شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نظرة في الجمال الإنساني
هذه هي النظرة الثالثة تتمة النظرتين اللتين نشرتا في صحيفة صوت الحجاز بالعدد 28 و 29 من السنة الأولى. أولاهما في الحياة. وثانيهما في الحرية.
الجمال يتمثل في كل ما يقع تحت النظر من صور الكائنات. فللسماء جمالها. وللجبال جمالها. وللغابات والمروج جمالها. وللصحارى والواحات جمالها. وللتماثيل والصور الفنية جمالها. وللحيوانات جمالها. وللأناس جمالهم. وهو في كل منها صورة سامية لذلك الشيء جمعت لمزايا الحسن الذي ينبهر منه العقل، ويجله الفكر، وينقاد له الشعور، ويرمز إلى مثل أعلى من مثل الكمال في الحياة. ونريد أن نتكلم على بعض نواحيه في الجمال الإنساني.
الجمال الإنساني، مظهر من مظاهر الطبيعة الخرساء. الذي لا ينطق إلا بجلاله وهيبته. ولا يفصح إلا بسموه وروعته. تفيض جوانبه بالنور. ويشع هيكله من خمائل السحر، وبوارق الفتنة. يقف المرء بلبه وقلبه تجاهه خاشعاً مستسلماً لإرادته القاهرة وأحكامه القاسية. ولطالما أراد بعض جبابرة الإنسان أن يهزأ به ويشاكسه، فإذا هو كناطح الصخر، تنفد قواه، ويخور عزمه، ويختبل عقله تلقاء نظرة شزراء من عين حوراء، أو ابتسامة غراء من شفة لمياء، أو كلمة عطف ورضاء، من ظبية هيفاء، ولا نبالغ تصويراً أو ننطق هذراً إن قلنا إنه صورة ماثلة من صور القضاء والقدر تزج بنفس الناظر إليها في دائرة قد ترى فيها ما تتطلبه من سعادة وهناءة. وقد لا تجد فيها إلا ما ينفر عنه من بلاء وشقاء. ومثال قائم من مثل القدرة الإلهية تتجلى في الذات البشرية، تبرهن للجاحدين عن قوتها، وترغم النفس العصية على التطامن لها والإذعان لأحكامها، والإقرار بالعجز التام حيالها، وأنه لأظهر آيات الله الكبرى دلالة على إتقان صنعه، وأحكام وضعه، وأجل منحة وهبت منه للخلق تزيل عن نفوس بني آدم صفائح القسوة، وتحطم عنها أسوار الخشونة، وتسبل عليها رداء من الرقة شفافاً وتكسوها بردة من اللطف قشيبة، وتلبسها حلة من الشفقة والحنان ذهبية الطراز، سداها الحب، ولحمتها العاطفة الشريفة!
والجمال الإنساني الكامل، هو الذي إذا وقع عليه النظر لا تمل العين الحكيمة دوام مشاهدتها له، ولا تسأم النفس الشريفة من القيود التي تقيدها به تلك الأشعة المنبعثة من هاتيك العين الدعجاء أو المقلة النجلاء - كما يعبر الشعراء - والأنوار المنبعثة من ذلك المحيا الوضاح، أو الطلعة المتناسقة الوضع، الكاملة الصنع البهية المنظر. الجذابة الشكل.
ولن يتسلط الجمال على النفوس تسلط القهر الأبدي، ويرهقها بمفتول صولته السرمدية، ما لم تجمع ذات صاحبه إلى محاسنها الظاهرية - محاسن خلقها الغريزية، وكرائم خصالها الطبيعية، ولئن يكن من الأناسي ملائكة، فأولئك هم الملاح الأوصاف والصفات، ولئن يكن الجمال جناية على صاحبه، فذلك حيث تخبث سجيته ويحمأ ماء جبلته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :892  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 143
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج