شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مثقفونا.. واللغة العربية
والعنوان لمقال الأستاذ حسين العسكري، نُشر في جريدة الندوة الغرّاء يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك.. واستوقفني العنوان، لأنه ربط بين اللغة العربية و (مثقفينا).. ولا أشك في أن الأستاذ العسكري حين عُنِي بالربط بين مثقفينا وبين اللغة العربية، كان يلقي نظرة أفقية واسعة شاملة، ولم يسقط من حسابه وتقديره أن (المثقفين) ليسوا فقط أولئك الذين يحملون مؤهلاتهم الأكاديمية من الجامعات السبع في المملكة، وإنما منهم أيضاً بعض أولئك الذين يتبوأون مراكز قيادية، لم يصلوا إليها إلاّ بعد فترة طويلة من العمل الوظيفي، الذي يعتمد على الكتابة بنسبة قد لا تقل عن 80%. والكتابة تستلزم تجنّب الأخطاء اللغوية والنحوية.. وهذا يعني باختصار، أنهم قد اكتسبوا الخبرة الكافية بقواعد اللغة، وقواعد الإملاء، فلا ينكشفون في توقيعهم مكاتبات نادراً ما تخلو من الأخطاء.. والتوقيع معناه أن ((سعادته)) لا يعرف شيئاً عن هذه الأخطاء التي وقع فيها (الكاتب).. أو هو السكرتير أو ما يسمّى مدير المكتب.. فالجميع: الرئيس الذي وقّع، والكاتب الذي حرر، إضافة إلى كاتب الآلة.. كلُّهم سواء في الجهل المشين المعيب، باللغة العربية، وحتى بقواعد الإملاء.
وأنا أتحدث من واقع ملاحظات، ليس لي أن أزعم أنها الواقع اليوم.. إذ يكاد يكون من النادر أن أتلقى مكاتبات من مرافق رسمية في هذه الأيام.. ولكن ما جاء في مقال الأستاذ حسين العسكري يؤكد أن الحال لا يزال على ما هو عليه، وإن كانت لباقة الأستاذ - وهو معروف بها - جعلته يضع ثقل ملاحظته على (بعض شبابنا) وهو يحرص على كلمة (بعض) هذه، فكأنه يُطمئن القارئ على أن المشكلة محدودة، ومنحصرة في هذا البعض، وليست واسعة الانتشار، إلى ذلك الحد الذي جعله يُعْنَي بالكتابة عنها، وأن يستعرض ما يقوله هذا الفريق، أو ذاك من الذين يعللون لأسباب الظاهرة، ابتداء من تدنّي عملية تلقي دروس القواعد في مراحل التعليم الأولى (نتيجة لهبوط المستوى التحصيلي للمدرّس) وانتهاءً عند مقولة (إن الطالب في الوقت الراهن يعتمد على حفظ القاعدة، ويهمل فهمها لأن كل همّه منصبّ على اجتياز الاختبار).
والأستاذ حسين يعيش مشكلة اللغة العربية بالصورة التي شرحها، أكثر مما يعيشها غيره، لأنّه مسؤول عن الإذاعة في جدة.. مما لعلّه قد أتاح له أن يختبر أولئك الذين يتقدمون للعمل في الإذاعة، ومعظمهم - كما أسمع - من خريجي كلية الإعلام.. أي الكلية التي يفترض أنها تؤهّل الطالب للعمل في حقول الإعلام، وفي مقدمتها الإذاعة المسموعة أو المرئية ومنها (تحرير) نشرة الأخبار التي قد تجيء مكتوبةً من وكالات الأنباء، ولكنها لا تستغني عن محرر، ينسّق بين فقراتها، وجُمَلها، بما يتلاءم مع الوقت المحدد للنشرة. فالأستاذ حسين يُصدَم، كما صدمت أنا شخصياً أكثر من مرة، عندما يجد الشاب الذي يحمل مؤهل البكالوريوس يتعثّر، ويقع في الخطأ اللغوي والنحوي، والإملائي، في قراءة نص قد لا يزيد على خمسة أو سبعة سطور. أو في كتابة موضوع من المواضيع التي يفترض أنه يقرأ مثلها في الصحف كل يوم.
والبحث عن الأسباب، ومناقشة المقولات التي ذكرها الأستاذ حسين، محاولة من جانبه لعرض الواقع، ولكنها كالحلقة المفرغة، لن تضيء السبيل إلى حل المشكلة، وعلى الأخص بالنسبة للذين تخرّجوا، وتجاوزت أعدادهم الألوف، في مختلف التخصصات. إذ كيف يمكن أن يعودوا إلى صفوف الدراسة الابتدائية وما بعدها ليتعلموا قواعد اللغة العربية.. استحالة تامة بالطبع.. ولكن هناك حل، أعتقد أن ديوان الخدمة المدنية هو الذي يملك أن يتخذ قراره، مع الجدّية الحازمة إلى أقصى حد.. وهو باختصار اشتراط الموافقة على التوظيف، باجتياز اختبار خاص، وموسّع في اللغة العربية، قواعدها وإملائها مع القدرة على التعبير عن موضوعٍ فيما لا يقل عن فقرتين، كل منهما سبعة سطور.. والقدرة على القراءة دون خطأ، في مخارج الحروف، وفي نطق الكلمة نطقاً صحيحاً.
أما بالنسبة للأجيال التي لا تزال في مراحل الدراسة من الابتدائية إلى نهاية المرحلة الثانوية، فإن إعادة النظر في المناهج والمقررات، وكفاءة المدرّسين والمدرّسات أتمنى أن تكون في القمة مما تعنى بإعادة النظر فيه وزارة المعارف والرياسة العامّة لتعليم البنات.. وإلى جانب إعادة النظر هذه، هناك ثغرة لا تزال مفتوحة، وأنا قد أعزو إليها ظاهرة الضعف أو الجهل باللغة العربية، رغم ضخامة المقررات، بل وعمق أو تعقيد بعض أبواب النحو التي تتضمنها هذه المقررات.. وهذه الثغرة، هي أن سلامة الإجابة في مادة، كالفيزياء مثلاً، من الأخطاء النحوية والإملائية ليست شرطاً في تقدير الدرجة التي تستحقها الإجابة.. مدرّس مادة الفيزياء يضع الدرجة التي يستحقها الطالب في إجابته عن الأسئلة في المادة، ولا يُعْنَى أو يهتم بأي شكل من الأشكال، ولا بوجه من الوجوه بالأخطاء اللغوية أو الإملائية.. ولا أدري على أي أساس تسمح سياسة التعليم بالاستمرار في ترك هذه الثغرة، على ما هي عليه.. مما قيل لي إن مدرس مادة الكيمياء مثلاً هو نفسه يجهل قواعد اللغة العربية.. فكيف يُطالب بملاحقة أخطاء يجهل هو نفسه أنها أخطاء.. وتلك ظاهرة أعتبرها - (كارثة) - وأعزو إليها أعظم جانب من النتائج التي يعاني منها أبناؤنا وبناتنا في جهلهم الفاضح باللغة التي يبدأون دراستها من السنة الأولى وحتى سنة التخرج من الثانوية العامة. وهنا أتساءل: ما الذي يمنع أن يكون من شروط توظيف مدرّس أي مادة من المواد العلمية أو الأدبية أن يجتاز اختباراً في اللغة العربية، يثبت أنه يتقنها ويعرف الخطأ من الصواب فيها. وأن توضع قاعدة إنقاص درجة الإجابة بنسبة معينة إذا كانت هناك أخطاء في التعبير.. وأعني في اللغة التي عبّر بها الطالب، في إجابته عن الأسئلة في المادة العلمية أو الأدبية.
وبعد..
فإن الإنصاف يلزمني بأن أسجّل أن حرص مذيعي التلفزيون على اللغة العربية قد أصبح ظاهرة تستحق التقدير والإعجاب والثناء.. ولو كنت أدمن الاستماع إلى مذيعي الإذاعة المسموعة، لاكتشفت نفس الظاهرة، وفي المرات القليلة التي أفرغ فيها للاستماع إلى نشرات الأخبار، أحمد الله على أننا قد تخلّصنا من تلك الحالة التي كانت تجعلنا نُحَوقل ونُحَسبل، كلمّا صدمتنا الأخطاء في الإلقاء، وفي مخارج الحروف، وفي النطق الصحيح للكلمة، بل من حق مذيعي النشرة الجوية أن أثني على أدائهم الذي تندر فيه الأخطاء.
ولعلّها مناسبة أنتهزها لأصافح الأستاذ ماجد الشبل إعجاباً، بما أعتبره تخصصاً متميزاً في عقد الندوات، وقد يكون أظهر ما يميز هذا التخصص هو العفوية في التفطن لما يبعث في الندوة جو معايشة جمهور المشاهدين، وإثارة اهتمامهم، والاقتراب من توقّعاتهم في الموضوع أو المواضيع التي يطرحها للحوار. وهذا مع إشراقة الابتسامة المحتسبة التي تغطّي ما يشعر أن عضو الندوة قد ذهب فيه إلى أبعد مما يدور حوله الحوار.
وأعلم أن بعض القراء، أو المشاهدين، سيسرعون إلى تعليل هذا الذي قلته عن الأستاذ ماجد الشبل، إلى تلك الندوة التي كنت أحد أعضائها مع الدكتور الماضي، والدكتور الفقيه كأنهم يظنون أن ظهوري في الندوة كان أمنية أنتظرها فلما تحققت، استلزمت هذا الثناء على من أتاحها وحققها. ولا أجد ما أجيب به سوى أن أدعو الله سبحانه أن يحقق لهم مثل هذه الأمنية، وأن يتيح لهم الظهور، في التلفزيون، وفي الإذاعة والصحافة أيضاً عسى أن يوفقهم كل ذلك أو بعضه إلى أن يقولوا كلمة حق، ليس فقط عن الأستاذ ماجد الشبل وإنما عن الكثيرين من العاملين، الذين أصبحنا نتردد في الثناء عليهم وتقدير كفاءاتهم خوفاً من تهمة التزلف والنفاق، وجر المغنم، وما أسرعها إلى شفاههم، كأنّها السبيل إلى رفع مستواهم، عن مستنقعات النفاق التي أصبح التخويض فيها لازمة الحياة في هذا العصر. ولعمري، إنهم يرومون مستحيلاً، قد يتمنّاه الكثيرون، ولكن الوصول إليه يظل من الأماني البعيدة والأحلام.
* * *
بقي ما ألزمت به نفسي من معالجة الكلام عن أدب الشباب، وشعر الشباب، ولا أقول اليوم إني ندمت، ولكني أشعر أن ما أتوخى الصدق فيه عن أدب الشباب، كما أراه، أو كما أفهمه سوف يؤخذ على أنه نوع من التعالي عليهم وافتقاد الرغبة في تشجيعهم، والأخذ بأيديهم في مسيرتهم التي يرون أنها الخطوات الأولى، وأن خطواتهم التالية أو القادمة سوف تكون أكثر ثباتاً، وأوفر إشراقاً.. ولا أدري كيف يستقبلون كلامي إذا قلت إني لست من أنصار التشجيع وتطييب الخواطر، بكلمات الثناء، إلا فيما يستحق الثناء، ومن وجهة نظري، وانطلاقاً من مفهومي وكلاهما قد لا يكون، مما يوافقني عليه الشباب، أو حتى الشيوخ، من المعنيين بمعالجة أدب الشباب، والنظر فيه، والتوقف عند المحاسن، نبتسم لها، وننوّه بها، وعند الأخطاء أو هي المساوئ لا نتردد في استهجانها.. لأنها استحقت أن تستهجن.. وأن يقال عنها وفيها ما يجب أن يقال، وتلك في تقديري هي السبيل إلى التقويم، والتوجيه إلى الأفضل والأجمل والأروع من مطالب الفن.
ومن شعر الشباب، بين يدي اليوم ثلاثة دواوين، لشاعر من شعراء الشباب، هو الابن الطيب (عبد الله جبر).. ولقد كان مما آخذه على نفسي اليوم، أن هذا الشاب قد بعث إليّ أول دواوينه، منذ ثماني سنوات.. قائلاً في رسالة ما زلت أحتفظ بها: (أرجو أن أقرأ رأيك في هذه المجموعة الشعرية.. مع مراعاة الأشياء التالية التي كان من الواجب ذكرها وهي: أن هناك بعض أشعار الصبا تسربت إلى الديوان عن غير رغبة.. وثانياً أن تعليم الشاعر في حدود المرحلة الابتدائية).. ولقد رأيته أكثر من مرة، في نادي جدة الأدبي الثقافي.. وفي كل مرة كان بالغ التأدب، وهو يذكّرني بديوانه، أو هي دواوينه الثلاثة: (هتاف الحياة.. وأريدعمراً رائعاً.. وللحضارة ثمن).. وقد يحسن بي أن أقول إني ظللت أتوخّى فرصة ما للنظر في واحد على الأقل من الدواوين الثلاثة.. ولأبرهن على صدق نيتي، عنيت بتجليد الدواوين في مجلّد واحد تجليداً (رائعاً)، لعلّه كالعمر الرائع الذي يريده الشاعر. ولكن هذه الفرصة لم تتح حتى اليوم.. وإن كانت قد أتيحت للشاعر الكبير، الأستاذ حسين بن سرحان، الذي كتب مقدمة لديوان (هتاف الحياة).. وعلى طريقة السرحان، في التعبير عن ضيقه بالشعر والشعراء.. بالشعر الذي يقرأ، والذي ينظمه هو، أجده يقول في هذه المقدمة (لست أدري كيف أكتب مقدمة لديوان شعر وأنا منذ بضع سنوات لا أقرأ الشعر ولا أنظمه.. وهي نعمة من الله لا أزال أستديمها وأوالي شكري الوافر عليها.. وبقدر ما آمنت بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، أصبحت كافراً بالشعر والشعراء.. ولا سيما في المدة الأخيرة التي أصبح الخلط فيها واضحاً بين شعر منثور.. ونثر مشعور).. ثم يقول الأستاذ حسين بن سرحان وهو يقدم لشعر الشاعر عبد الله جبر، (واليوم أمامي شعر فوق المتوسّط.. فهنا ديباجة جزلة، ومعانٍ رقراقة.. وإصرار في صاحبه على أن يبلغ المستوى المروم..) ثم يقول: (ثم إنه مجنون بالأدب وكل ما يشتمل عليه جنوناً بالغاً من ناحية البلوغ لا من جهة البلاغة).
فإذا كان هذا الشاعر الكبير الذي يعد من أكابر الفحول، في تاريخ مسيرة الشعر عندنا يقول هذا الكلام عن شعر الشاعر عبد الله محمد جبر، فماذا يمكن أن أقول أنا بعده أو قبله.. وليس بيننا من ينسى أن حسين بن سرحان من أكابر أدباء النثر الفني الرائع الذي لو لم يبخل به، نشراً، وإصداراً في كتب، لكان واحداً من النماذج قليلة النظير في النثر، حتى بالموازنة بينه وبين فحوله في الأدب العربي المعاصر، وحين أقول المعاصر، فإني أعني الفترة التي عايشنا فيها العقاد، والمازني، والدكتور طه حسين والرافعي والبشري. رحمهم الله. ونحن نرى في هذه المقدمة الموجزة عن الشاعر، نموذجاً من هذا النثر الذي لا أدري لِمَ يبحث عن غيره. وفيه فوق الكفاية ثناء وتقديراً، وأستبعد أن السرحان كتبه مجاملة وتطييباً للخاطر.
ومع ذلك، فإن الشاعر لم يصرف نظره عني، وما زال يذكرني بنفسه وبشعره، وأذكر مرة ذكّرني فيها بدواوينه، كانت منذ بضعة أيام.. إذ اتصل بي هاتفياً.. وقال: قد بدأت تكتب عن شعر الشباب.. فهل يصعب أن يكون لي نصيب، بين هؤلاء الذين سوف تكتب عنهم.. وللحقيقة أقول، إني أفسّر بأنّه تحدٍ.. وليس تذكيراً.. كأنه يقول: (أرنا كيف يمكن أن يكون لك رأي، في هذا الشعر، بعد أن قرأت ما كتبه السرحان)، ومن حقه أن يقول هذا أو شيئاً قريباً منه.. إذ ليس ما كتبه السرحان قليلاً أو تافهاً.. وأتجنّب أن أرفض هذا التحدي من هذا المنطلق.. ولذلك فإني أعد الشاعر بأن أفرغ للاطلاع على ما جاء في دواوينه الثلاثة.. وفي نفسي.. رغبة أن أبتعد عن المجاملة، وما يسمّى التشجيع، ولا يخامرني أي شك في أنه مستغنٍ عن التشجيع الفارغ، المألوف، وينتظر أن يقرأ نقداً، قد لا يكون منهجياً (حديثاً أو حداثياً) ولكنه لن يكون بعيداً عن محاولة جادة للوزن والتقدير.
وأرجو أن يكون ذلك في المقبل من حصاد الأيام إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :824  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 19
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج