شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشعب الإمبراطور
وتحدث إليّ أحد الأبناء، وقد كان في دولة من دول الأطلسي، قال: ساقتني المصادفة إلى اللقاء برجل من شعب النمسا، فأخذ يتدفق في الحديث تارة في حسرة وأخرى أسمعه شديد الفخر، كانت حسرته على زوال الإمبراطور في النمسا، وكان فخره أن شعب النمسا مازال شعباً إمبراطورياً ولو خلا عرش الإمبراطور واعتلى كرسي السلطة رئيس جمهورية، قال: لقد ظن اليهود بأن شعب النمسا قد ماتت فيه مشاعر الإمبراطورية، فلا بد أن يرضخ لحملة اليهود وتحامل الذين خدّرهم اليهود وأسكرتهم السلطة، فلا ينتخب شعب النمسا زعيمه فالدهايم، وفوجىء اليهود بأن شعب النمسا لا يقعقع له بالشنان ولا يخضع للشنئان. ذلك أن احترام الشعب لنفسه لا يخضع لحملة يخاف عقابيلها مع أنه لو خضع شعب النمسا لكانت العقبة خسرانة قيم المشاعر الإمبراطورية.
فهذه المشاعر هي التي كانت أول من أشعل الحرب العامة الأولى، لأن ولي عهد الإمبراطورية قد اغتالوه، فإذا مشاعر الشعب ثارت وأثارت.
ورغم أن النمسا الأرض في حوزة القرب من الاتحاد السوفيتي، فلم يخضع تراب أرضهم للتقسيم، واشتعلت الحرب العامة الثانية، فإن بدأت بغزو بولندا من هتلر فقد اشتعل وقودها أكثر حين غزا هتلر (السوديت)، فلو لم يكن شعب النمسا إمبراطوريًّا لكان على غير ما سجله التاريخ.
وأنتخب شعب النمسا فالدهايم وخسرت حملة اليهود وتخاذلت حملات أخرى.
وقال له الفتى: لقد افتخرت بالإمبراطورية سياسة وتاريخاً، فمالك نسيت الفخر بموسيقى النمسا وفنه؟ الإمبراطورية قد لا تصنع حضارة. ولكن النمسا الفن والموسيقى والمؤرخ كل ذلك صنع حضارة!؟
قال: كلامك صحيح، لكني بصدد المشاعر الإمبراطورية التي هزمنا بها حملة اليهود، وقال الفتى: في شعب النمسا يهود، فهل هم مثلك إمبراطوريين، أم أنهم غير ذلك ليحمل (أميل ليدفج، واستيفان زيفاريج وكرايسكي) الجنسية المزدوجة، جنسية لليهود لدولة بني إسرائيل وجنسية التراب الذي ولد فيه أو الذي أعطاه قيم هذا التراب.
فقال ذلك النمساوي: هم لم يفعلوا ذلك ونحن لا نتفاعل مع ذلك، لم يفعلوا لأنه لا تمايز بيننا حتى لو أرادوا هذا التمايز كما غيرهم في بلد آخر فإن شعب النمسا لا يقبل ذلك.
من هنا كان لبعض هؤلاء اليهود كالرئيس كرايسكي موقف أغاظ اليهود وشكره العرب، ثم قال: لماذا نحن مع العرب، ذلك هي مشاعرنا الإمبراطورية فالعرب سادوا الدنيا بأباطرة.. بحضارة، بل كان هؤلاء العرب الذين نهضوا إسلامهم قد ساهموا عن طريق الحرب الصليبية وصقلية والأندلس، ساهموا في النهضة الأوروبية التي طغت بالاستعمار وبالحروب القومية، فإذا أوروبا أصبحت اليوم تلملم أطراف هزيمة الإمبراطوريات فيها، وقال الفتى: أليس هؤلاء الأوروبيون من ذوي المشاعر الإمبراطورية؟ قال: إن مشاعرهم هذه أصبحت تتوارى لتمتص قطرات الإرهاق سواء من تحالفها الأطلسي أو خشية تحالفها مع الذين هم أصحاب سلطان على هذا الحلف.
وأطرق الفتى لا يتكلم، فسألته: لماذا أنت ساكت ولمّا يشرق الصباح فأين الكلام المباح؟ فقال وكأنه بدأ ينوح ليبوح: سكت عن الكلام المباح لأفكر كيف يمكنني الكلام عن الواقع المستباح، قلت: تكلم على القرطاس، فالقرطاس إن لم يكن له حواس الناس فإنه الموقظ لفكر بعض الناس، فقال الفتى: أليس العرب في الجاهلية الجهلاء كان منهم الأباطرة عاد وثمود والفراعين وحمير. وذو القرنين وكنعان وهنيبال، فزالت دولهم فكانوا عبرة ومن العبرة موعظة. ثم سطع نور الإسلام فإذا العرب يمسكون بأيديهم الإمبراطوريات الأربع.. إمبراطورية الإسلام.. إمبراطورية العروبة.. إمبراطورية اللغة.. إمبراطورية الأرض، كل هذا أمسكنا به نحن العرب، ولكن أيدينا ضعفت عن الإمساك به، فاتنا بالخلاف أن نحافظ على الإمبراطوريات هذه فحسب بل فاتنا أن نحافظ على مشاعرنا الإمبراطورية، حين انتهت إمبراطورية النمسا مازال شعبها إمبراطورياً وحين انتهينا إلى ضياع ضاعت المشاعر، قلت: مالك نسيت إمبراطورية خامسة؟ قال: ما هي؟ قلت: إنها إمبراطورية الصحراء، كانت هي السلاح الأول في يد القبائل، حجزت (نبوخذ) (وكسرى) و (قيصر) وفتحت الطريق (لأبرهة) ليتم له الهلاك في المكان الذي هلك فيه (وادي محسر) إنه من أرض الحرم أصبح مكاناً عذاباً فالقبائل في الصحراء لم تصبر على ضيم البشر فقاومت عبور البشر إليها، ولكنها صابرت ضيم الدهر إذا لم تمطر السماء، إنهم الصابرون على قضاء الله لكل من اراد العبور إلى أرض الحرم، قال: لم أنس ولكن ماذا ينفع التذكير بكل ما تقدم إذا لم أجد الذين يسمعون بقلوبهم لا الذين يسمعون بآذانهم.
صورة
ربّ يوم بكيتُ منه فلما
صرت في غيره بكيتُ عليه
ما مضى فات والمؤمل غيب
ولك الساعة التي أنت فيها
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى
هوى كاسراً كفى وقوسي وأسهمي
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاد من توهمي
وعاد محبيه بقول عداته
فأصبح في ليل من الشك مظلم
 
طباعة

تعليق

 القراءات :699  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1084 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج