شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أيام الجنادريّة (1)
أيام الجنادرية التي أصبحنا نشهد فعّالياتها منذ ستة أعوام يمكن أن نقول بثقة لا تخالجها أو تصفر فيها رياح التزلّف والمجاملة، إنها أصبحت الأيام التي لا تنسى، وليس فقط، في المملكة، بل في الساحة الفكرية العربية كلّها، ومن الخليج إلى المحيط... وهي لن تنسى من جهة، ولن يطيب لجماهير المثقفين التي تتجمّع في ساحاتها الرحبة أن تتوقّف أو أن يطرأ ما يحمل على العدول عنها أو نسيانها من جهة أخرى... والسبب الأهم في تقديري الشخصي أنها المتميزّة بالأجواء المفتوحة للكلمة الهادفة، التي يستطيع المفكر أو فلنقل (المثقف) أن يقولها أو أن يسمعها، فيدرك من مضامين القضايا التي تطرح من منابرها، النماذج الحية والمستنيرة للحوار حول هذه القضايا، التي يتاح في ساحات الجنادرية وحدها أن يطرح الرأي ونقيضه، وأن تتلاحق التعليقات بالقبول والترحيب، أو بالرفض وما يعجبه ويتخلله - أحياناً - من النبرة الغاضبة الهادرة... وفي الحالتين، تسطع وتتألق روح (الجنادرية) التي لم يحدث قط أن سرّبت تنبيهاً أو تحذيراً، يحد من مدى انطلاق الكلمة في حدود نوع من العقلانية والاعتدال البعيدين عن التطرف - وعلى الأخص منه ذلك الذي يبلغ حد (الاستعداء)، الذي خلت منه منابر الجنادرية دائماً والذي أثبتت الجهة المعنية في أجهزة الدولة، أنها لا تلقى بالاً لهذا النوع من تجاوز طبيعة الحوار الفكري الذي يُفسَح له المجال في بعض الصحف لأنها - وأعني أجهزة الدولة - تدرك أنه حوار الغرض منه الكشف عن الجوهر، وليس بين المتحاورين من لا يدرك هذا الجوهر، هو الذي يلتزم المحاور بمحاولة جادة للوصول إليه.
وفي هذا العام، وهو السادس من أعوام الجنادرية أحالت ظروف عائلية قاهرة دون أن أكون بين من شهدوا اليوم الأول من المهرجان، وهو الذي يتاح فيه لجميع المدعوين أن يشاركوا ويشرّفوا برياسة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز نيابة عن خادم الحرمين الشريفين عاهلنا العظيم الملك فهد بن عبد العزيز، ولكني عايشت جماهير المدعوين من أكابر رجال الفكر في المملكة، ورصفائهم من مختلف بلدان العالم العربي، ورأيت في وجوههم كما سمعت في أحاديثهم من عبارات الإعجاب الذي يصل إلى حد الدهشة البالغة، ما جعلني أذكر مهرجانات السنوات الماضية التي كان فيها سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز نموذجاً مثالياً للترحيب برجال الفكر، بل لإفساح المجال لهم - وهم في مجلسه الخاص - بأن يطرحوا الكثير من القضايا والأفكار، وأن يسمعوا منه الكثير من الدعم بالموافقة على ما يطرح مع التوجيه الهادئ واللبق، البعيد عن التحيّز أو الانحياز لاتجاه معيّن، ممّا يضع ذلك الحشد الكبير من رجال الفكر والسياسة والأكاديميين، أمام بانوراما واسعة ومشرقة لحرية الفكر وحرية طرح القضايا، والجهر بالرأي، والرأي الآخر دون تحرج أو حرج... وذلك ما يؤكد أن ساحة الجنادرية، ومنابرها، تحتضن بحميمية وعفوية وحب، شتات الفكر العربي الذي قد يكون من النادر أن يوجد له نظير.
وقد أخذ عليّ بعض الزملاء ومن علموا أني موجود في غرفتي بالفندق، أني لم أحضر بعض الندوات في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات... ولكنهم يلتمسون لي العذر، وعذري أو اعتذاري الأول هو متاعب السن، وتخاذل القدرة على الموالاة... وأنا أعلم أني قد خسرت الكثير، ولكن، مع ذلك كان التعويض في النشرات الخاصة التي تصدرها يومياً لجنة العلاقات العامة والمراسم بالمهرجان، ولي بهذه المناسبة أن أقول إنها نشرات رائعة الإخراج طباعةً ومواضيع وقدرة على الإحاطة والشمول.
ومع هذه النشرات في حقيبتي الآن، ومع تعليقات الصحف، التي كانت تتابع فعاليات المهرجان يوماً بيوم، سيتاح لي أن أتحدث عن (أيام الجنادرية)، وأن أعايش بعض ما يتيح لي الوقت معايشته من الآراء والأفكار التي طرحتها المنابر، وأرجو أن يغفر لي القارئ إذا قلت، إن ما سأبدأ به من هذه المعايشة، هو المسرح، الذي لاحظت أن المهرجان قد منحه مساحة واسعة بدأت بالجلسة الأولى والثانية يوم الجمعة، ثم بجلستين حضرت الثانية منهما يوم السبت 6/8/1410هـ الموافق 3/3/1990م. وكانت بعنوان (نحو مسرح إسلامي) واشترك فيها الدكتور نجيب الكيلاني، وغاب عنها الدكتور سمير سرحان. ومعذرة للذين لم أذكر أسماءهم، فهي في النشرة التي لا تزال مطوية في حقيبتي.
لقد أحسست، أن (المسرح) قد أُعطي من ساحة الفكر في الجنادرية، أكثر مما كنت أتوقع، مما جعلني أتساءل: ترى، هل يقدّر لنا أن نرى المسرح بمفهومه الدقيق... وإذا كان هذا يعني وجود (المسرحية) والنص المسرحي، فإن ذلك يعتبر خطوة تقدميّة في حياتنا الفنيّة طال انتظارها، كما طال (النحت) حولها.
وبهذا الإحساس، أتحفّز للكتابة عن هذا الموضوع، في إطار ((أيام الجنادرية))... فإلى لقاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :645  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.