شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زلزال سان فرانسيسكو... وتنحية أريخ هونيكر
للقارئ الكريم، أن يتساءل عن العلاقة بين الزلزال الذي ضرب سان فرنسيسكو، في ولاية كاليفورنيا، وبين تنحية أريخ هونيكر من جميع مناصبه القيادية المهيمنة على ألمانيا الشرقية، بقوة طاغية جعلت الكثيرين، يستبعدون تنحيته أو يعتبرونها أمراً بعيد الاحتمال حتى وهو يرى - ومعه العالم - هجرة أو هروب ألوف الألمان من موطنهم الذي سجنوا فيه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وراء سور برلين وقبله سور الإرادة الحديدية التي طوّقت حياة الألمان في هذا الجزء من ألمانيا بطوق من التصميم على أن يظل تحت مظلة الحكم الشيوعي (الإستاليني العتيد) إلى الأبد.
بالنسبة لزلزال فرانسيسكو، فهو كارثة أكاد أزعم أنها ظلت متوقعة منذ ذلك الزلزال الذي ضرب نفس المنطقة في عام 1906م. وأذكر أني حين قضيت في تلك المدينة التي طاب لي أن أسميها مدينة (التلال) و(البحر)، وكان في ذهني ذلك الزلزال الفاجع، لم أكن أستبعد، بين كل لحظة وأخرى، أن يتكرر، بصورة ما، على أساس ما قرأت عن حركة تباعدٍ بين شقين أو (فلقين) يمتد مئات الكيلومترات أو ألوفها من أرض القارة والمحيط الهادي... وفي ذلك المساء الذي اصطحبت فيه (أم ضياء) في رحلة قصيرة لرؤية ذلك الجسر الأسطورة الذي سمّوه (البوابة الذهبية)، لم يبتعد عن ذهني سؤال سخيف هو (ماذا لو حدث الزلزال المتوقّع ونحن نمشي على هذا الجسر الأسطورة؟؟) ووجدت نفسي أُلجم لساني فلا أتحدث بهواجسي، إلى العزيزة بجانبي، لأن النتيجة ستكون الإسراع بالحجز في الطائرة إلى لوس أنجلوس أو إلى جدة، في نفس المساء. وعلى أم راسي شحنة ثقيلة من اللوم والتأنيب على أن أجيء بها إلى مكان كهذا تحف به أو تهدِّده الأخطار.
ومع هذا الزلزال الذي ضرب المنطقة أخيراً يوم الثلاثاء 17/10/1989م جال بذهني جسر (البوابة الذهبية)، ولعلي توقعت أن ينفلق، أو يهوي في مياه الخليج، بكل جماله وهندسته الرائعة، فإذا به يصمد ولا يصاب من الزلزال بأي صدع أو شرخ... مما لا بد أن يجعل الذين أقاموه من مهندسين وتقنيين وعمال، يتمنون أن يرفعوا رؤوسهم من التراب الذي ابتلعهم منذ عشرات السنين، ليقولوا (نحن هنا؟؟؟).
ولم أتردد، وأم ضياء تسمع وتشهد معي على الشاشة الصغيرة أخبار فاجعة الزلزال الأخير، في أن أقص عليها هواجسي في ذلك المساء منذ سنين... فالتفتت إليّ، ولم تزد على أن قالت: (كل شيء بقضاء الله وقدره)...
والحمد لله على أننا في رحاب رب البيت الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف).
أما عن تنحية أريخ هونيكر، من جميع مناصبه القيادية، وهو ذلك العجوز الذي ظل ينتهج نهج (ستالين) مع أولئك الذين ضرب عليهم ذلك الطاغية طوقاً من إرادة حديدية صمّمت، على أن تقتطع من ألمانيا هذا الجزء الذي سمي (ألمانيا الشرقية) نسبة إلى دورانها في فلك الشيوعية الحمراء التي نهشت بين براثنها كل ما يسمى (أوروبا الشرقية) فإني - شخصياً اعتبره حدثاً أضخم عشرات المرات من الزلزال الذي ضرب سان فرانسيسكو، أو أي زلزال يضرب أي بقعة في الأرض. وذلك لسبب بسيط جداً هو، أن أي زلزال في أي منطقة مهما كان فاجعاً رهيباً مدمراً، لا بد أن يظل محصوراً في المنطقة التي ضربها... طبيعي جداً أن نحزن، وقد تدمع عيوننا ونحن نرى أو نسمع عن مئات الضحايا، وبينهم الأطفال والنساء، ولكن يظل الحادث في نطاق المنطقة التي وقع فيها...
أما تنحية هونيكر، ذلك العجوز العنيد (بقية ستالين) عن قيادة ألمانيا الشرقية بملايينها العشرين، فإنه حدث، يزلزل ثوابت الفكر السياسي ليس فقط في المعسكر الشرقي الذي عاش يلتزم هذه الثوابت طوال الفترة منذ الحرب العالمية الثانية، وإنما في العالم الذي سمّوه: (العالم الحر)، أو المعسكر الغربي الرأسمالي والدول التي تدور في فلكه ومنه العدد الكبير من دول العالم الثالث...
زلزال سان فرانسيسكو، فاجعة، تهز حياة أميركا والأمريكيين، وتثير مشاعر الحزن الراثي عند كل إنسان بطبيعة الحال. ولكنه يظل حادثاً عابراً كمئات الحوادث المماثلة، ومنها الأعاصير والبراكين، وانهيار المباني الضخمة، وحرائق الغابات الخ... أما حادث تنحية ((هونيكر))، في نفس الفترة التي ينتهي فيه حكم الحزب الشيوعي الواحد في بولندة، وخلع كل الذي حفرته ورسخته دبابات الزحف الروسي في المجر، في عام 1959، وفتح الحدود إلى بودابست أمام الهاربين أو المهاجرين من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية وبالألوف... كل ذلك زلزال سياسي لا ينتهي تأثيره، بمرور الحدث أو وقوعه، بل سيظل يتفاعل، وتتناثر منه الشظايا في العالم كله، وسوف يستتبع أخطر وأهم المتغيرات، في العلاقات الدولية في الغرب وفي الشرق على السواء كما قد يعني أن عالم ما بعد الحرب الثانية قد بدأ يختفي.
وهنا سؤال يفرض نفسه... وهو: هل كان شيء من هذا يمكن أن يحدث، لولا ظهور (جورباتشوف) بشعاريْ (الجلازنوت) و(البريسترويكا) في الكريملين. ورغم الأنياب الزرقاء في (البوليتبورو)... ذلك ما سوف يجيب عنه الكريملين نفسه في المستقبل القريب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :798  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.