زرع التقنية في الإنسان السعودي |
كانت ندوة الثلاثاء في هذه الجريدة، عن برنامج (التوازن الاقتصادي) خطوة أعتبرها (رائدة)، ليس فقط بما لموضوعها من أهمية بالغة، وإنما أيضاً بأنها فتحت باباً، كان يبدو مغلقاً، حتى على أجهزة الإعلام ومنها خاصة (التلفزيون)... الذي أبيح لنفسي أن أتجه إلى معالي الفريق علي حسن الشاعر، متسائلاً، عن الأسباب، التي يبدو أنها تحول دون إلقاء الأضواء الساطعة والمبهرة، على مواضيع من هذا الوزن، الذي يظهر للمواطن، والمقيم، وحتى عابر السبيل من الصحفيين ومندوبي وكالات الأنباء الغربية، أن المملكة تعيش (صحوة) أو هي (يقظة) يمكن أن تعتبر نادرة النظير في كثير من بلدان العالم الثالث. |
ولقد عكفت على قراءة كل ما جاء في هذه الندوة بجملة من البواعث والدوافع التي أعترف أن الكثير من النقاط التي عالجها المتحاورون، بدت لي شخصياً ألغازاً شديدة الغموض والتعقيد... وليس ذلك لأنها في ذاتها غامضة معقدة، وإنما لأني خالي الوفاض من الخلفيات العلمية التي تساعد على فتح المغلق من هذه النقاط. |
عنوان الندوة، أو الموضوع نفسه يستنزف الكثير من التفكير ومحاولة الفهم. إذ هو (مشروع التوازن الاقتصادي). ولم أستطع أن أفهم كيف أن مشروعاً للتوازن الاقتصادي يتطلب عشرين ألف مليون ريال استثمارات مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين. |
ومن المانشيتات المثيرة للانتباه، وتكريس الذهن لمحاولة الفهم ذلك المانشيت القائل (هدف استراتيجي لنقل ((التقنية العالية العالمية إلى المملكة... وهناك ذلك المانشيت القائل أيضاً: (المرحلة الأولى من البرنامج الأمريكي تدخل مرحلة التنفيذ بخمس صناعات متطورة). |
ولا تنتقل من حالة الضياع الذهني مع هذه المانشيتات، إلى محاولة الفهم. وفي طليعة المحاولة، وقفة مع إجابة سمو الأمير فهد بن عبد الله على السؤال الذي وجهته الجريدة من البرنامج... أهدافه... مميّزاته... وخصائصه) وهو سؤال كان يمكن أن يكون أكثر تركيزاً على الرغبة في الفهم... ومع ذلك فإن إجابة سمو الأمير - بعد كلمة الشكر - زادتني ضياعاً - وأبادر لأعزو ذلك إلى تخلّف قدرتي على قراءة ما وراء الجملة من الكلام - فقد قال سموّه عن (الهدف): إنه نقل التقنية العالية إلى المملكة العربية السعودية. |
وأتساءل بمنطق تخلف قدرتي على الفهم - ما هي هذه التقنية العالية التي يعمل البرنامج، على نقلها إلى المملكة العربية السعودية؟؟؟ فالكلمة في حد ذاتها تذهب بالقارئ إلى أبعاد سحيقة من مفاهيم يتعذّر التوقف عند أحدها أو جملة منها لأن (التقنية) نفسها بحر، أو محيط، لا يزال الإنسان يبحر في مجاهيله، وبقدر ما يكتشف ويختزن، بقدر ما يبتكر من عطاء هذه المجاهيل أنواعاً لا حصر لها من الاختراعات التي تقترب به إلى نقطة (إلغاء الزمن) وأعني إحراز قصب السبق عليه في إنجاز أعمال كان يتعذّر عليه أن ينجزها في أسابيع أو شهور أو سنوات. وسموّه يعلم حقيقة المجاهيل في هذا المحيط، ويعلم أيضاً أن القارئ، يفتقر إلى بصيص معلومة عن نوع هذه التقنية التي وصفها بأنها (عالية). |
وكانت كلمة (استثمار هذه التقنية في البلاد) مضموناً آخر ازداد غموضاً بالنسبة لي وهو يقول: (إنه ترجمة لاستغلال المبالغ في مشاريع تقنية متطورة). |
إذن، لا بد أن نفهم أن هناك مبالغ سوف تستغل في مشاريع تقنية متطورة... وأن جهة الاختصاص (قصدت إعطاء المشاركة لهذا البرنامج للشريك الأجنبي، حتى تتسع فرصة نقل التقنية حيث يعتبر ((البرنامج)) برنامجاً فريداً سواء ((مالياً)) أو من ناحية ((التخطيط)) وبالتالي التقليل من الجوانب السلبية الأمر الذي يوفر حجماً كبيراً من الأموال التي تنفق في مشروعات التنمية، ويفتح الفرص ((للعمالة)) وخاصة ((العمالة السعودية التقنية))، لأن البرنامج من أهدافه الرئيسية نقل التقنية إلى (الإنسان) أينما كان، ووضع الإطار والكيان الذي يعمل فيه الإنسان، للاستفادة من هذه التقنية. |
وهنا أجد نفسي مضطراً لاستعارة جملة من كلام الدكتور عبد العزيز الدخيل، وهي قوله: (من ناحية عملية: ماذا يعني هذا الكلام؟؟؟) ثم سؤاله عن ((العنصر المؤسسي الذي يوطّن هذه التقنية؟ |
ولعل القارئ يستحسن أن أتوجه بسؤال أكثر وضوحاً، وهو: (ما هي الصناعات أو المصانع، التي سوف يقيمها (برنامج التوازن الاقتصادي) باستثمار يشارك فيه الأمريكيون، والبريطانيون والفرنسيون؟؟؟ ثم ما الذي كان يمنع في هذا الحوار أن يعلم القارئ شيئاً عن الصناعات الخمس المتطورة في البرنامج الأمريكي في المرحلة الأولى التي تدخل مرحلة التنفيذ؟ |
إن الذين شاركوا في الحوار تناولوا (مشروع أو برنامج التوازن الاقتصادي) بأسئلة، ومعلومات، أكدت اقترابهم من مضمونه، ولكن الصفحتين اللتين امتلأتا بعناصر هذا الحوار ظلّتا مفتوحتين لكثير من الأسئلة، وذلك ما أعتقد أنه يحتاج لكلمة تالية إن شاء الله. |
|