شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مسافات بين العالم الثالث... وحضارة العصر
حين أضع هذا العنوان لكلمة اليوم، أسأل نفسي أولاً: ما هو الذي يمكن أن يوصف أو يسمَّى بأنه ((حضارة العصر))؟؟ وحين تتردد على ذهني مقولة: إن بين العالم الثالث، وبين هذه الحضارة مسافات، تضع هذا العالم في إطار مفهوم (التخلف) أتساءل: (هل هي مقولة صحيحة؟؟؟ هل صحيح أن العالم الثالث عالم بلا حضارة... غير متحضر... مما يستتبع أن يوصف بأنه ((متخلف))... ويعيش التخلف بمستوى أو بآخر بالنسبة لحضارة العصر؟؟)
ولا أخفي أني أشعر بالتورط في عقد إشكالية، أسلّم بأنه لا يكفي أن يتناولها مثلي منفرداً، ولذلك أجد من حق هذه الإشكالية، أن تطرح على بساط البحث وعلى أوسع نطاق ليس فقط في هذا العالم الثالث الموصوم بالتخلف، وإنما أيضاً، في العالم المتقدم، الذي تمثله في المفهوم الدارج شعوب ودول أوروبا، والولايات المتحدة واليابان. وأذهب مع رغبتي في اكتشاف ما تنطوي عليه هذه الإشكالية إلى حد التطلع إلى أن تلتفت إليها المؤسسات الأكاديمية في الجامعات، ومراكز البحوث في العالم الثالث، والعالم المتقدم على السواء.
وقد يحسن بي أن أعترف بأني أرفض التسليم بأن العالم الثالث بلا حضارة، أو غير متحضّر، لأنني أعلم، كما يعلم كل مثقف، أنه العالم الذي استقبل الأديان السماوية الثلاثة الكبرى. وفي تاريخه الذي عرف أعرق الحضارات، ومنها حضارة مصر منذ سبعة آلاف سنة، وحضارة الصين، ولا تتخلف عنهما حضارة الهند، ولا نتجاهل حضارة الآشوريين والبابليين والفرس، فكيف يصح أن هذا العالم بأنه بلا حضارة، أو غير متحضر، أو متخلّف؟؟
هذا يعود بنا إلى السؤال الذي طرحته ابتداء، وهو ما الذي يمكن أن يوصف أو يسمّى (حضارة العصر؟) وأنه الذي تقوم بينه وبين العالم الثالث هذه المسافات؟؟) ويتزايد تعقيد الإشكالية، حين نتساءل في نفس الوقت، ما هي الحضارة؟؟
أمام هذا السؤال، تعود بي الذاكرة، إلى مؤلفات العالم الفرنسي (جوستاف لابون) التي نقلت إلى اللغة العربية في أوائل هذا القرن، وقد لا تخونني الذاكرة حين يتبادر إلى ذهني اسم كل من (فتحي زغلول) و(عبد الرحمن الشهبندر)، كما أجد أن تعريف (الحضارة) ظل متغيّراً لا يكاد يستقر، وإن كان هناك من رجّح أن اختراع الكتابة والتعامل مع المعادن، والوصول إلى وحدات للوزن، وأخرى للمقاييس، أو الرياضيات بوجه عام، ثم الاهتداء إلى الفوائد التي تحققها (العجلة) ومنها (العربات) التي تجرها الخيول أو الثيرة وصولاً إلى قطارات السكك الحديدية في عصر البخار الخ... مما يعني أن المجتمع البشري الذي بلغ هذا المستوى من المعرفة - منذ ألوف السنين - يمكن أن يوصف بأنه مجتمع متحضر... فالحضارة على هذا الأساس، هي (المعرفة). والمعرفة كلمة شاملة، تكاد تحيط بكل ما يحتاجه البشر للتعامل مع الحياة، في أوسع مجالاتها، وأبعد أهدافها.
وعند هذه النقطة، يمكن أن نفهم من (حضارة العصر) أنها ((المعرفة)) التي تميّزت بها الدول المتقدمة، ومنها بطبيعة الحال هذه ((التكنولوجيا))، التي يستوردها العالم الثالث، ويستفيد منها في حياته ولكنّه لا يزال عاجزاً عن صنعها... فعلى سبيل المثال: أنا أكتب هذه السطور على آلة كاتبة كهربائية، أي إني أتعامل مع منتج صنعته حضارة العصر، أعتمد على التعامل مع (المادة) على اختلاف أنواعها، ثم مع الكهرباء التي تمدنا بها التجهيزات الضخمة، التي نستحي أن نقول إننا قد استوردناها أيضاً من الدول المتقدمة... لقد استطعنا أن ننتج الكهرباء، وأن نمد بها مجتمعاتنا، ولكننا لم نضع التوربينات الضخمة أو حتى الصغيرة التي تدار فتعطينا هذه الطاقة الأسطورية التي تكاد تجمّد كل مصادر الرفاه والرغد التي نعيشها إذا توقفت لأي سبب من الأسباب.
هنا نواجه سؤالاً فيه ما يحز في نفوسنا ويرمضها ويوجعها، وهو ما قيمة كل موروثنا من الحضارة، رغم كل ما هو ثابت من عراقتها، ما دامت حياتنا كلها يمكن أن تصاب بالجمود والإحباط إذا حرمنا من هذه المنتجات، التي نستوردها من حضارة العصر؟؟ بالنسبة لي شخصياً أستطيع أن أكتب بالقلم، وأن أملأ عشرات الصفحات، مستغنياً عن الآلة الكاتبة... ولكني أصاب بالذهول حين يفاجئني هذا القلم الذي أمسكه بيدي، قائلاً إنه هو أيضاً منتج استوردناه من حضارة العصر... وحتى هذا الورق المصقول الأبيض... لم نصنعه... ولا نزال نلتمس لأنفسنا الأعذار والمبررات التي أعجزتنا عن صناعته... ومنها غابات الأخشاب، التي لا نجدها في بلداننا، مع أن بلدان جنوب شرق آسيا، تعتبر من أغنى بلدان العالم بالأخشاب التي يصنع منها هذا الورق.
المسافات بين العالم الثالث... وبين حضارة العصر تكاد تتجاوز طول محيط الكرة الأرضية فمتى يظن القارئ أننا نستطيع قطعها؟؟؟ بعد كم من مئات السنين؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :778  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.