(( كلمة الأستاذ حسين جمعة ))
|
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ حسين جمعة فقال: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأصلي وأسلم على سيدي رسول الله. |
- قبل أن أتكلم كما أوصاني سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، أقدم لكم شخصي المتواضع.. أنا رجل مخرج قاهري، لقد أثارتني كلمة الأستاذ الصديق رئيس وصاحب تحرير المنهل، وهو يدعونا إلى أن يكون الشعر العربـي من أهم أدوات المسرح في البلاد العربية، وأن يسود المسرح الشعري الحقيقي. |
- وفي الحقيقة الأستاذ عبد الرحمن رفيع كان يؤدي في هذه الليلة أداءاً مسرحياً متكاملاً بكل معنى الكلمة.. كان يضع الفكرة ويبحث لها عن زمانها وعن مكانها، ويبحث في قصائدها عن شخوص الفكرة التي وضعها وينصب نفسه مخرجاً، متطوراً؛ مبدعاً؛ رساماً؛ مهندساً للديكور، إذ أنه صور الشارع وصور البيت وصور الحارة وصمم الملابس، وألبسها بطلته أو بطله أو أبطاله، وأحضر لهم ما يهمهم فـي العملية المسرحية من مهمات أو ما يسمى بلغة الأجانب الأكسسوار. وتقمص كل الشخصيات، وخرج من شخصية إلى شخصية إلى ثالثة إلى رابعة.. كل شخصية بطابعها المميز وتشريحه الآدمي، كل شخصية تتصارع مع الأخرى دون أن ينسى أنه الكاتب، وأنه الراوي وأنه المقدم، دون أن ينسى أنه المحايد الذي يقدم هذه الشخصيات تتحدث عن نفسها. |
- وفي الحقيقة أعود إلى سنوات كثيرة حينما فكر كثير من الشعراء الذين يتمتعون برفاهية أوروبية، أن يقدموا فـي مصر المسرح الشعري وما كـانت إلا موضة يقلدون فيها الشعراء الفرنسيين أمثال راسين وكورنيل إلى آخره، فنسجت أنغام وترانيم على خشبة المسرح ينقصها الحدث، وينقصها الحوار، وينقصها التشخيص الحقيقي. |
- وقد ارتعت هذه الليلة حينما سمعت الزميل الأخ الذي يصغرني بـإحدى عشرة سنة وشهرين بالضبط حينما يُخْرِج ويمثل ويؤلف ويقدم ويروي، ويتقمص الشخصيات بهذه البراعة وهذا الحضور وخفة الدم والروح، وهذه القابلية التي يقولون عنها الـ Ability التي ترشح الإِنسان الفنان ليدخل قلوب كل السامعين والمتفرجين، ويقفل على النقاد أبواب الأخذ والعطاء، ويصادر عليهم أي تقييم أو أي كلمة تخرج بجرح أو تخرج بهجوم. لا أختص نقاد الشعر وإنما أقصد نقاد المسرح المتكامل. |
- حقيقة لو كان المسرح يأخذ في اعتباره بأن أداته التعبيرية هي الشعر العربـي، أو أن أداته اللغوية هي اللغة العربية المنظومة بكل أنواعها وبحورها، ثم تتسلح قبل أن تكتب هذه الأداة الموصلة بالأفكار العميقة والصور الشيقة، مأخوذة من محليتنا فعلاً، من بلادنا التي يسعى إليها الأجنبـي في كل بلاد الأرض ويأخذها لأنها حقيقة حميمة عريقة ثابتة الأصول، منطلقة الفروع، فتصبح بقدرة قادر عالمية لأنها ليست مقلدة، وليست مزيفة وليس فيها ما يدعو إلى التقليد أو التشبه بالغرب، مهما كانت الصور ومهما كانت الحجج التي تهجم على هذا الشعر الأصيل. |
- هذا الشعر إن كان عامياً أو عربياً وسيطاً أو بلغة الصحافة، أو عربياً كلاسيكياً فإنه المنبت الحقيقي لمسرح عربي شعري، ويمكن للشاعر من خلاله أن يعطيني صورة فيها الحوار، وفيها الدارما، وفيها كل الأخذ والعطاء التي هي الصور، التي هي من مواصفات المسرح المتكامل التي يتغنى بها الغرب.. ونحن حقيقة نملكها، وعندما نقرأ هذا البيت لامرىء القيس: |
مكر مفر مقبل مدبر معاً |
كجلمود صخر حطَّه السيـل مـن عـلِ |
|
- نجد أنه يحتوي على عدد من الحركات: تقدم وهموم وكر وفر وتراجع فهو وصف كامل متكامل. وإذا كان أنصار المسرح اليوناني القديم يزعمون أن المسرح ما هو إلا صراع، والصراع نتج في أثينا القديمة، ونتج من أساطير، فإن لنا في تاريخنا وأمجادنا وأسواقنا العربية ما يغنينا عن اللجوء إلى الأساطير اليونانية وغيرها. وفي الحقيقة فإن في لغتنا العربية وشعرنا العربـي ما يمكننا من تكوين المسرح الشعري المتكامل، إذا أخلصنا النية، وقد يقف على قدم المساواة أمام المسرح اليوناني، وما هذا بقليل على أمثال الشاعر المجيد المبدع الأستاذ عبد الرحمن رفيع، وشكراً لكم جميعاً إذ أتحتم لي هذه الفرصة، وقبل أن أختم كلمتي أود أن أعرفكم بنفسي. |
- اسمي حسين جمعة، رجل مسرح كما يقولون، أسعى للمسرح في كل مكان، جلت أوروبا لمدة 16 سنة، واشتغلت فـي القاهرة لمدة 25 سنة، واعتقلني الأستاذ غازي عوض الله مع الدكتور القحطانـي والدكتور نصيف واستقدموني لأعمل رجل مسرح في جامعة الملك عبد العزيز. |
- ما من شك في أن الخالق سبحانه وتعالى أودع بالقسطاس والحكمة البالغة المواهب في كل إنسان بالطول وبالعرض، وما علينا إلا أن نفجر هذه المواهب في كل الشباب. وسنجد أن الشاب السعودي يمتلك كل مقومات الفن والعطاء إذا ما أخذنا بيده وفجرنا كل طاقاته، واستطعنا أن ندفعه حقيقة وبتعليم وبتوجيه وتثقيف دون مباشرة، ليصبح فناناً يقف على قدم المساواة مع فناني العالم جميعاً، ومع إخوته الفنانين في البلاد العربية. |
- وقد نجحت التجربة في العراق وفي البحرين وفي الكويت، ولنا تلاميذ وطلبة وزملاء وإخوة في كل البلاد العربية، وإن شاء الله سنسعد جداً بأبناء كثيرين ابتدؤوا يؤدون دورهم في جامعة الملك عبد العزيز. فقد قدمنا مسرحية من التراث الجداوي الصميم تسمى "تابع العمدة" ولعل كثيراً من الحضور قد شاهدها أو سمع عنها، نرجو أن نتمكن في تقديم مسرح يسمو فعلاً ويعبر عن شخصيته وأشكركم للمرة الثانية. |
|