شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أيام الجنادرية (3)
ديك البحر
اصطحبت نص مسرحية (ديك البحر) في رحلتي إلى عنيزة، ليس فقط للكتابة عنها، بل لأقرأ النص للمرة الثالثة بكثير من التأني، والرغبة المخلصة في الخروج بمفهوم يرضي ما أزعمه لنفسي من قدرة متواضعة على الفهم والاستيعاب. ولن أدهش أو أضيق إذا وجدت أن كثيرين ممّن شاهدوا عرض المسرحية في القاعة الكبرى في الجنادرية، أو ممّن أتيح لهم قراءة نصها يضعونني في قائمة فريق من المثقفين أو أشباههم - وأنا منهم - الذين فاتهم ركبُ المعاصرة، ليتركهم حيث وضعهم عجزُهم عن اللحاق بهذا الركب.
وكما سبق أن قلت، إن ما لفت نظري وأعجبني أن النص مكتوب بلغة فصحى (ومصحّحة) من الأخطاء المطبعية. وإذا كنت لم أقف عند النص الشعري الذي كتبه الأستاذ محمد الثبيتي فلأني توهّمت أن هذا النص، مجرد مداخلة تؤطِّر الحركة الفولكلورية التي اعتمدها الكاتب وارتكز عليها في إعطاء المشاهد عنصر الترفيه الذي يخفّف من سحب الغموض التي تتلاحق وتتكاثف، كلّما أوغلنا في حياة سليمان الذي تتمحور المسرحية حوله وتأخذ سبيلها إلى التشابك مع شخصيات القرية، ومنهم - أبطال المسرحية إلى جانب سليمان - أبو حريقة، والسنبوك، وبياض وعربي.
ومع أن المسرحية تبدأ بزفة (ختان) سليمان، فإنها تأخذنا إلى تفاصيل تلمح إلى أجداد سليمان، ثم تنطلق، وعبر الرقصات الفولكلورية المتوالية والمتنوعة، التي أعتقد أن المخرج قد قضى وقتاً طويلاً في التدريب عليها، مع قرع الطبول الذي يبدو أنه من الإيقاعات التي يتقنها الذين تولّوا الملاءمة بينها وبين الرقصات... تنطلق إلى (تزويج) سليمان من (دلال الشريفة)، الذي يبدو سليمان رافضاً لفكرته أصلاً، فتتعالى صرخاته ومنها: (أفيقوا يا حمقى واسمعوني... اسمعوني) ولكنهم لا يلقون بالاً إلى رفضه وصرخاته، بل يتزاحمون عليه ويرغمونه على ارتداء ملابس خاصة بالزواج تحت إشراف (أبو ساعية). ولكن ينجح سليمان في الإفلات منهم... فينتابهم الخوف منه.. ونجده يتهمهم بأنهم قتلوا جدّه... خنقوه... وفي زحمة الرقص وقرع الطبول... ينهض سليمان من سقطته ليقول: (أنتم سفاحون مع سبق الجهل والذل... أنتم أيها المجرمون وراء هلاك جدي... وستبوءون بغضب من الله يا عبيد الهوان وسيعلم الذين (سكتوا) منكم أي منقلب سينقلبون... وأنا أعلنها أمامكم... سأذهب ثانية لأصطاد... وأنتم جميعاً ستكونون على الشاطىء لتروا بأعينكم... فيذهب إلى عرض البحر، ويعود حاملاً صندوقاً يعطيه للأطفال... ثم يرجع إلى البحر يمشي ويمشي حتى يغيب تماماً عن الأنظار... وفيما هم يتابعونه ماشياً، يقوم (أبو ساعية) بفتح الصندوق... ليجد فيه (الديك)... الذي سمع المشاهدون صياحه... وعندئذٍ يغني الأطفال هذه الأبيات للأستاذ الثبيتي، التي أعتقد أنها قالت أخيراً ما أرادت المسرحية أن تقوله:
كوكو كوكو... بان النور
صاح الديك فوق السور
كوكو كوكو... بان النور
وحين يختلط الأمر على المجموعة، بين سرطان البحر وبين الديك... يصرخ أبو حريقة ليقول: -.
ـ لا... لا... لا... هذا ديك البحر
ويفاجئنا (أبو ساعية) بقوله: - (يا أحبائي... قررت أن أتزوج أنا بدلال الشريفة)... وتزفه القرية كلها بكل حماس ناسية أنهم كانوا يريدون لها أن تتزوج من سليمان... وتنتهي المسرحية بأصوات الأطفال وهم ينشدون: - (كوكو... كوكو... صاح الديك فوق السور... كوكو... كوكو... بان النور).
وبعد...
فقد قلت للدكتور الغذامي الذي شاهد العرض في الجنادرية، وكان معجباً بلغة المسرحية ولم يرفض ما قلته إنها من مواليد (أدب الحداثة)... وإنها أقرب إلى مسرح اللامعقول الذي يتعذّر أن توغل في معنى يريده الكاتب، دون أن تستبعد عن ذهنك الكثير من (المعقول)... ولكن مقال الدكتور ((نذير العظمة)) المنشور في العدد الأخير من اليمامة عن (ديك البحر) كان مفاجأة وقفت عندها طويلاً، إذ ذهب مع (ديك البحر) إلى (بيرانديللو) والمسرحية المرتجلة، التي لا يتقيد الممثل فيها بالنص المكتوب، كما لا يهم أن يتقيد المشاهد بنص ما... لأن النص المسرحي في الجوهر هو عدة نصوص... (1) نص المؤلف) و(2) نص المخرج) و(3) نص الجمهور أو الصالة)...
ولا أستطيع أن أساير الدكتور نذير العظمة فيما كتب عن المسرحية المرتجلة على أساس من نظرية بيرانديللو لأني لا أعرف شيئاً عن بيرانديللو ونظريته أولاً... ولأنّي لا أفهم تعدد النصوص إلاّ بمنطق الدكتور الغذامي وفريق النقد النصوصي الحديث، الذي أعتقد أن الخوض فيه من جانبي يعتبر مجازفة لا أحمد عواقبها.
ويبقى... أن أقول إن (ديك البحر)... ربما كان انعقاد البطولة فيها وتمحورها على سليمان يجيء من حادث (سليمان خاطر) وهو الجندي الذي قتل أو أطلق النار على مجموعة من اليهود في سيناء وفي موقع (طابة) على التحديد، إذ جعلت بعض الصحف في مصر من سليمان خاطر بطلاً في وزن عبد الناصر وغيره من الزعماء المصريين... ترى هل أراد الكاتب، أن يبخِّر بطولة سليمان خاطر، وأن يذروها في الهواء حين تنتهي إلى أسطورة ديك البحر؟؟؟
ذلك ما يمكن أن يقول عنه شيئاً، الأستاذ راشد الشمراني...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :827  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.