شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشكلة (الخط) الذي تكتب به الوثائق
وهي مشكلة تقادم بها وعليها العهد، وأعجب ما نواجهه فيها أنها تتطور عكسياً.. وأعني أنها تأخذ الاتجاه المضاد لمعنى التطور.. إذ لو عنينا بأن نقارن بين وثائق أو صكوك شرعية بأحكام صدرت قبل أربعين عاماً مثلاً، وبين مثيلاتها التي تصدر في هذه الأيام، لأدهشنا أن نجد تلك القديمة قد كتبت بخط لا ينقصه الحسن وفيه حرص الكاتب على النقط، والفواصل مع التنسيق واستواء السطر الخ.. بينما الجديدة - وأعني الصكوك والأحكام كمثال - قد كتبت بخط يمكن أن يوصف بأنّه (يُقرأ)، - وخير الخط ما قُرئ - حجةٌ تدفع أي محاولة للنقد ولكن لا حرج في أن أقول إنها لا تستغني عن ((خبير)) متخصص في قراءة الخطوط، أو من تتوفَّر فيه القدرة على التخمين والمشابهة، بحيث يُوفّق في أن يرجّح أن هذا الحرف من الكلمة لا بد أن يكون (فاء الوسط) وليست (العين) وذلك (كاف) وليس (لاماً) أو حرفاً آخر.
ولا أزعم أن خط الوثائق والصكوك، بحاله الحاضرة، قد سبب مشاكل، أو نتجت منه قضايا أو شجّع على التزوير مثلاً، إذ الواقع أني لم أسمع شيئاً من ذلك، ربّما لبعدي عن جمهور المتعاملين في هذه الأيام، ولكن حتى بفرض أن (المسألة ماشية) ولا مشاكل، فإني لا أدري ما الذي يمنع أن تمتد حركة التطوير التي شملت مختلف المرافق في الدولة، إلى دوائر القضاء على اختلافها، والتطوير لا يعني أو لا يقصد به تغيير في المتبع من إجراءات مقررة وإنما الذي يقصد به، هو:
1 - أن تعتمد (الآلة الكاتبة)، وليس خط اليد، في كل صك بتمليك، أو حكم بإدانة أو تبرئة ذمة، أو شرح بقرضٍ أو رهن أو فكِّه إلخ.. وأن يعتمد نوع معيَّن من الآلات الكاتبة المتطورة التي تسهّل الكثير من أعمال النسخ، والحفظ، مع التصحيح الآني، بل واسترجاع النص إلخ..
قد يقال إن المشكلة ليست في تزويد دوائر القضاء بالآلات الكاتبة، من أحدث الأنواع المتطوّرة، وإنما هي في (كاتب الآلة)، لأن الدول الخليجية كلّها تقريباً تستقدم كتاب الآلة الكاتبة من الدول العربية الشقيقة.. والسبب هو قلة أو ندرة إقبال أبنائنا على وظيفة من هذا النوع، ينظر إليها نظرة تحتية، لا تتفق مع التطلع إلى المكتب الفخم والكرسي الدوّار، في الغرفة المكيّفة.. وهنا أتساءل ما الذي يمنع أن يعطى (كاتب الآلة) الجيد نفس المرتبة التي يُعطاها حامل مؤهّل البكالوريوس، ولعلّي أطمع في أن يعطى علاوة (تخصص) أو شيء ما من هذا القبيل، لتشجيع الإقبال على هذه الوظيفة بالذات، ليس فقط في دوائر القضاء وإنما في جميع مرافق الدولة، وفي جميع المناطق والمدن. وبطبيعة الحال لا بد أن يتوافر في (كاتب الآلة) الذي يمنح كل هذه الميزات شروطٌ أهمّها أن يكون من حملة شهادة الثانوية العامة، وأن يختبر (اختباراً دقيقاً) في اللغة العربية و (الإملاء).. لأن من أهم ما يعيب أو يَنقُص كتّاب الآلة غالباً هو الجهل باللغة العربية: (قواعدها) و (إملائها).
2 - بالنسبة (للسجل)، فإن ما تعانيه دوائر القضاء، بل ودوائر أخرى تعتمد على التسجيل في كثير من مكاتباتها وقراراتها وأوامرها وتعليماتها، وحفظ أصول هذه المكاتبات، (واردها وصادرها) يمكن أن ينتهي بالتطوير.. إن أجهزة متطورة ومتنوعة قد حلّت هذه المشاكل حلاًّ جذرياً و (موثوقاً)، منها (المايكروفيلم) و (المايكروفش) والكومبيوتر، إضافة إلى أجهزة حفظ الملفات والأقلام، إذا رؤي ما يقتضي حفظها كما هي، وهي أجهزة تسهّل إنجاز الأعمال بسرعة لا يستغني عنها المسؤول من جهة وصاحب المعاملة أو المصلحة من جهة أخرى.
من المفروغ منه أن توقيع الحاكم الشرعي، أو المسؤول الإداري، صكاً، أو قراراً يركز مسؤوليةَ الحكم أو القرار في الحاكم أو المسؤول.. وبعبارة أخرى، أن التوقيع ينقل كامل المسؤولية عن جميع مَنْ حرر أو كتب، أو راجع أو نظر أو أبدى رأياً، إلى صاحب التوقيع.. ولذلك فإن المفروض أن لا يوقّع الحاكم أو المسؤول أي ورقة إلاّ وهو موقن وواثق أنها مستوفية جميع شروط الصحة والتوثيق. ويتعذر على الأرجح أن نتوقع اتساع وقت الحاكم الشرعي أو المسؤول لمراجعة (النص) الذي يوقعه. ولذلك، فإن من أهم الوظائف التي يجب أن تتوافر في دوائر القضاء على الأخص، وظيفة (المراجع) أو (المصحح) الذي تقع عليه مسؤولية المراجعة والتصحيح (لغة، وإملاء، وصياغة).
تتردد في المملكة هذه الأيام مقولة (عدم وجود شواغر) للأعداد الكبيرة من حملة المؤهّلات الجامعية وغيرها، فما الذي يمنع يا ترى، أن تتسع كوادر الوظائف لكتّاب الآلة الكاتبة بالمواصفات التي ذكرناها، إلى جانب متخصصي أجهزة الكمبيوتر، والمايكروفيلم وأجهزة (تخزين) الملفات واسترجاعها الخ.. ومعهم (وظائف المصححين)؟؟ وأعتقد أن معاهد الإدارة، في المملكة، تستطيع أن تفتح الأبواب لتدريب وتأهيل الراغبين في هذه الوظائف، خلال فترة لا تزيد على أربعة شهور أو حتى ستة شهور.. ولنا أن نتصوّر الأعداد الكبيرة التي سوف تستوعبها هذه الوظائف من الشباب الذين لا يجدون الشواغر في هذه الأيام.
ثم نواجه مشكلة الخط الذي تكتب به الوثائق، في هؤلاء الموظفين الذين يملأون فراغات أو ما يسمّى (خانات)، في تصاريح الإقامة، وحفائظ النفوس (قبل نظام البطاقة)، ومثلها تصاريح القيادة، ومستندات استلام المبالغ من دافعها لمصلحة من المصالح، ومنها - على سبيل المثال - استلام البرقيات، والرسائل المسجلّة.. لست أدري هل رأى المسؤولون الذين يوقّعون (تصاريح) الإقامة أو غيرها الخطوط التي تكتب بها أو تملأ (الخانات)؟.. إنها تعطي أسوأ انطباع عن مستوى (الكاتب)، ينسحب بطبيعة الحال، على الذي يوقّع.. لأن توقيعه يعني أنه لا يرى هذا المستوى المتدنّي. وهذا إضافة إلى ما يسببه الخطأ من مشاكل وما ينجم عنه من إغراء ذوي النفوس الضعيفة بالتزوير والتلاعب. ومن الأخطاء الشائعة جداً أرقام التاريخ، والفاصلة بين (اليوم والشهر والسنة)، ومثلها الفاصل بين رقم مذكرة، وتصنيفها.. تكتب الأرقام بطريقة تؤكّد أن الكاتب خالي الذهن تماماً من الأهمية القصوى لكل رقم بالنسبة لمن يحمل التصريح.. وكذلك بالنسبة للجهة المسؤولة عن إصداره.. لو قلت إنها تكاد لا تُقرأ أحياناً لما تجاوزت الحقيقة في شيء.. أما الفاصل بين أرقام (اليوم والشهر والسنة) فهو الذي يسبب الإشكال لأنّه يُكتَب بطريقة خاطئة.
مثلاً.. نفرض أن التاريخ الذي يجب أن يكتب هو اليوم الخامس من شهر ذي القعدة عام ألف وأربعمائة وستة.. هناك فاصل بين هذه الأرقام يكتبونه في جميع التصاريح وسندات الاستلام هكذا (5/11/1406.. الفاصل هنا مائل إلى اليمين، ولذلك فهو لا يتميز عن رقم (1) وهو يسبب الإشكال في القراءة من جهة، وفي دقة التحديد من جهة أخرى.. بينما الطريقة الصحيحة هي أن يكتب هذا الفاصل (مائلاً إلى اليسار) هكذا (5/11/1406).
والأعجب من كل ذلك أن الذين يملأون فراغات تأشيرات قنصليات المملكة في الخارج لا يختلفون عن الذين يملأون هذه الفراغات في دوائر الجوازات وغيرها.. أمّا الذين يملأون هذه الفراغات في الحواضر، أو المناطق البعيدة عن العاصمة أو عن الحواضر الكبرى.. فإن إشكالية رداءة الخط، عندهم، تجعلنا نحمد الله على أن نسبة المنحرفين الذين يستغلون هذه الظاهرة، بالتزوير أو التحريف، تكاد تكون معدومة..
إنها كلّها مما ينطبق عليه وصف (مسائل بسيطة.. أو تافهة)، ولكنّها رغم تفاهتها، أو بساطتها، تعطي أسوأ انطباع، ليس فقط عن كاتب الخط، وإنما عن المسؤول الذي يوقّع الوثيقة، أو الصك، أو سند الاستلام، أو تصريح الإقامة، أو ما إلى ذلك من التصاريح والتأشيرات، والمستندات.
لقد امتدت يد التطوير إلى الكثير الذي لا يعد ولا يحصى من مرافقنا ومؤسّساتنا، فما بالها تعجز عن أن تمتد إلى هذه المجالات؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1521  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 19
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج