شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الزيدان... لن يتقاعد
وأعلم بالطبع أن أول ما يستوقف القارئ هو حرف (لَنْ) هذا الذي ينصب، وينفي الفعل في مستقبله المنظور. ونبتعد عن أثر (التابيد) الذي يراه لا أدري من هو من علماء النحو... وللقارئ، أن يتساءل (كيف؟؟) ولو أتيح له تصرف (تكنولوجي) لجعل من هذه الكلمة ((بالتكبير)) واللصق في النوادي الأدبية، ما يسميه الإنكليز (Poster) ولا أجد لها في اللغة العربية إلا تعريفاً طويلاً هو (إعلان ((مصور وملوّن)) على الحيطان لاصقاً فيها وبشيء من محاولة الاختصار - وبشيء من الذكاء أيضاً، يمكن أن يسمَّى (لاصق الإعلانات)... وهو ترجمة مهملة تماماً في لغة السينمائيين والمصورين في العالم العربي، إذ يفضّلون أن يسمو كل ما يملأ جدران القاهرة (على سبيل المثال) من إعلانات عن الأفلام وبطلاتها الجميلات والكلمات الذكية عن السيدة (الليدي) نبيلة عبيد التي أذكر أنها كانت: (وسقطت في بحر العسل)... واعترف أني قد زحمتني ضحكة وأنا أرى (الليدي) بكل مفاتنها، ساقطة أو سابحة أو غارقة في بحر العسل وتساءلت: (ترى كيف يتاح لها أن تخرج من هذه البحيرة أو البحر من العسل... ونحن نعرف أن إزاحة بقية هذه المادة عن أصابعنا أو عن شفاهنا يستغرق وقتاً... ولذلك فقد كنت وما أزال قليل الإقبال على العسل - رغم الكثير من فوائده هروباً من مشكلة الخلاص من (دَبَقِه) في الأصابع والشفاه.
والموضوع الآن هو (إشارة الاستفهام الضخمة التي يرسمها القراء عن الخبر الذي اخترته عنواناً لكلمة اليوم... وهي ((كيف يمكن أن)) ((لن يتقاعد الزيدان)) ويرى القارئ أني تجاوزت عن ذكر اسمه بالكامل اكتفاء بشهرته الواسعة والمقررة منذ أكثر من خمسين عاماً بل منذ كنا زملاء في المدرسة الراقية، إذ كانت الأحاديث تدور عن (الزيدان) وليس باسمه الكامل (الأستاذ محمد حسين زيدان)... وأظن أن تطير لاسمه هذه الشهرة الساطعة الواسعة التي سافرت، وسوف تظل تسافر في أبهاء الندوات الثقافات وقاعاتها والجامعات ومدرّجاتها، لأنه ذلك الموسوعي نادر المثال - ليس فقط بعلمه، واستشرافه الدقيق والموثّق - أحياناً، وإنما بهذا التواضع الذي تسمعه يُدلي بما يعلم - وهو كثير مستفيض - دون شمخةٍٍ الادّعاء والاستعلاء - وإن كانا من حقه الذي لا يماريه فيه نظير.
ومناسبة الخبر الذي أجعله عنواناً لهذه الكلمة أني قرأت له في (7) أيام إذا لم تخني الذاكرة كلاماً عن عزمه أو اتجاهه إلى التقاعد، وأن إحدى بناته قالت كلمة استسمحها في أن أصفها بأنها (سخيفة) وهي (تأخذ زمانك وزمان غيرك؟؟؟)... لأن زمان والدها العظيم هو الزمان الوحيد الذي يجب أن لا يشاركه فيه غيره... ولتسمح لي أن أسألها (من هم غيره هؤلاء الذين ترى أن لا يأخذ أبوها زمانهم؟؟؟)؟؟؟ كلا... لا أتجاهل وجودهم ومنهم (هي)... التي ربما كانت من حملة مؤهلات الدكتوراه أو نحوها... ولكن أين هم من (الزيدان)؟؟؟ وبعد كم من السنين يمكن أن يقتعدوا مكانته بين (قادة الفكر) في هذا البلد؟؟)... والفكر عند الزيدان، ليس هذا الذي يُنشر له أو سمع منه، وإنما هو الذي يعيش في وجدانه، ومنطقه، وعقله، وأدركَ - كما أدركَ سواه من أمثاله - أن مسيرة الحياة الفكرية عندنا لا تزال غير مهيأة، للإبراق والإرعاد بما لا يتسع له المناخ والأجواء والآفاق.
ولنعد إلى (لَنْ) هذه التي يتساءل معها الكثيرون (كيف) لن يتقاعد الزيدان وخَلْق الله - عندنا على الأخص - يتقاعدون عن العمل... وعن كثير من الأنشطة ويلتزمون منازلهم، مع الصمت، والضياع.
واسأل هؤلاء جميعاً كيف لم يتقاعد أكابر علماء التراث، الذي لا نزال نستجدي الكثير من علمهم، ونعتمد على الأكثر من عطائهم، وقد ظهر قبل مئات السنين؟؟؟ وما زال يشع إشعاعه ويتفاعل، ليس فقط مع قضايا الأدب والنقد، وفنون البلاغة والبيان، والمذخور العظيم المذهل من علوم القرآن والسنة، وهذا المذخور بالذات - وقبل غيره - هو الذي نلتمس فيه سبيلنا إلى الحق والهدى عندما تدلهم حولنا الظلمات من طوارئ الآراء المنحرفة التي نجد من واجبنا أن ندحضها فكراً لفكر، ورأياً حُراً لرأي تلبسّ الحرية مَظْهراً ما أسرع ما يتساقط وتذروه الرياح.
بل أسألهم، كيف لم يتقاعد الرافعي، وطه حسين، وتوفيق الحكيم والمازني وشوقي وسامي باشا البارودي... بل كيف لم يتقاعد صاحب يتيمة الدهر هذا الثعالبي الذي أعطانا من فقه اللغة، ما كان الكثير من مواده مرجعاً للقواميس التي جاءت بعده... بل كيف لم يتقاعد المعري في رسائل غفرانه، والتوحيدي في إمتاعه ومؤانسته؟؟
كلا... يا صديقي... يا زيدان... أطرد فكرة التقاعد هذه التي طلعتَ بها علينا ربما في لحظة سخط، منعك أدبُك وكرم خلقك، أن تعبّر عنها وأن تقف عند سببها. ولتقل للذين يسخطونك أن عليهم أن يخففوا من غرورهم... وأن يدركوا أن حياة الفكر عندك وعندهم، أسمى من أن تنحط إلى مستوى الحواري والأزقة والمنعطفات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :844  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.