شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عروبة مضيق باب المندب
في نشرات الأخبار خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن ثوار الشعب الأريتيري، قد استولوا على ميناء (مصوع). وهو الميناء الرئيسي لأريتيريا على البحر الأحمر ويمكن اعتباره المنفذ الوحيد لأثيوبيا على هذا البحر، فإذا استولى عليه الثوار الأريتيريون فإن ذلك لا يعني أقل من عزل أثيوبيا عن البحر، ونوعاً من (الخنق) الذي يحرمها من القدرة على الحركة خارج أراضيها، وتعطيل اتصالاتها التجارية مع العالم عبر البحر الأحمر.
وبعض القراء في المملكة يذكرون عاصمة أريتيريا، وهي مدينة (أسمرة) التي ظلت عهداً طويلاً منتجع اصطياف يهرع إليها الكثيرون من جدة ومكة... والطريق إلى هذه المدينة يبدأ من (مصوع)، حيث يرتفق المتجه إليها قطاراً يتسلق الطريق الجبلي عبر أنفاق متعددة. ولعل إيطاليا هي التي أنشأت هذا الطريق خلال فترة استعمارها لأريتيريا قبل الحرب العالمية الثانية.
وكان مما يسترعي الانتباه، في موقف أجهزة الإعلام العربي، ومنها الصحافة من خبر استيلاء الثوار الأريتيريين على (مصوع) أنه كان أقرب إلى السلبية، أو عدم الاهتمام بما فيه الكفاية، رغم أهمية الميناء بالنسبة لأثيوبيا، التي اعتبرت سقوطه في أيدي الثوار ضربة بالغة الخطورة، فاتجهت إلى محاولة استرداده، أو انتزاعه، بقوات كثيفة من الجيش الأثيوبي، وبطائرات القوات الجوية، التي تواصل قصف الميناء ومرابض الثوار فيه دون توقف. ويصعب التهكن بما سوف يسفر عنه الصراع، ولكن، يمكن القول إن أثيوبيا لن تتوقف عن محاولة استعادة سيطرتها على مصوع، لأنها الباب الوحيد - تقريباً - الذي تتصل عبره بالعالم. وهي عند تعاظم الخطر ستعتمد على دعم الاتحاد السوفيتي الذي لن تحول مبادئ جورباتشوف دون تقديمه لأن تسليح أثيوبيا وتدريب قواتها يعتمد على السوفيت، ومن المستبعد جداً أن تتردد قيادات الجيش في دعم ومساندة حليف قديم في سوق استراتيجي خطير.
وليس في الأخبار ما يشير إلى أن الثوار يجدون الكفاية من حاجتهم إلى دعم نضالهم، بل ليس هناك ما يشير إلى أن أي دولة من الدول العربية قد تحركت - سراً أو علناً - لدعم الثوار في انتصارهم على أثيوبيا، باستيلائهم على الميناء. وليس هناك ما يبرر هذا الموقف السلبي الغريب، إلا التزام مبدأ عام التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عضو في الأمم المتحدة إلى جانب التزام مبدأ عدم تشجيع حركات الانفصال القومي أو الإقليمي أو الطائفي، ولا أعرف في الواقع كيف تقررت هذه المبادئ، ولكني لا أجد لها نصوصاً في ميثاق الأمم المتحدة ولعلها من أحكام (القانون الدولي).
والواقع الذي ينبغي أن تضاء الساحة التي تحيط به، وأن يعيه الرأي العام العربي والدولي، أن (أريتيريا) ليست، ولاية من ولايات أو أقاليم أثيوبيا. وإن ضمها إلى ما كان يسمى (التاج الأثيوبي) كان انتهاكاً لحق الشعب الأريتيري، في تقرير مصيره والاستقلال والسيادة على أرضه، وهي (أريتيريا) التي تقول المصادر المتاحة، إنها منطقة أفريقية تطل على (البحر الأحمر)، ويمتد ساحلها عليه لمسافة 670 ميلاً، تجاور السودان من الشمال وأثيوبيا من الغرب، والصومال من الجنوب. مما يظهر أنها منطقة منفصلة بطبيعة موقعها، عن أثيوبيا.
ولا يتسع مجال هذه الكلمة للدخول في تفاصيل ضمها إلى أثيوبيا، ولكن لا بد أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد شاركت، أو لعلّها قد تزعمت الدعوة إلى هذا الضم التعسفي لقاء أن تمنحها أثيوبيا قواعد بحرية وبرية وجوية في أريتيريا. وبعد الانقلاب على الأمبراطور هيلا سيلاسي وانحياز قادة هذا الانقلاب إلى الاتحاد السوفيتي، بحيث أصبحت أثيوبيا دولة تدور في فلك هذا الاتحاد، وتعتمد في تسليحها، من جهة وإمداداتها العسكرية من جهة أخرى على روسيا، لم يتغير الوضع بالنسبة لأريتيريا، بل اشتد الضغط عليها في مواجهة الثوار الذين لا يزالون يواصلون محاولتهم لتخليص أرضهم وشعبهم من استعمار أثيوبيا. وكان الاستيلاء على (ميناء مصوّع)، انتصاراً استراتيجياً خطيراً، لم تستقبله أجهزة الإعلام العربي يما يستحقه من اهتمام، وحتى اليوم لا نجد في الصحف أو في نشرات الأخبار العربية، ما يدل على المتابعة فضلاً عن الدعم، وهو ما ينتظره الأريتيريون، الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من الأمة العربية بلغتهم، ثم بعقيدتهم الإسلامية، التي تقاومها أثيوبيا حتى في الحبشة نفسها.
وقد يحسن الآن أن ننصح القارئ بإلقاء نظرة على الدول العربية المطلة على البحر الأحمر من الجانب الإفريقي، لندرك العلاقة الاستراتيجية الخطيرة بين خلاص أريتيريا من سلطان أثيوبيا، وعروبة مضيق باب المندب، الذي ينتظر التفاتة عربية واعية، قد تغيّر الكثير من مواقف الدول العظمى نحو قضايا العالم العربي.
وإلى أن تتاح للقارئ إحاطة بموقع أريتيريا على البحر الأحمر وأهمية ميناء مصوّع الذي يدور حوله أخطر صراع بين الشعب الأريتيري، وأثيوبيا، والقوى الربضة خلفها، أرجو من جانبي أن أوافيه في كلمة تالية، بإضاءة أكثر اتساعاً وشمولاً، عن مضيق باب المندب، والدول العربية على ضفتيه ومسؤوليتها عن التخطيط لمستقبلها معه على ضوء المتغيرات التي سوف يشهدها العالم في القرن الواحد والعشرين، الذي أخذنا نعايشه منذ بداية العقد الأخير من هذا القرن.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :690  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.