شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أدب الشباب
أواجه منذ فترة تساؤلاً لا أدري، أو لا أستطيع أن أجد الجواب الدقيق عنه.. وهو: (ما هي السن التي يبلغها المرء، أو مرحلة العمر التي يعيشها، فيوصف عندها أنه شاب؟ وعندئذٍ يسبح أو يحلّق في آفاق الشباب، فإذا كان من حملة الأقلام، الذين أصبحت تزدحم الصحف والمجلات، ومعها دور النشر ((وفترينات)) المكتبات، بعطائهم، يصح لمثلي.. حين يتحدث أو يكتب عن عطائهم، أن يصفه بأنه ((أدب الشباب))، أو ((عطاء الشباب))، أو ((شعر الشباب))!
وبطبيعة الحال، لا أجهل أن علماء اللغة وصفوا من يكون بين الثلاثين والأربعين بأنّه (شاب) ثم بعد الأربعين يتركونه مع (الكهولة) إلى أن يستوفي الستين.. ويتردد التساؤل على ذهني، لأكثر من سبب.. ولكن قد يكون من أهمّها أني (أنا شخصياً) قد بلغت مرحلة من العمر يصفها أو يصفني علماء اللغة معها بأني (دَرْدَح أويَفِنٌ).. أو ما لا تسعفني به الذاكرة من الأوصاف الآن. ولذلك، فإني لا أجد ما أصف به الكثيرين ممّن لعلّهم قد استوفوا الستين، غير (الشاب.. والشباب).. وذلك يعني أنهم شباب، وشبان بالنسبة لي.. وعلى سبيل المثال صديقنا الأستاذ الشاعر الكبير حسن عبد الله القرشي، لا أدري كيف يستقر في مشاعري أنه شاب، وأن عطاءه المتلاحق من شعره ونثره، عطاء شاب، ولذلك، فقد لا أتهم بممالأته إذا ذكرتُه أو كتبت عن شعره، فيما أكتب عن أدب الشباب.. وبالمناسبة لا بد أن أذكر الأستاذ القرشي بأنّه زارني في منزلي في زقاق الوزير، من أزقة سوق الليل، قبل الحرب العالمية الثانية، وأسمعني أبياتاً من شعر كتبه، وأحَبَّ أن يسمع رأيي فيه.. فإذا كان قد كتب الشعر منذ ذلك العهد السحيق، فإنه على الأرجح قد تجاوز الستين.. ومع ذلك يستقر في نفسي، ومشاعري أنه شاب.. ولا أجد ما أقوله، سوى أن يديم الله عليه نعمة هذا الشباب.
وصديق آخر.. لم أتزحزح قط عن الإحساس بأنه شاب، وأن ما يكتبه وينفحنا به من نقده وتحليله للكثير مما يعنى بدراسته من الأعمال الأدبية، ومنها أخيراً دراسته الموسّعة، للبيئة المحلية في قصة (أحمد السباعي) التي تناول فيها رواية (فكرة) واعتمادها على الإطار الشعبي.. و (خالتي كدرجان) التي لخص موضوعها بأنها (تصوير للواقع المتخلف).. ويصل في الجزء الثاني من هذه الدراسة، التي نشرت في هذه الجريدة، إلى رأي يقرر فيه أن (صوت المؤرّخ) في هذه الأعمال، أو في (أيامه) يفسد السرد القصصي.. والسؤال الآن بالنسبة لي شخصياً.. إذا عنَّ لي أن أكتب عن أعماله الأخرى، ومنها: (معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية السعودية.. ويوم أصدرته جامعة الرياض، كان الدكتور أستاذاً مساعداً بكلية الآداب - جامعة الرياض)، وذلك في سنة 1394.. وهو في تقديري الكتاب الذي يجب أن لا تخلو منه مكتبة أي مثقف.. لأنّه من المصادر الصحفية لدراسة (الأدب والفكر) في المملكة.. ومن المفروغ منه أن حياتنا الفكرية لم تعرف دور النشر التي تُصدر لنا كتباً، إلاّ مع مسيرة خطط التنمية، ولذلك فالمصادر الصحفية هي الأساس الذي يعتمد عليه، أو ينبغي الاعتماد عليه لدراسة الأدب والفكر.. والجزء الذي أجده في مكتبتي هو الجزء الأول، ومحتواه ما نشر في صحيفة أم القرى.. وقد وعد المؤلف بإصدار الجزء الثاني ومحتواه ما نشر في صحيفة صوت الحجاز، ولا أدري إن كان قد أصدره، أم أن علينا أن ننتظره.. وأنا أعلم ما يزدحم به وقت الدكتور منصور من مشاغل (فكرية وثقافية) نراها في معظم ندوات الثقافة والفكر والفن التي تعقد مرات طوالَ العام. إلى جانب إشرافه على ما يتقدم به طلاب كلية الآداب، لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه.. ومنها إشرافه على رسالة الأستاذة (آمنة عبد الحميد عقاد) عن (محمد حسن عواد شاعراً).. ولا يتسع مجال هذا المقال في مساحته المحدودة ويومه المقرر من جريدة الرياض، للإشارة - ومجرد إشارة - إلى كتب أخرى مثل (فن القصة في الأدب السعودي الحديث)، ومجموعة بحوثه ومقالاته، التي أعتقد أنها آخر ما صدر له، بعنوان: (في البحث عن الواقع).. وفي هذا البحث عن الواقع هذه الرسالة التي استوقفتني، وجعلتني أهتف (هذا ما يثبت أن الحازمي من الشباب).. وقد أدهشني أنها صريحة، وجريئة، إذ هي (إلى حبيبتي).. - وأعني حبيبته.. وأقرأها.. لأجد أنها إلى تلك ((البدوية)) التي كتب إليها طوال سنين، فكانت تمزّق رسائله، بل ولا تنظر إليها.. لأنّها ((تسكن الباذخ وترتدي الناعم، وتتحلى بالثمين.. وقد كثر محبوها فأشاحت بوجهها عنه)). وهو العاشق الوحيد.. فينصحها بأن لا تغتر بالغزل والمديح، وأن لا تصدق كلماتهم المعسولة.. ويفاجئني، حين يقول لها: (ستعودين نادمة إليّ.. سأضمك حينئذٍ بين ذراعيّ وأنسى كل شيء، ولن تجدي أحداً من حولك سواي..) وأتساءل.. ولا بد أن يتساءل معي القراء.. من هي يا ترى تلك ((البدوية))، التي يحبها الدكتور منصور إبراهيم الحازمي.. ولا يطول التفكير، أو تأمل ما وراء الحروف والسطور، لتكتشف أنها (الوطن).. الصحراء.. والأودية.. ورؤوس الجبال.. والجِمالُ المذعورة التي سيجمع معها فلولَها، ويعلّمها ثانيةً زراعة النخيل.. ولكن لي مع ذلك أن أتساءل ما الذي يمنع أن نقرأ لهذا البدوي الحازمي رسالة إلى حبيبة.. (بدويةٍ حسناء)، يحبها كما يحب رجلُ الفكر.. الذي خرج من الصحراء.. ليرى الحياةَ ويعيشها.. ومنها تلك (الحُسَانة) التي يبدو أنه ينطوي على ذكراها ويتخذ من الصحراء.. سبيلاً للتنفيس عن مشاعر تكبتها الأستاذية ووقفته محاضراً في مدرَّجات كلية الآداب.
أراني قد استطردت، واستدرجني شباب الدكتور منصور الحازمي، إلى نسيان موضوعي في هذا المقال، وهو (من هم من حملة الأقلام الذين يصح لمثلي أن يصفهم بأنهم (شباب) أو يصف أدبهم بأنه (أدب الشباب).. ووجدت نفسي أقف أمام معادلة صعبة.. بل بالغة الصعوبة إذ كان أحد طرفي المعادلة، أني أنا شخصياً أدرج إلى الثمانين من العمر.. وكان الطرف الآخر جميع حملة الأفلام من الأدباء والشعراء والنقاد المنهجيين وغير المنهجيين وأنصار الأصالة في الشعر، وفي مواجهتهم أنصار الحداثة.. كلّهم.. كلّهم لا يزالون في مراحل بعيدة، بعداً سحيقاً عن المرحلة التي بلغتها.. وقد يعزّيني بعض العزاء - إذا كانت المسألة تندرج فيما يستحق التماس العزاء - أن في الساحة رصفاء في العمر، وأنداداً في مسيرة الفكر، وهم الأساتذة محمد حسين زيدان، ومحمود عارف والسيد محمد حسن فقي.. ولعلّي أرجو أن لا يجانبني الصواب إذا زعمت أن من الرصفاء والأنداد (سنا): الأساتذة حسين سرحان وحمد الجاسر، وعبد الله بن خميس والأستاذ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري.. ومن هذا المنعطف، في تعقيدات المعادلة، يصح أن أجعل عنوان (مع أدب الشباب) هذا الذي اخترته لمقالات عمّا في مكتبتي من أعمال جميع هؤلاء الذين يتّسع لهم وصف الشباب.. ويتسع لأعمالهم وعطائهم وصف (أدب الشباب).
وبين يدي الآن - بعد هذه الدردشة الطويلة - كتاب للدكتور عبد الوهاب علي الحكمي عنوانه بالغ الضخامة، عالي الرنين، وهو (الأدب المقارن - دراسة في العلاقة بين الأدب العربي والآداب الأوروبية).. وهو من سلسلة (الكتاب الجامعي) الذي درجت مؤسسة تهامة على إصدارها في تلك الفترة، التي لها أن تسميها (ذهبية) في تاريخ احتضانها وعنايتها بعطاء الفكر في المملكة. وأجد في صفحة الغلاف الأخيرة، تعريفاً بالمؤلّف (الدكتور الحكمي) يقول إنه (ولد بمدينة الطائف في شوال عام 1366هـ).. فهو - والحمد لله - ممّن تعطيهم كتب اللغة صفة الشباب، لأنهم وصفوا من يكون بين الثلاثين والأربعين، بأنه (شاب).. والدكتور لم يتجاوز الأربعين إلا منذ سنتين.. ولندع هذا التعلُّق بحكاية السن، ولندخل في مضمون العنوان الذي قلت إنه ضخم عالي الرنين.. وقد لا يعلم الدكتور الحكمي أن لي حكاية قصيرة مع ما أضفاه على شخصي من حسن الظن، إلى حد لا أجد ما يمنع أن أسميه وهماً تورّط فيه، بحسن نية وسلامة قصد. ومختصر الحكاية أني تلقيت منه رسالة أكاد أقسم صادقاً إني عجزت عما بدا لي كأنه طلاسم تحتاج إلى خبرة خاصة لفكّ أو اكتناه أسرارها.. وبكثير جداً من المحاولة الجادة استطعت أن أقرأ أن كاتب الرسالة هو (ابن علي الحكمي) وحرف (د).. أفهمني أن صاحبها (دكتور).. وعكفت على فك هذه الطلاسم.. ساعات، لأجد أنها رسالة حافلة بالإطراء والثناء، وأن كاتبها يرى في (العبد لله - على طريقة السعدني) أستاذاً ومفكراً وأديباً، وما إلى ذلك من نعوت وألقاب، جعلتني أتوهّم أن الكاتب ربما يكون تلميذاً في إحدى مراحل التعليم يتطلع إلى أن يؤسس علاقة بينه وبين (عجوز مثلي).. ولكن حرف (الدال).. جعلني أعيد محاولة تفكيك الطلاسم والألغاز، وأعترف أني لم أوفق إلا في حدود منها أنه كاتب مقال عن (أوليات الهدف والطريقة) لأدوارد وليم سعيد، نشر في العدد الثاني من المجلد الثاني عشر من مجلة (عالم الفكر).. وهو باللغة العربية.. ومقال آخر، باللغة الإنجليزية بعنوان (Literature East And West). ومن المقالين استطعت أن (أكتشف) أن كاتب الرسالة هو (الدكتور عبد الوهاب علي الحكمي).
ولا أظن أن الدكتور سيغضب حين أكشف عن عجزي وخيبتي في قراءة (خطّه).. باللغة العربية التي كتب بها رسالته الرقيقة المزدحمة بما لا أستحق أبداً من النظرة المفعمة بالتقدير.
أما الكتاب الذي نشرته مؤسسة تهامة في سنة 1403 - أي منذ خمس سنوات، فإني أكذب على نفسي وعلى الدكتور، والقراء إذا ادَّعيت أني فرغت لقراءته.. قراءةً متأنية بغرض الاستيعاب والاستفادة.. ولكن الذي استوقفني، وكان محل إعجابي، أن الدكتور الحكمي قد توخَّى، بكثير من الأمانة، والدقة، أن لا يترك القارئ في دوّامة مصطلحاتٍ تأتي فيما يكتبه بعضُهم عن (البُنيوية) وأسماء المنظّرين فيها، باللغة أو بالحروف العربية، فتظل ألغازاً ويظل هؤلاء المنظِّرون (نكرات) بالنسبة للقارئ خالي الذهن من خلفياتٍ عنهم.. فالدكتور الحكمي يحرص، وبأمانة، أن يأتيك بالكلمة الفرنسية، كما هي الأصل الذي قرأه.. ولا يكتفي بالترجمة أو بالمترجَم إلى العربية.. مثل: (درس في علم اللغة العام) إذ يأتيك بالأصل الفرنسي وهو (Course de Linguistique Générale) ومن هنا تمنيت، وأنا أتصفّح فصول الكتاب، وأرى الأصول الإنجليزية أو الفرنسية، لأسماء المنظرين، أو لعناوين المواضيع، لو أن الدكتور عبد الواحد لؤلؤة يطلع على كتاب الدكتور الحكمي، ليرى نموذجاً يستحق التقدير لعالِم من أبنائنا يبشرنا بأنّه قادر - إذا تفرّغ وأراد - على أن يقدم موسوعةً لمصطلحات في النقد أو في غيره من أجناس الأدب التي أصبح لا يستغني عنها المثقف، المخلص لفكره وعطائه، وما أقل أمثالَه، فيما نقرأ من أعمال، تُذكر فيها أسماءٌ، وعناوينُ مواضيعَ، بالحروف العربية، مما يوحي بأن الكاتب ربما لا يستطيع أن يقرأ أو يتلفظ الأصل، لأنه لا يعرف اللغة التي يكتب عن منظّريها، ومواضيعها، وأنه على الأرجح مجرد ناقل من مجلات، وكتب تواجدت، في الساحة، خلال العقد الأخير من مسيرة الفكر العربي، وإذا كان وقتي لم يتسع للوقوف عند ترجمة الكثير الذي يحفل به الكتاب، فقد وقفت عند ترجمته لكلمة (The question of Palestine)، فقد ترجمها بـ (السؤال حول فلسطين).. والترجمة الصحيحة هي (قضية فلسطين) أو (موضوع فلسطين).
وبعد:
فلا بد أن أقول إني أظل محتاجاً إلى أضعاف الوقت الذي أتفرغ فيه لقراءة ودراسة هذه الأعمال، لأخرج بما يمكن أن يعد شيئاً يستحق أن يقرأ.. وأن يستفاد منه.. وهذا يعني أني في الواقع أبدد وقت القارئ فيما لا غَناء فيه.. فعسى أن يغفر لي.. وأن يحسن بي الظن ولن يعدم، على أية حال، ولو النزر اليسير مما يفيد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :868  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 19
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج