شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
علاقتي بالفضاء
إذا قلت إن علاقتي (بالفضاء) قديمة، فإني لا أبعد، والأرجح أني لا أُسلَك في قائمة الأدعياء، الذين تزدحم بأخبارهم وادعاءاتهم الصحف والمجلات، وعلى الأخص، في الأدب والفن. وقد بدأت هذه العلاقة - بمضمونها عندي - منذ ذلك اليوم الذي تداولت فيه جميع إذاعات العالم خبر إطلاق مركبة روسية، فيها كائن حي. وكان ذلك هو التحدي الساخن، الذي دفع الولايات المتحدة، إلى إطلاق مركبتها، حاملة (آرمسترونج) الذي كان أول إنسان، وضع قدميه على سطح القمر، ودقّ راية الولايات المتحدة على هذا السطح. وغيّر في نفس الوقت صورة هذا القمر، الذي ظل أرجوحة لأحلام العشاق والشعراء طوال عشرات أو مئات القرون.
والسؤال الذي لا بد أن يوجّهه القارئ، وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة، هو عن نوع العلاقة بيني وبين الفضاء؟؟؟ وقبل أن يفغر فمه دهشة، أبادر إلى التأكيد (الإلزامي) أن هذه العلاقة لا تعني إطلاقاً، أني اشتغلت - مثلاً بشؤون الفضاء، أو عنيت بدراستها، وإنما الذي يعنيه، أنه وقع لي في ذلك اليوم - مع أم ضياء - حادث ما زلت أذكره، فإذا قصصته، - أحياناً - يستغرق السامع، - ونحن معه - في الضحك، ولكنّه ضحك على تركيبة عقلينا، ومدى إدراكنا لهذا الذي سمّوه في تلك الليلة (القمر الروسي) الذي يحمل ذلك الكائن الحي...
ففي السماء إذن - منذ ذلك اليوم أو تلك الليلة - (قمر روسي) لا بد أن يظهر إلى جانب (قمرنا) المليح، الذي كان يضيء سبلَنا، وتجوالَنا في الحواضر أو البوادي، ويحرك الكامن من مشاعر الحب، والهيام، ومعها قواربُ الأحلام، نبحر بها على هوانا وكما نشاء في هذا الفضاء الذي أطلق فيه الروس قمرهم اللعين.
في تلك الأيام، كنا نسكن منزلاً في شارع المنصور حرصنا ونحن نبنيه أن تكون له شرفة واسعة بنصف سقف، مما لا يحجب عنها ضوء القمر، من جهة ويتيح لنا استقبال نسائم الليل، بعد منتصفه... إذ يندر أن تسمى ((نسائم)). إلاّ إذ هبطت درجة حرارة الجو وهي لا تهبط في الصيف، إلا بعد منتصف الليل.
كنا (ننصُب) ناموسيةً للطفلين، وأخرى لنا (وأعني أم ضيا وأنا) نغشاها تحاشياً للسعات البعوض... وقد نرش الناموسية بالماء لتلطيف جوّها والتمكن من النوم.
خلاصة القصة... قضينا جانباً من الليل نسمع أخبار (القمر الروسي) من الراديو ثم أوينا إلى فراشنا في تلك الشرفة الواسعة... وكان القمر - على حد ما أذكر الآن بدراً... وساعدتنا نسمات ما بعد منتصف الليل، على أن نستسلم للنوم... ولكن في ذهنينا حكاية القمر الروسي، الذي رجّحت أم ضيا، أنه لا بد أن يظهر إلى جانب قمرنا (وقمرنا هو القمر الكوني المعروف الذي لم يحدث قط أن رأينا سواه)... كنت أبتسم أو أضحك، مستبعداً تقديرها، ولكن لا أخفي - في نفس الوقت - أن ظهور هذا القمر الروسي محتمل، ما داموا قد سمّوه (قمراً).
وكنت مستغرقاً في نوم عميق، عندما لكزتني أم ضيا، لكزة قوية وهي تقول بصوت ملؤه الرعب... استيقظتُ مرتعباً... أسألها ماذا بها؟؟؟ فإذا بها ترفع إصبعها بيد مرتعشة وهي تقول:
ـ هذا هو
ـ من هو؟؟
ـ القمر الروسي... انظر... إنه يتوسّط السماء...
ونظرت إلى السماء... أو هو الفضاء... كان قمرنا هو الذي يتوسّط كبد السماء... مضيئاً ساطعاً جميلاً، يملأ القلب إحساساً بالمشاعر الجميلة... ومع أني لم أشك في أنه (قمرنا) وليس القمر الروسي اللعين... فقد سألت أم ضياء متخابثاً:
ـ ماذا ترين أن نفعل؟؟؟ ثم هذه الناموسية من نسيجٍ خفيف يكاد يشف عمّن فيه؟
ـ هل يقذف شرراً أو قنابل صغيرة؟؟؟
اكتفيت عندئذٍ بأن أستدير في مرقدي... وأنا أقول:
ـ هذا قمرنا يا عزيزتي...
ـ طيب... والقمر الروسي؟؟؟
ـ لا بد أنه عاد إلى روسيا... نامي... نامي ولنستعذ بالله من الشيطان الرجيم. تلك صورة من عقولنا ومداركنا في تلك الأيام... فما أسرع ما تطوّرنا... وما أعظم ما حققنا بهذا التطور،... إلى أن رأينا - على شاشة التلفزيون هذه المرة - صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في مركبة الفضاء، وفي يده القرآن الكريم... وفي حديث مع خادم الحرمين الشريفين ملؤه الحب، ونبضه الشجاعة، والأمل الكبير في أن يتحقق حلم الشباب، في تطور أوسع، يتيح لهم أن يرتادوا هم أيضاً الفضاء كما ارتاده سلطان بن سلمان... أول رائد عربي مسلم... وأمام ذلك المشهد... كانت الأمهات والآباء في كل بيت يرفعن أكف الضراعة إلى الله، أن يعيد إلى الأرض، هذا الرائد العربي المسلم، سالماً مكلّلاً بأكاليل المجد والفخار... تفخر به وبها أمّه... وكل أم عرفت معنى التضحية والفداء، في سبيل عزّة الوطن، العظيم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :900  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج