شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تَعَبٌ كُلُّهَا الْحَيَاةُ
وقرأنا دارسين أو معجبين القصيدة الفريدة لأبي العلاء المعري، هي من الغرر في ديوان اللغة الشاعرة، كما أن أبا العلاء غرة في جبهة الشعر فالقصيدة هي ومطلعها:
غير مُجدِ في ملّتي واعتقادي
نَوْحُ باك ولا ترنّمُ شادِ
ومنها هذا البيت:
تعبٌ كلها الحياةُ فما أعـ
جبُ إلا من راغب في ازدياد
ففي أيام الشباب وحتى إذا اكتهلنا نعجب بهذا البيت. ولكننا نطلب المزيد من الحياة.. لا نستعجل الموت ولا نكاد نتذكره، غير أنّا نلعب بأنفسنا. نباهي بأنّا لا نخاف الموت حتى إذا مسّنا مرض أخذنا نحارب سبب الموت.
كم هو الإنسان يكذب على نفسه بالأماني المستحيلة والأمل البعيد، والحب الذي إن كان في نفس الإنسان عذاباً. فإنه كائن في نفس الإنسانة تعذيباً لحبيبها ولنفسها. وقد يستحلي الحبيب العذوبة من العذاب. ولكن الحبيبة لا تجد إلا أنها صانعة العذاب.. صانعة العذب، فهي التعب في الحياة.. وهي التي يرغب الحبيب الزيادة من حبها.
وحين وصلت إلينا الشيخوخة، أصبحنا لا نعجب بهذا البيت.. لا نريد الزيادة ولا نستعجل النقص إنما هي الاستراحة من ذكر الموت والخوف منه ومن ذكر الحياة والرغبة فيها، حتى إذا سألت شيخاً مثلي قلت: كيف أنت وتعب الحياة؟ قال: حين كانت الكحلاء، اكتحلت أحلى؟ أما اليوم فأنا أعيش وصاحبتي كهلة، والحياة مع الكهلة حلوة حيناً ووحلة حيناً. يوم كنت أغوص في طين العقيق لم يكن وحلاً. لكن شيخوخة اليوم إذا وطئت التراب اليابس حسبته وحلاً.
إن الحياة تعمر بها الأرض والموت حياة جديدة في الآخرة وقد أعرب عنها المعري في هذه القصيدة بقوله:
خُلق الناسُ للبقاء فضلّت
أمة يحسبونهم للنفاذ
إنما يُنقلون من دار أعمال
إلى دار شقوة أو رَشادِ
وهكذا، أحسبني قد كتبت صدقاً واحترفت كذباً.
صورة
والحب قد لا يكون صداقة أو قد يكونها، لأن الحب عاطفة أكثر من عقل، فهو نفس وتنفس ليس فيه حساب كل الجوارح، وإنما هو حساب بعضها (وأسأل مجرب ولا تسأل طبيب) فالجوارح المحبة معروفة.
أما الصداقة، فعقل أكثر من عاطفة، تعظم بصدق الجوارح التي تساند وتعين ولا تعاند ولا تخون في الصديق وعقله وفؤاده، كلها وما إليها.. تصدق مع الصديق لحساب الصداقة.
وأبت تلك الصديقة المغتربة عن الوطن إلا أن تذكر صديقها مذ أصبح غريباً في الوطن، جمعت بين عقلها وعاطفتها ليستحيل بما كتبت إليه عاطفة دون عقل.
الغربة عن الوطن كرب، والغربة في الوطن مأساة، كان حنينها أنيناً فأصبح أنينها حنيناً، فالأنين واقعة والحنين هربت به الغربة في الوطن.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :625  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1080 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج