الفصل الأول |
المنظر |
حجرة جلوس، قطع الأثاث الرئيسية على المسرح: مائدة وسطية وهي الآن معدَّة لثلاثة أفراد و((بوفيه)) جانبي من الخشب إلى اليمين. في مؤخرة المسرح باب ذو درفتين كبيرتين يسدل عليه ستار يخفى جزءاً منه ويؤدي هذا الباب إلى غرفة أخرى داخلية، وإلى اليسار باب زجاجي يؤدي إلى باقي أجزاء المنزل والمطبخ، قطع الأثاث تختلف قليلاً من ناحية الطراز، فإلى أحد جانبي المدفأة يوجد مقعد ذو ذراعين من القش المجدول، بينما المقاعد الأخرى وهي خمسة، ثلاثة منها قد وضعت إلى المائدة واثنان بحذاء الجدار مصنوعة من الخشب الخيزراني، والبوفيه مصنوع من خشب الماهوجاني. أما السجادة المفروشة فوق قماش من المشمع فهي من نوع عادي غير معروف وذات لون قرمزي فاقع. النوافذ مزينة بستائر من الدانتيل والجدران عليها صور من بينها صورة حفل زفاف وأخرى لفريق من لاعبي الكركيت وفوق رف المدفأة ساعة منبهة من النحاس، ومعها تحفة للزينة أو أكثر وبجوار النافذة منضدة فوقها ماكينة خياطة يدوية وعلى حافتها بعض الأصص، كما يوجد على منضدة أخرى صغيرة في الجانب الآخر من النافذة أصص أيضاً تحتوي على شتلات نباتية وفي الجدار، فوق ماكينة الخياطة، رفان للكتب، وتتوسط مائدة الطعام ((فازه)) مليئة بالزهور. |
ليلى، تستكمل إعداد المائدة باهتمام شديد، وهي شابة صغيرة السن ذات قوام نحيف ووجه جميل ترتدي ((بلوزة)) فاتحة اللون، وقميصاً داكناً، وفوقهما مئزر كبير. يسمع صوت الباب الأمامي للمسكن وهو يغلق، ويدخل رفيق، وهو نموذج عادي لموظف المدينة، يرتدي ((الجاكيت)) الفراك الطويلة، والسروال الأسود والقميص الأبيض الذي يبدو جزء كبير من أساوره خارجاً من كمَّيه، علاوة على الياقة البيضاء العالية. |
ليلى: لقد حضرت إذن (ترفع وجهها إليه ويتبادلان قبلة سريعة) يبدو لي أنني سمعت صوت أستاذ شوقي معك. |
رفيق: تقابلنا عند السلم الخارجي. |
ليلى: صدفة ظريفة! جميل جداً.. سنتناول الطعام إذن في الحال. |
رفيق: (يخلع عن رأسه قبعته، ويضعها فوق البوفيه، ثم يتمطى ببطء في استمتاع واضح) اليوم هو السبت والحمد لله! (يقصد أن غداً عطلة). |
ليلى: (وهي تضحك في خفة) مسكين أنت! |
رفيق: (وهو ينظر شزراً نحو قبعته الرسمية السوداء) لشد ما أتوق إلى إلقاء هذه القبعة اللعينة في النهر (يهدد القبعة بقبضة يده، ثم يمد رقبته كما لو كان يريد تخليصها من الياقة البيضاء المرتفعة، ويهز أسورتي قميصه إلى أسفل حتى يبدو منهما جزء كبير، ثم يتأملهما ملياً) ما أسخفهما. |
ليلى: (في قلق) ما الذي يضايقك منهما؟ أهما متسختان؟ |
رفيق: متسختان! كلا إنهما ناصعتا البياض بما فيه الكفاية.. يا له من زي بغيض. |
لقد حضر اليوم أحد الموظفين إلى المكتب مرتدياً ربطة عنق حمراء، فأشبعه يوسف العجوز لوماً وتهديداً وسأله عما إذا كان يسارياً متطرفاً. وأجابه الموظف بأنه ليس يسارياً ولا متطرفاً... ولكنه فقط يحب اللون الأحمر. فأجابه الرئيس يوسف ((إنني أيضاً أحب اللون الأحمر، فهل يعني ذلك أن أرتدي في المكتب ربطة عنق حمراء..؟ أو أن أسير في المدينة مرتدياً ثياب الجولف))! قال ذلك وهو يظن نفسه خفيف الظل مما جعل أشرف يثور ساخطاً. |
ليلى: ومن هو أشرف؟ |
رفيق: إنه أشرف سالم ولقد صاح في يوسف قائلاً إنه سوف يرتدي ما يحلو له. |
ليلى: ولكنها حماقة منه... أليس كذلك؟ إنه يشغل وظيفة جيدة، تؤمن له حياته. |
رفيق: إن ذلك ما قاله وبعد أن فكر في الأمر ملياً.. ابتلع ما حدث. حسناً.. هل أعددت الطعام؟ |
ليلى: إنه في الانتظار. |
رفيق: (وهو يخرج) سأعود في الحال. |
(تتجه ليلى نحو المدفأة، وهي تسمع خطوات شوقي في الخارج، وهو يصفر بفمه جزءاً من لحن ((دعنا نرحل إلى)). يدخل شوقي، وهو شاب عريض الكتفين ومن الطراز الذي يشعر بالخجل في حضرة النساء). |
شوقي: الطقس جميل اليوم يا أستاذ محيي. |
ليلى: رائع. |
شوقي: أحضرت لك الصحيفة، ولعلها تعجبك، إنها ((الأخبار)). |
ليلى: آه شكراً أحب ما بها من صور، إن رفيق قد أصبح ينمو الآن نمواً جاداً ومخيفاً في قراءاته ولم يعد يبتاع الأخبار، فهو يحضر الأهرام، ويعتقد أن ما بها من مقالات عن فلاحة البساتين مادة جيدة. |
شوقي: إنه مغرم بالترف.. فهي أغلى ثمناً. |
ليلى: ولكنه يتقاسمها مع بعضهم! (فترة سكون). |
شوقي: أصبحت مملة.. وأود لو تخلصنا من البسلة وغيرها من خضراوات ونباتات، وقمنا بتربية بعض الدجاج لأنه أكثر فائدة. |
(تخرج ليلى يسحب شوقي خريطة من جيبه ويأخذ في دراستها، يدخل رفيق ومعه ليلى، وقد طرأ على رفيق تغيير رائع بعد أن أصبح يرتدي الآن حلة رمادية واسعة فاتحة اللون وقميصاً من الفانلة ذا ياقة لينة، رباط عنق زاهي اللون، وخفًّا قديم الطراز. بينما يطل غليونه من أحد جيوبه الأمامية، ومن جيب آخر تطل إحدى الصحف، يجلسون إلى المائدة. وتحاول ليلى ألا تبدي انزعاجها عندما أخذ رفيق يصارع شريحة اللحم التي قد أحضرتها معها ووضعتها أمامه. وقد تناثر بعض رذاذها بينما أخذت ليلى توزع الخضراوات). |
رفيق: أعتقد أنني سأحظى عما قريب بكلب من كلاب محسن الصغيرة. |
ليلى: حقاً! ما أجمل ذلك. |
شوقي: لقد رأيت تلك الكلاب الصغيرة في الليلة الماضية.. إنها من سلالة أصيلة وتصلح للتربية في المنزل. |
رفيق: إنها لازمة لنا، فمثل هذا الحي الهادئ الذي نقيم فيه يكون عادة عرضة لسطو اللصوص. |
ليلى: أتظن حقاً أن أحداً قد يسطو علينا؟ |
رفيق: لقد سطوا على المنزل 24 منذ ليال. |
شوقي: ما الذي أرادوا سرقته؟ |
ليلى: رقم 24؟ إنهم الساكنون الجدد، يا للفضيحة!! |
رفيق: كان اللصوص وراء هدايا الزواج. |
ليلى: ذكرت لي مدام نادية أن السكان الجدد يمتلكون تحفاً وصحافاً من الفضة الحقيقية. |
رفيق: ثقي أن اللصوص يعرفون ذلك، فهم لا يغامرون بارتكاب جرائمهم من أجل بعض الأجهزة الكهربائية... وهكذا فإن أحداً لن يسطو علينا. |
ليلى: رفيق، أنسيت أناء الحلوى والصينية اللذين نملكهما..؟ |
شوقي: وأين الكلب؟ |
ليلى: لا يوجد في الجيرة سوى كلب واحد. |
رفيق: إنهم لا يقتنون كلاباً للحراسة في مثل هذا الحي، بل يقتنونها فقط للمشاجرات. ونحن كقوم محترمين لا دخل لنا في المشاجرات. |
ليلى: أعتقد أنه تصرف دنيء جداً من اللصوص لو أنهم أقدموا على سرقة أناس مثلنا. |
رفيق: (وهو ينفجر ضاحكاً) تريدين أن تقولي إن عليهم إذا أرادوا السرقة أن يذهبوا إلى حي ثري مثل حي..؟ |
ليلى: طبعاً إن السرقة جريمة خاطئة على العموم، ولكنها إذا ارتكبت في مثل ذلك الحي، فإنها تكون أقل ضرراً (تكف عن الحديث وقد بدا عليها بعض الارتباك). |
شوقي: طبعاً.. هذا حق. |
رفيق: (وهو مستند في استرخاء إلى مقعده) أأنت راحل يوم السبت؟. |
شوقي: كلا... الواقع أنني.. |
ليلى: إن ماجدة قادمة بعد ظهر اليوم هل ندعو أسرة (..) للعب الورق الليلة..؟ |
رفيق: فليكن.. ولكن لا تجعليهم يحضرون مبكراً.. |
(ينظر خلال الباب الزجاجي إلى الحديقة) علي الآن أن أقوم لأوالي البسلة. |
شوقي: أهي بسلة زهور، أم بسلة خضراء للأكل؟ |
رفيق: بسلة خضراء! أمثل هذه الرقعة الصغيرة؟ لشد ما كنت أود ذلك أيها الصديق العزيز.. |
ليلى: (وهي تحاول تقديم مزيداً من الطعام لشوقي) إليك دفعة أخرى؟ |
شوقي: كلا.. شكراً. |
رفيق: (مستطرداً حديثه عن الحديقة) أضف إلى ذلك التربة... إنها تربة رديئة... علاوة على العصافير. |
ليلى: إن بعض العصافير أليف جداً يا عزيزي ولا يبدو عليها أنها تبالي أبداً بقطة جيراننا. |
رفيق: (في مرارة) إنها لا تبالي بشيء على الإطلاق وأنت التي عوّدتها على ذلك (مخاطباً شوقي) إنها تقدم لها طوال الشتاء الخبز المنقوع في الماء.. ثم تنتظر مني بعد ذلك أن أنجح في زراعة الحديقة... يا إلهي! |
(ليلى تجمع الصحون، ويخرج شوقي، ويتجه رفيق بعد أن يشعل غليونه نحو الباب المؤدي للحديقة ويظل مرتكزاً عليه وهو يدخل). |
ليلى: إن الطفل الذي في المنزل المقابل لنا لطيف جداً يا رفيق. |
رفيق: حقاً؟ |
ليلى: لقد خرجت الخادمة به هذا الصباح، وناديتها هنا. |
رفيق: ولد أم بنت؟ (يبدو عليه أنه يتحدث دون اهتمام، وهو يتفحص الحديقة بنظره). |
ليلى: ولد، وسوف يسمونه لطفي أمين رفاعي، وهو اسم طويل بعض الشيء... أليس كذلك؟ |
رفيق: وما سبب إطلاق كل هذا الاسم عليه؟ |
ليلى: الاسم الأول هو اسم والد الزوجة، والثاني اسم والد الزوج.. أما رفاعي فهو اسم العائلة. |
رفيق: وما الداعي إلى إطلاق الاسمين عليه، كان الأجدر أن يحتفظا بأحدهما للطفل الثاني. |
ليلى: تقصد رفيق! |
رفيق: إنها غباوة منهما... ومع ذلك فهذا أمر لا يخص أحداً غيرهما. |
ليلى: قد يكون المولود الثاني بنتاً. |
رفيق: وماذا في ذلك؟ سيأتي بعدها أطفال آخرون. |
ليلى: رفيق! |
رفيق: وماذا يمنع يا فتاتي العزيزة..؟ |
ليلى: لا أحب منك أن تتحدث بهذه الطريقة. |
رفيق: أنا.. (يكف فجأة عن الكلام، وينظر نحوها.. ويتقرب منها، ويمسك بوجهها بين يديه) أيتها الحمقاء.... (يقبِّلها). |
(تخرج ليلى حاملة صينية فوقها الأطباق وهي تغني، ويشمر رفيق أكمامه ويخرج إلى الحديقة). |
(يدخل شوقي، وهو يتلفت حوله، ويقترب رفيق من الباب الزجاجي ومعه معول). |
رفيق: ما الأمر؟ |
شوقي: لدي أنباء لك. |
رفيق: أهناك ما يضايقك؟ |
شوقي: كلا.. كلا.. الواقع أنني قد عزمت على أن أشدّ رحالي.. |
رفيق: (في دهشة) تشد رحالك! إلى أين؟ |
شوقي: لقد ضقت بكل شيء.. ولم أعد أحتمل. |
رفيق: (محاولاً أن يفهم) هل تعني أنك قد تركت عملك في الشركة؟ |
شوقي: أجل.. لقد عزمت على مغادرة البلد وهكذا ترى أنني سأغادر مسكنكم. |
رفيق: تغادر البلد؟ أوجدت عملاً في الخارج. |
شوقي: أبداً.. لا شيء. |
رفيق: لماذا ستسافر إذن؟ |
شوقي: لأنني ضقت ذرعاً بالبقاء في هذه البلد. |
رفيق: إنني لا أقلّ عنك سأماً.. وكثيرون غيرنا ينتابهم هذا الإحساس. أتعني أن السبب الوحيد لمغادرتك البلاد، هو رغبتك في التغيير؟ |
شوقي: شيء من هذا القبيل، لقد أصابني من الضجر ما فيه الكفاية. |
رفيق: حسناً.. وقد يصيبك الضجر حيث تذهب. |
شوقي: إن الانتقال من ضجر إلى ضجر فيه نوع من التغيير.. |
رفيق: كندا؟ |
شوقي: كلا، أستراليا. |
رفيق: (مبدياً دهشة) يا لها من رحلة طويلة... أليس هناك أصدقاء؟ |
شوقي: كلا. |
رفيق: أليست هذه مغامرة منك؟ |
شوقي: طبعاً مغامرة. ولماذا لا أغامر بعض الشيء بدلاً من الاستسلام لهذا العمل المضجر الذي أؤديه يومياً منذ أعوام؟ ملل وسأم.. ملل وسأم.. ثم لا شيء في النهاية.. لعلك فهمتني؟ وهب أنني بقيت سوف يمنحونني علاوة بعد أخرى كل عام.. حتى يصبح مرتبي في نظرهم كافياً.. والمفروض بعد ذلك كما هي العادة، أن أتزوج، لأقيم في منزل بسيط.. وأعيش حياة.. على قد الحال. |
رفيق: (متلفتاً حوله) مثلي (يسمع صوت ليلى وهي تغني في المطبخ). |
شوقي: عفواً أيها الصديق.. لا أقصد إساءتك، إنها حياة تروق للبعض.. وهي تروقك، وقد تكون متعلقاً بها بعد أن ألفتها، أما أنا، فأريد أن أغامر بعض الشيء وأرى الدنيا قبل أن أستقر. |
(يلتزم رفيق السكون، وينطفئ غليونه، ويظل محدقاً ببصره نحو الأرض) هذا ما دعاني إلى تلك المخاطرة، إن لديَّ بطبيعة الحال مبلغاً بسيطاً، ولن أهلك جوعاً منذ الوهلة الأولى على أية حال (لا يبدي رفيق على ذلك أية ملاحظات ويستمر شوقي في حديثه معتذراً) أشعر ببعض الذنب لأنني لم أكاشفك إلا الآن.. والحقيقة أن الأمر قد حدث بسرعة، وسأرحل يوم الاثنين. |
رفيق: (رافعاً رأسه وناظراً في دهشة إلى شوقي) يوم الاثنين! إنه بعد غد. |
شوقي: أجل، أعرف... والذي حدث هو أنني سمعت أن رجلاً.. رجلاً أعرفه سوف يسافر يوم الاثنين، فراودتني الفكرة على الفور، وقلت في نفسي ((لماذا لا أرحل معه))؟ وقابلته يوم الجمعة الماضي، ولما أفض إليكما بشيء.. حتى أقابل مدير الشركة، وقد انتهى الآن كل شيء... وإني آسف لإخفاء الأمر عنكما على هذا الوجه.. |
رفيق: كلا.. أبداً، ليس في الأمر شيء. ولكن الأمر غريب غريب جداً. وماذا قال لك عزت؟ |
شوقي: ربت على ظهري قائلاً إنهم يرحبون ببقائي لديهم أي وقت أريد... وإلى ما شاء الله! وكان هذا في الحقيقة كرماً منه، ثم أردف قائلاً أنه يود لو استطاع أن يفعل مثلي، وينأى عن الشركة! وأبدى رغبته في أن أكتب إليه. (فترة سكون) أقول، أو أن تخبر مدام ليلى؟ |
رفيق: إنها في المطبخ (ينادي عليها) ليلى! ليلى! |
ليلى: (من الخارج) نعم يا عزيزي. |
رفيق: تعالي! ثمة أنباء. |
(تدخل ليلى وهي تجفف يديها في مئزرها وتبتسم). |
ليلى: ماذا؟ |
رفيق: (مشيراً بغليونه نحو شوقي) ماذا تظنينه سوف يفعل؟ |
ليلى: (وهي تفحص وقالت باهتمام) يفعل..! |
شوقي: (في ارتباك) سوف أغادركم يا مدام ليلى. |
ليلى: تغادرنا! (يشرق وجهها فجأة) أنت إذن ستتزوج!؟ |
شوقي: يا إلهي، كلا! ليس الأمر كذلك. |
رفيق: وماذا جعلك تظنين ذلك؟ |
ليلى: وأي شيء آخر يستطيع أن يفعله؟ |
شوقي: سوف أرحل عن البلد. |
رفيق: سيرحل سعياً وراء الثروة... يا له من رجل محظوظ. |
ليلى: هل وجدت منصباً ممتازاً في الخارج يا أستاذ شوقي؟ |
شوقي: كلا.. لم أجد، سأرحل معتمداً على الحظ. |
ليلى: وما الذي يدفعك إلى ذلك؟ ألا تعجبك الشركة؟ |
شوقي: أبداً، كانوا كرماء معي.. ولكنني سئمت الجلوس إلى المكتب.. سأرحل لأمارس الزراعة. |
ليلى: ضارباً صفحاً عن وظيفة جيدة كوظيفتك؟ |
شوقي: إنني معك في أنها وظيفة جيدة. |
ليلى: بل إنها ذات مستقبل أيضاً.. إنك على وشك أن تصبح رئيس قسم.. هذا أمر يدعو إلى الأسى. |
شوقي: قد يكون في تصرفي بعض الحماقة.. أعرف ذلك. |
ليلى: من الطبيعي أن تشعر أحياناً ببعض الملل، ولكن ليس معنى ذلك أن تترك وظيفتك هكذا كلية وأرجو ألا تندم على ما فعلته فيما بعد. إن رفيق يتولاه الضجر أحياناً من وظيفته.. أليس كذلك يا عزيزي. |
رفيق: (من عند باب الحديقة) قليل من الضجر.. ما بين حين وآخر. |
ليلى: كل إنسان ينتابه هذا الإحساس أحياناً على ما أعتقد. (مخاطبة شوقي) سيكون أمراً جميلاً جداً أن ترى أماكن أخرى من العالم، ولكن في استطاعتك أن تقوم برحلات خلال إجازتك وأنت محتفظ بوظيفتك. |
شوقي: لا أظنك قد فهمت ما أرمي إليه تماماً. أنا لا أرحل لأنني أود أن أشاهد أماكن أخرى، ولكنني، مع تسليمي بأن مشاهدة أماكن أخرى متعة لا شك فيها.. راحل من أجل التغيير.. تغيير عملي. |
ليلى: (وفي صوتها نغمة من العطف) إن العمل الرتيب مضن، ولا شك، ومما يدعو إلى السأم أن يظل الإنسان يكرر ما يفعله يوماً بعد يوم.. ولكن ساعات العمل ليست طويلة على ما أعتقد.. أليس كذلك؟ |
رفيق: (ساخراً) من التاسعة صباحاً حتى السادسة فقط! يتخللها ساعة للغداء وتناول الشاي.. فلتحص نعم الله عليك يا سامي (يقصد سامي إذ إن اسم شوقي الكامل هو سامي شوقي). |
ليلى: (تؤنب رفيق وهي غاضبة) أنت تعلم يا رفيق أننا كثيراً ما تحدثنا عن ساعات العمل، ولقد أكدت لي مراراً أنها ملائمة. |
رفيق: ومن قال غير ذلك؟ |
ليلى: (مخاطبة شوقي) ثم إن لديك الليل بأكمله بعد السادسة، كما أن الشركة تعطي إجازة لموظفيها صباح السبت.. أليس كذلك؟ |
شوقي: نعم.. كل ذلك صحيح، ولكني ضقت مع ذلك ذرعاً.. ويستطيع أي شخص أن يأخذ وظيفتي. |
ليلى: آمل مرة أخرى ألا تأسف مستقبلاً.. فسيكون الأمر مزعجاً حقاً إذا لم توفق بعد تركك لوظيفة ممتازة كوظيفتك.. ونحن لا شك نشعر بالأسف العميق لأنك ستغادرنا يا أستاذ شوقي، فلقد كنت دائماً كريم الخلق. |
شوقي: (مقاطعاً إياها في ارتباك شديد) أوه! أرجوك.. لا داعي لهذا.. |
ليلى: (مستمرة) وكانت علاقتنا معاً طيبة جداً.. وأنا واثقة من أنه سيصبح من العسير علينا أن نوفق إلى إنسان آخر في مثل صفاتك وأخلاقك.. ولكنك سوف لا تنسانا.. ولو حدث واستطعت موافاتنا بعنوانك فلسوف نستطيع أن نتراسل بين الحين والآخر. |
(جرس الباب يدق) |
رفيق: من هذا بحق السماء! (يدخل إلى الحديقة). |
ليلى: إنها ماجدة على ما أعتقد (تخرج لتفتح الباب). |
(يخطو شوقي نحو باب الحديقة ولكنه يجد نفسه قبل أن يدخلها وجهاً لوجه أمام ماجدة وليلى. ماجدة فتاة ممشوقة الطول، رشيقة، حسنة الوجه دون جمال فاضح). |
ماجدة: (وهي تصافح شوقي) كيف حالك؟ |
ليلى: ما رأيك يا ماجدة، إن أستاذ شوقي سيغادرنا، خمني لماذا!! |
ماجدة: ليتزوج. |
رفيق: (من عند باب الحديقة) يا للسماوات، مرة أخرى ((ليتزوج)). |
ماجدة: هاللو رفيق! أأنت هنا؟ |
ليلى: أستاذ شوقي سيسافر إلى الخارج. |
ماجدة: يا له من محظوظ. |
ليلى: محظوظ، ولكن ليس له عمل هناك! |
ماجدة: (مخاطبة شوقي) هل ستهاجر؟ |
شوقي: نعم، سأرحل إلى أستراليا لأجرّب حظي. |
رفيق: أليست هذه حماقة منه؟ |
ماجدة: أوتظن ذلك؟ |
رفيق: وماذا أظن، إن كان سيترك وظيفة جميلة ومريحة لدى الشركة، ويندفع هكذا نحو مكان مليء بالمستعمرات يزخر بالعمال وفيه بطالة. |
ماجدة: (مخاطبة شوقي) أستذهب حقاً معتمداً على حظك؟ |
شوقي: نعم. |
ماجدة: ما أجمل هذا. |
ليلى: ولكن.. يا ماجدة، فكري في المخاطرة. |
ماجدة: لا يهم.. فهو رجل. |
ليلى: لو أنه كان عاطلاً، لاختلف الأمر. |
ماجدة: على العكس، فذلك يفقد المغامرة رونقها، إنني معجبة بشجاعته. |
ليلى: إنه لا يعول أحداً على كل حال، وهو وحده الذي سوف يعاني. |
ماجدة: إنني أراك غير مشجعة يا ليلى.. لقد سمعت عن رجل متزوج قام بنفس المغامرة. |
رفيق: (متلهفاً) من هو هذا الرجل؟ |
ليلى: رجل أحمق. |
ماجدة: ولكنه لم يكن يجد عملاً. |
ليلى: إن الأمر هنا يختلف، ومع ذلك فحتى إذا.. |
ماجدة: لقد ذهبت زوجته وأقامت مع أسرتها. ورحل هو إلى المستعمرات حيث أعد لها بيتاً. |
ليلى: (في شك) وكيف استطاع أن يفعل ذلك؟ |
ماجدة: لا أعرف.. إنك غير مقيد بأحد يا أستاذ شوقي. وأنت حر نفسك.. أليس كذلك؟ ترى ما هو إحساسك حيال ذلك..؟ |
شوقي: إن الفكرة لم تراودني إلا أخيراً جداً، وما إن طرأت على ذهني حتى قررت الرحيل. |
(رفيق الذي ظل ينصت إلى ما يجري من حديث، يتحول الآن ببطء، مبتعداً عنهم). |
ماجدة: أنت سعيد الحظ لاكتشافك الفكرة في الوقت الملائم. |
شوقي: في الوقت الملائم..؟ |
ماجدة: قبل أن يتقدم بك العمر ولا تستطيع أن تفعل شيئاً. |
(فترة سكون) |
رفيق: (متحدثاً إلى أحدهم في الطريق وهو واقف في الباب المؤدي للحديقة) تسلّق السور، ثم ضع قدمك على غطاء صندوق القمامة وتأكد وأنت تفعل ذلك أن الغطاء، محكم الغلق). |
شوقي: (مخاطباً ماجدة وليلى) إنه شفيق سأترككم (يخرج). |
(شفيق يدخل من باب الحديقة، وهو رجل ضخم، أشقر، حليق الوجه، كسول، ولكنه طيب القلب، ويتبعه رفيق). |
شفيق: لقد كدت أهشم زوجك يا مدام ليلى وأنا أقفز من سور الحديقة، ودست فوق بعض النباتات فقتلتها تماماً. |
رفيق: إذا لم تقتلها أنت فسوف تقتلها العصافير، وإذا لم تقتلها العصافير، قتلتها الحشرات والديدان.. أو تظن أن شيئاً ما يمكن أن ينمو في هذه الحديقة؟ |
شفيق: لماذا؟ إنها حديقة صغيرة رائعة.. كيف حال الجزر..؟ |
رفيق: جزر! أي جزر؟ لم يبق سوى أن تقول كيف حال الخوخ أيضاً! هيا.. هيا يا أستاذ شفيق. إن الأوراق في الحجرة المجاورة (رفيق يزيح الستار وينفذان إلى الحجرة الأمامية). |
ليلى: أخشى أن يكون رفيق مرهقاً، فهو اليوم متوتر الأعصاب. |
ماجدة: وأنا أيضاً متوترة الأعصاب منذ عدت من عملي إلى المنزل (ترفع ذراعيها وهي تبتسم في وجه ليلى) سأظل شهراً أو شهرين لأذهب إلى المتجر يا ليلى. |
ليلى: (في انفعال) هل أزمعت الزواج من الأستاذ فريد؟ |
ماجدة: (تومئ برأسها). |
ليلى: أوه ما أجمل ذلك وما أجدرك بالزواج! إنني سعيدة جداً يا عزيزتي.. وماذا قالت أمنا. |
ماجدة: تكاد تطير فرحاً. |
ليلى: كل شخص سيطير فرحاً.. بالطبع يا عزيزتي. لا شك أنك متيمة به. |
ماجدة: كلا.. لست متيمة به.. تماماً. |
ليلى: (في دهشة) ماجي. |
ماجدة: (وهي تروح وتغدو في عصبية) والآن.. ها قد تحوَّل الموقف ليصبح مضحكاً، لم أقصد ما قلت، لقد خرجت الكلمات مني عفواً (فترة سكون) ما أغرب ذلك! (فترة سكون أخرى) حسناً.. إنها الحقيقة على كل حال أو لعلها نصف الحقيقة على الأقل.. إنه لطيف.. (في ضجر وحده) ماذا دعاك إلى إثارة هذا الموضوع يا ليلى؟ |
ليلى: (في هدوء ورقّة، وهي تأخذ قبعة أختها ومعطفها) إنك مرهقة بعض الشيء يا عزيزتي.. وسنتناول الآن قدحاً من الشاي.. هل حصلت على خاتم الزواج؟ (ترفع ماجدة يدها اليسرى) ما أروعه! إنه من الياقوت الأزرق لا بد أنه ثري يا ماجي. |
(فترة سكون) |
ماجدة: كنت أود لو أنني ملمّة جيداً بالأعمال المنزلية يا ليلى. |
ليلى: سرعان ما سوف تلمّين بكل شيء يا عزيزتي.. ومع ذلك فإن مدبرة منزله السابقة لم تكن ماهرة تماماً. |
ماجدة: ليس هذا ما أعنيه ولست أفكر فيه. |
ليلى: ولكنك تحدثت عن أعمال المنزل، يا عزيزتي. |
ماجدة: لو كنت أجيد الطهو، لتركت المتجر منذ وقت. |
ليلى: ولكنك ستتركينه بعد أن تتزوجي. |
ماجدة: لو كنت أجيد أعمال المنزل الأخرى.. ولكنني لا أصلح لمساعدة إحدى ربات المنازل إلا إذا كنت أعرف كيف أغسل الملابس. |
ليلى: لست أفهم ما تقصدين يا ماجي.. إنك لن تطالبي بغسيل أية ملابس. والأستاذ فريد كما نعرف جميعاً رجل ثري، ولسوف يرسل بالملابس جميعاً لتغسل خارج المنزل (تتنهد حسداً) ما أجمل أن يستطيع المرء أن يغسل ملابس الأسرة خارج المنزل. |
ماجدة: (فجأة) سمعت منذ أيام أن فتاة اسمها سعاد جمال.. إنك تعرفينها.. سمعت أنها رحلت إلى كندا. |
ليلى: كندا!! لم نكن نتحدث عن كندا، وما صلة ذلك بأمر زواجك؟ |
ماجدة: إنني حسدتها.. لقد كنا زميلتين في المتجر. |
ليلى: (في صبر نافد) أجل أعلم أنكما كنتما زميلتين.. حسناً.. قد ضمنت لنفسك مستقبلاً أفضل من مستقبلها بكثير يا ماجي، إن كانت قد سافرت إلى كندا.. إنها لن تعمل هناك سوى مجرد خادمة في منزل، وماذا عساها تستطيع أن تعمل غير ذلك؟ وستتزوج في نهاية المطاف أحد الفلاحين وتظل بعد ذلك تشقى طوال حياتها وتكدح، لقد سمعت عما يصيب النساء اللاتي يذهبن إلى هناك، وكم كنت أود لو أنها لم تغادر البلد... بينما.. ها أنت على وشك أن تتزوجي من رجل ثري يعبدك عبادة، ولسوف تعيشين في ترف ورغد.. وتكون لك خادمتك الخاصة.. الحقيقة يا ماجي.. |
ماجدة: (تنفرج أساريرها قليلاً، وتبتسم) إنها فعلاً حياة فاخرة.. (كمن تعود إلى نفسها) حسناً.. ربما أكون قد تأثرت بما سوف يقدم عليه أستاذ شوقي.. ما كان يجدر به أن يسمح لتلك الأفكار الجنونية أن تستولي على عقله. |
ليلى: إنه مجنون حقاً.. وإلا لما ألقى في البحر بوظيفة ممتازة مثل وظيفته، وأقول لك يا عزيزتي ببساطة إنه.. رجل غبي. |
رفيق: (وهو يزيح الستار متقدماً ومعه شفيق) لا حاجة بك إلى الانصراف سريعاً هكذا. |
شفيق: كلا.. سأنصرف.. إن زوجتي غائبة هذه الأيام، وقد تركتني وحيداً، وسأبقى حتى تعود، أرملاً مسكيناً ونسياً منسياً!!! |
ليلى: (ضاحكة) أوه! أيها المسكين أستاذ شفيق. |
شفيق: لقد فكرت في أسعد ما يمكن أن يحدث لرجل أيتها الآنسة ماجدة. |
ليلى: كلا.. ليس الزواج هو سبب مغادرته لنا.. إنه سيسافر إلى الخارج. |
شفيق: هل نزلت عليه ثروة من السماء؟ |
ماجدة: كلا.. سيذهب ليجرّب حظه.. سوف يهاجر. |
شفيق: ما أحمقه! لا بد أنهم فصلوه؟ |
ماجدة: كلا.. إنه هو الذي ترك وظيفته. |
شفيق: يترك وظيفة دائمة ذات معاش.. كوظيفته؟ يا إلهي، إنه حمار.. حمار غبي! وهل من المعقول أن ألبي دعوتكم من أجل أن أشرب نخب.. حمار؟ |
ماجدة: تستطيع أن تحضر.. وتنشد لحناً جنائزياً إذن! |
شفيق: في الغالب ما سوف أفعله.. ولكن دعونا نتحدث جدياً.. أحقيقة قد ترك وظيفته وأزمع الهجرة؟ لا شك أنه قد عثر على عمل له هناك؟ |
رفيق: أبداً.. كل ما في الأمر أن معه مبلغاً بسيطاً قد أدخره، فهو رجل مستقيم ومقتصد. |
شفيق: هو إذن على وشك أن يلقي بهذا المبلغ في الهواء.. ولا شك عندي في أنه لن يجد عملاً هناك، خصوصاً وأننا ما برحنا نسمع عن البطالة في المستعمرات! إن مثله مثل من يصعد سلماً خشبياً بنجاح، ثم لا يلبث بعد أن اقترب من القمة أن يترك السلم ويركله بقدمه عامداً متعمداً. |
رفيق: لست أوافقك على ما تقول.. إنني أعتقد أنه سعيد الحظ لأنه يستطيع أن يفعل ما يحلو له، كما أنه على شيء من الشجاعة. |
ليلى: ما هذا يا عزيزي؟ لقد ذكرت قبل الآن أن تصرفه يتسم بالحماقة. |
شفيق: (مخاطباً ليلى وهو يضحك) احذري يا مدام ليلى ولاحظي زوجك جيداً.. حتى لا يفر هارباً (مخاطباً رفيق) والآن.. إلى اللقاء يا صديقي، سأعود إليكم الليلة، وما عليك إلا أن تذكرني بطرقة أو طرقتين على الجدار، فأقفز إليكم من فوق السور وستندم فيما بعد على نباتات الفول التي أدوسها بقدمي كلما قفزت (يخرج من باب الحديقة) (فترة سكون يتبعها صوت شيء يتحطم). |
شفيق: (صوت) (آتياً من بعيد) لقد هشمت صندوقاً مليئاً بثمار الطماطم! (ليلى وماجدة تضحكان وتخرجان إلى الحجرة الأمامية) (يتجه رفيق إلى المدفأة، ويظل واقفاً وهو يتأمل شارداً في النار). |
(يدخل شوقي) |
شوقي: أنا ذاهب الآن إلى محلات.. ألا تريد شيئاً؟ لا شك أن شفيق لديه شيء كان يقوله عني؟ |
رفيق: لا شيء.. هو فقط لا ينوي أن يرحل معك (شوقي يضحك) لا يبدو عليك أنك تعرف كل شيء عن خطتك.. ولكن أظنك قد قررت أية مدينة سوف تقصد.. أهي سيدني؟ |
شوقي: كلا.. برسبين (يسحب خريطة من جيبه) الرجل الذي أعرفه ينوي تربية الماشية، انظرا (يفرد الخريطة فوق المائدة وينحني كلاهما فوقها وغليون رفيق المطفأ لا يزال في يده) سنتوجّه أولاً إلى برسبين، ثم نأخذ هذا الطريق (يشير إلى الخريطة بإصبعه ونعبر كوينزلاند، ثم نستمر في طريقنا إلى مارونوا حيث نقصد إلى قرية صغيرة اسمها يتراموا.. ومع ذلك فإنني لا أضمن شيئاً.. وقد لا أحصل على عمل. |
رفيق: (وهو منهمك تماماً ويكاد يكون راقداً لفرط اهتمامه فوق الخريطة) أنت لا تهدف إذن إلى زراعة الفاكهة، إن زراعة الفاكهة هي أقرب إلى ميولي ومعلوماتي من تربية الماشية. |
شوقي: كلا.. لا أفكر في الفاكهة.. إن كان ذلك هو ما يستهويك، فانظر هنا إلى هذه المنطقة.. إنها بقعة طيبة وملائمة لذلك. ولقد سمعت أن رجلاً قد مارس زراعة الفاكهة بها ونجح، والوصول إليها يكون عن طريق الإبحار إلى سيدني أولاً.. إنها منطقة تزخر بالكروم وكل أنواع الفاكهة الأخرى التي تشدك زراعتها.. |
رفيق: أجل، أو قد يسلك المرء هذا الطريق (مشيراً إلى مكان في الخريطة بطرف غليونه). |
(يسمع صوت ليلى وهي تنادي قائلة ((رفيق)) فيعتدل شوقي واقفاً). |
ليلى: (تدخل ضاحكة) رفيق ماذا تفعلان؟ |
(يقفز رفيق منتصباً ويطوي شوقي الخريطة) هل تفحصان الخطة. |
شوقي: سأنصرف (يخرج). |
ليلى: هل انتهيت من أعمال الحديقة يا عزيزي؟ |
رفيق: (وهو يرتدي سترته) لا أشعر بميل للعمل بها. |
ليلى: (وهي تقدّم إليه إحدى الصحف) انظر هنا يا عزيزي، إن ما جاء بها قد يلائمنا. |
رفيق: ماذا جاء بها؟ |
ليلى: إعلان.. (تقرأ) ((شاب يبحث عن إقامة كاملة مع أسرة في مكان هادئ قريب من المدينة. ويفضل الضواحي الغربية)) ينبغي أن أرد على هذا الإعلان. |
رفيق: انتظري أولاً رحيل شوقي. |
ليلى: إن رحيله مؤكد يا عزيزي. وليس في الرد على الإعلان ضرر ما. علاوة على أنها فرصة طيبة قد لا تصادفنا مثلها فيما بعد. ونستطيع أن نطلب من الأستاذ شوقي شهادة يثبت فيها، كالتبغ، مزايا المسكن الذي سيغادره نطلع عليها المستأجر الجديد. |
رفيق: (في حدة) كلا.. لا تفعلي، إن في استطاعتنا ولا شك أن نعيش بمفردنا أسبوعاً أو نحوه. |
ليلى: نعم في استطاعتنا طبعاً، ولكنني ظننت فقط أن هذا الإعلان فرصة لا ينبغي أن تفوتنا.. إنك على ما يبدو لا تود رحيل شوقي يا عزيزي؟ إن صحبته تروقك وتسليك. |
رفيق: إنه شخص لطيف.. ولكن ليس معنى ذلك أن تفرضي علي مستأجراً آخر بحجة تسليتي. |
ليلى: (ضاحكة) ما هذا الذي تقول؟ طبعاً لا. |
رفيق: (يتقدم نحوها ويمسك بوجهها ناظراً في عينيها) أقول يا ليلى.. ألا تشعرين بالضجر؟ |
ليلى: كلا.. لا أكاد أشعر بأي ضجر.. فأمامي دائماً ما أفعله.. يا له من سؤال. |
رفيق: ألا ينتابك الملل.. وتضيقين أحياناً بالحياة هنا؟ إنك تقومين معظم الوقت بأعمال شاقة (يتناول يديها ويتأمل فيهما. يربت عليهما لاشعورياً) يا إلهي! لقد أصبحتا خشنتين (يبعد يديها عنه في رفق). |
ليلى: إنه الغسيل يا عزيزي.. الذي يسبب ذلك. |
رفيق: (يتناول يديها مرة أخرى ويقبِّلهما) لم تكونا خشنتين عندما تزوجنا. |
ليلى: (وهي تشيح عنه في شيء من الخجل) طبعاً، أيها الولد الأحمق، لم تكونا كذلك، فلم أكن أمارس الغسيل في بيت أبي. ما رأيك يا عزيزي؟ إن ماجدة ستتزوج. |
رفيق: (دون اهتمام) من فريد؟ |
ليلى: نعم.. أليست محظوظة؟ إنه ثري جداً. |
رفيق: إذن فلن تقوم بالغسيل.. هه! لن يأتي يوم أصبح فيه ثرياً. |
ليلى: ولكنك ستصبح رئيس قسم.. ذات يوم. |
رفيق: .. ذات يوم. |
ليلى: وعند ذلك ستصبح لدينا خادمة. |
رفيق: قد لا أصير رئيس قسم أبداً. |
ليلى: أوه! كلا سوف تصير. |
رفيق: لا أشعر بسرور شديد عندما تخالجني الفكرة.. فما رئيس القسم إلا شرطياً يراقب أعمال الموظفين.. حبذا لو بقيت كما أنا. |
ليلى: ولكن.. مركزه أعلى.. ولا تنسَ المرتب أنه أيضاً أعلى بكثير (رفيق يومئ برأسه في اكتئاب) أين طموحك أيها العزيز...؟ |
رفيق: (وهو يتجه نحو باب الحديقة) إن طموحي على ما يرام.. لا تخافي.. فلن أفقده. إن الرجل الذي بنى المساكن على جانبي الطريق (يشير إلى الخارج خلال باب الحديقة) يستحق الشنق. |
ليلى: إنها ليست جميلة.. لقد ذكرت لي نادية هذا الصباح أنهم سيرفعون إيجار مسكننا والمساكن المجاورة ارتفاعاً بسيطاً. |
رفيق: (ملتفتاً نحوها في انزعاج) ماذا؟ إنهم يلجأون إلى ذلك بسبب ما فعلته الحكومة من تخفيض الأجور.. هذا ما كنت أتوقعه. |
ليلى: لقد خطر لي هذا الصباح يا عزيزي، أننا ربما استطعنا أن نحظى بمستأجرين، بدلاً من مستأجر واحد لنتمكن من تحسين أحوالنا المالية بعض الشيء.. وتلك الحجرة الصغيرة الخلفية التي تقع فوق حجرة الغسيل يمكن تنسيقها وتزويدها بسرير للنوم. |
رفيق: ولكنني احتفظ فيها بأدواتي وأشيائي. |
ليلى: نعم يا عزيزي.. أعرف.. في استطاعتنا الاحتفاظ بأشيائك في مخزن الفحم، فإن فيه براحاً كافياً. |
رفيق: لا أريد الاحتفاظ بأشيائي في مخزن الفحم.. وهل من الضروري أن يكون لدينا مستأجران؟ |
ليلى: سيرفع ذلك من دخلنا. |
رفيق: ولكن ملء المنزل بطائفة من الغرباء أمر بغيض... ولا أخاله يروقك.. هل يروقك؟ |
ليلى: كلا يا عزيزي.. طبعاً لا. |
رفيق: ولكن.. لا يبدو عليك أنك متضايقة من ذلك. |
ليلى: إن الضيق لن يجدي شيئاً يا عزيزي.. وإذا كانت الضرورة تدعونا إلى تأجير مكان أو أكثر في منزلنا، فلنفعل ذلك بسرور ورضاء. |
رفيق: سرور ورضاء؟ (في شراسة) كان الأجدر بك أن تشعري بالغيظ والكدر. |
ليلى: (محاولة أن تحتفظ بصبرها) أنا لا أحب طبعاً هذا يا عزيزي، وكنت أفضل كثيراً لو كنا بمفردنا، وأن نحتفظ ببيتنا كله لنفسينا.. ومع هذا فالمستأجرون، لا يسببون في الحقيقة إزعاجاً كبيراً فهم طوال اليوم خارج المنزل، ويعودون ليلاً في وقت متأخر، وكل ما في الأمر أنهم يتناولون وجباتهم معنا. |
رفيق: ومن ذا الذي يريدهم أن يتناولوا وجباتهم معه؟ إن كان ذلك يروقك... فهو لا يروقني. |
ليلى: (في تأثر) أنت شديد القسوة... لأنني لم أقل لك مرة واحدة إنني أريدهم... وكل ما في الأمر أنني أسعى جاهدة لتيسير معيشتنا، وكان الأخلق بك مساعدتي. (تشيح عنه). |
رفيق: (يبادر إليها ويربت على يدها) ستهدأ أعصابي فيما بعد... ولكنني ما زلت أقول إنه أمر لا أستطيع هضمه. وهم يقولون.. ((إن منزل الرجل الإنجليزي هو قلعته)) وهذا كلام يعجبني. يا إلهي إن المكان الوحيد الذي نستطيع أن نخلو فيه إلى بعضنا، هو حجرة النوم.. ويبدو أننا سنفكر ذات يوم أيضاً في تأجيرها يضحك ساخراً. |
ليلى: (وقد صدمت) رفيق، ماذا تقول؟ |
رفيق: ها.. ها يا لها من مزحة، ومع هذا فاطمئني.. واعلمي أنني يوم نؤجر دورة المياه سوف أبادر بالرحيل.. إلى المستعمرات (يتوقف بغتة عن الكلام، كما لو كانت قد خامرته فكرة). |
ليلى: يا لك من صبي أحمق. |
رفيق: افرضي أنني فعلت.. هه؟ |
ليلى: إننا لن نؤجر دورة المياه... وعلى ذلك فلا مجال للفرض. |
رفيق: (يجلس على ركن من أركان المائدة وهو شارد الذهن ويهمس قائلاً لنفسه): ولم لا؟ |
ليلى: أتقول شيئاً يا عزيزي؟ |
رفيق: (مجفلاً) ماذا؟ كلا.. كلا.. لا أقول شيئاً. |
ليلى: (تخرج، وتغلق الباب من خلفها). |
|