمن والسلام الدوليين من جهة أخرى. |
ولا أنكر أني لا أعرف شيئاً عن القوات البحرية للدول العربية في هذا البحر على امتداده، ولكني أتمنى أن تكون هذه القوات قادرة على التواجد في البحر، وفي المضيق، وعلى أن تصد خطر إسرائيل على هذا البحر، وعلى المضيق، وهو خطر تمليه استراتيجية الحليف الأمريكي عندما يتطاير شرر الحرب العالمية الثالثة، التي لم تقع حتى اليوم، ولكن حساب القوتين يظل يؤكد أنها سوف تقع في يومٍ ما، قد يطول انتظاره، ولكنه يظل يبسط جناحيه على الأرض والبشر، رغم كل ما يخالجنا من تفاؤل، وما نرجوه من أمن وسلام للقادم من الأجيال. |
|