شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محمد عمر توفيق.. وإملاء الرافعي
والرافعي أبو السامي مصطفى صادق كاتب أشرق البيان على قلمه (نسيج وحده لا يذكرك بأحد ولا يذكرك به أحد) ولو كان الجاحظ كما هو وصف الأمير شكيب أرسلان له ولا هو كالمنفلوطي يقبله والزيات له ومعه، وحين قرأناه بسط سلطان بيانه علي وعلى أخي الصديق محمد عمر توفيق ومن كان معنا ولنا فمن هنا ذكر الأستاذ محمد عمر توفيق في كتابه أن الرافعي كان يملي مقالاته وما كتب، فإذا الأستاذ عبد الله مسلم ينفي أن الرافعي كان يملي ما يكتب، بينما الأستاذ محمد عمر توفيق لم تخنه الذاكرة وما كانت لتخون مثلي فتلفن إلي من المدينة المنورة يسألني عن النص الذي ذكره الأستاذ سعيد العريان في الكتاب الذي ألفه عن الرافعي (حياة الرافعي) واحتفلت بالسؤال ليكون الإثبات على ما لدينا من ثبات وما عندنا من تثبت وفي ذاكرتي أن الكتاب (حياة الرافعي) يوجد في مكتبتي ومذ أعجزتني العشوى حجزتني على أن أفتش عنه في المكتبة فكلفت إحدى بناتي لعلّها تجده وشغلت بذلك وما تشاغلت غير أنها أيام مضت وهي لا تجده فأخذتني حسرة لعلّه فقد منّ بين ما فقد من مكتبتي الثانية، فالأولى فقدت في المدينة والثانية تفاقدت حين سكنت جدة وسألت المكتبات فلم أجده وفي لحظة مسعدة جاءتني الابنة تحمل الكتاب ما وجدته بارزاً في المكتبة وإنما وجدته داخل كتاب مجلد بينما هو كاد يذوب قرطاسه من وعثاء الزمان، فقلت لها اقرئي أريد النص على أن الرافعي كان يملي وبعد يومين تشاغلت عن عملها حيث أصبح شغلها أن تأتي بالنص فإذا هو كما يأتي ففي صفحة 275 من حياة الرافعي ذكر سعيد العريان ما يلي:
((ثم أملى علي مقالة كفر الذبابة يعني بها الحكومة التركية لبعض ما ذهبت إليه في شؤون الإسلام والعربية وهي آخر ما أنشأ من الفصول على أسلوب كليلة ودمنة، وكانت مقالة كفر الذبابة هي آخر ما أملي عليّ من المقالات، وذلك في صيف سنة 1935م ثم تهيأ للسفر إلى مصيفه في سيد بشر وتهيأت للسفر للقاهرة لبعض شؤون العمل المدرسي وانتقلت بعدها إلى القاهرة فكانت فيها إقامتي فلم أكن ألقاه أو يلقاني إلا ساعات كل أسبوع فأسبوعاً أزوره في طنطا وأسبوعاً يزوروني في القاهرة. على أن الرسائل فيما بيننا لم تنقطع حتى يناير 1937. قبل موته ببضعة أشهر ثم تجافينا لشأن ما. فما التقينا إلا مرة واحدة قبل موته بشهرين وكان آخر مجلس لنا في قهوة (بول نور) بالقاهرة مع الأصدقاء شكر وزكي مبارك وكامل حبيب والسيد زيادة. ثم افترقنا بعد منتصف الليل وفي نفسي منه أشياء ص 258)).
((لم يمل علي الرافعي شيئاً بعد مقاله كفر الذبابة ولكنه طلب مني أن أنسخ له صورة من مقال كان نشره في المقتطف قبل ذلك بسنوات عنوانه سر نبوغ الأدب)).
((ثم توالت مقالات الرافعي يمليها على نفسه ويكتبها بخطه على أني بما كنت ألقاه وبما كان بيني وبينه من الرسائل إلى ما قبل موته بأشهر لم يفتني أن أعرف دوافعه إلى كثير مما كتب) ص 286)).
فهذا النص فيه الإثبات لما ذكره الأستاذ محمد عمر توفيق أي أن الرافعي كان يملي وإن كان أحياناً يكتب بيده، وأي عيب في الإملاء فتراثنا الذي ورثناه عن الرواية كان إملاء لسان ينشد شعراً يقرأ خطبة يحكي حكاية تسمع ذلك أذن رواية الأصمعي مثلاً ومن إليه فيرويها يرثها واحد عن واحد حتى انتشر القلم كان التدوين، فديوان العرب وحتى السنة شرف كل منهما الإملاء فكتب الصحاح يتلقاها حفاظها بأسلوب الرواية حتى عصرنا الحاضر، فبعض علماء الحديث رغم أن الصحاح طبعت كان يفخر بحفظه وروايته. ولكني عجبت مما كتبه العريان ففي النص الثاني وذلك قوله (ثم توالت مقالات الرافعي يمليها على نفسه ويكتبها بخطه) فالذي فهمته أن الرافعي وإن خط بقلمه على القرطاس كان يعجبه الجرس فيملي علي نفسه ليخطه بخطه على الورق، ولعلّي أفسر ذلك أن الرافعي لم يكن الأصم المطبق بل كان فيه بعض الصمم فيحب وهو ذو البيان أن يسمع جرس الكلمة التي يكتبها وبرهاني أني ولست المكاثر المفاخر بأني أستعذب الإملاء لأسمع الجرس فاللغة الشاعرة ذات جرس لقد كنت أملي وأنا أستطيع أن أخط بيدي قبل العشوى لكن الارتجال ونغم الجرس هو الذي حملني أن أملي فلا أريد أن أحيد عن هذا التفسير ولكن ما هي الجفوة التي وقعت بين سعيد العريان وأستاذه؟ أهو شعور الرافعي بأن سعيد العريان لم يكن كما كان معه.. جرفته الخصومة بين الرافعي وبعض الذين يخافهم العريان فالدكتور طه حسين يخيف ومحمد سعيد العريان لا بد أن يخاف طه حسين ويخشى العقاد فالخوف من الدكتور طه على المركز والخوف من العقاد من قسوة العقاد إذا ما غضب، ظن استملحه ولا أجرح به العريان فقد خضع زكي مبارك لمثل هذا الموقف ولكنه ما تخاضع ولعلّ العريان خاف أكثر من خوفه من طه حسين من سيد قطب يرحمه الله فقد كان قبل زعامته في الإخوان المسلمين نصيراً للعقاد خصيماً للرافعي. وأخيراً ولتمام الكلام فالرافعيون في مصر ثلاثة تنسبهم إلى الفاروق عمر وحسبهم إن كان واحد منهم ذو مكانة أمين الرافعي صاحب جريدة الأخبار التي ترملت بالخصومة فأنشأها مرة ثانية بإجازة أحمد ماهر للتوأمين اللذين مصرا الصحيفة المصرية علي أمين وأخوه مصطفى وعبد الرحمن الرافعي أخو أمين مؤرخ القومية عضو الحزب الوطني الذي لم ينضم إلى الوفد وقد دعاه الزعيم سعد زغلول فما رفض عبد الرحمن الرافعي مبادئ الوفد ولا تنقص زعامة سعد وإنما الواجب ألا يكون في صف من خاصم أخاه أمين مصطفى صادق صاحبنا في هذا المقال هو ورقة ورد في بيان اللغة الشاعرة تمصروا بصهر مصر التي صهرت شوقي ورامي بينما هم من طرابلس الشام فنشأتهم وهم أبناء القضاة مصرتهم بسرعة لم تكن لغيرهم من هذا القبيل.
وما دمت بصدد الجفوة بين الرافعي والعريان فقد وجدتني أعتذر باسم العريان لأنه وقد انقلب ظني إلى يقين جعلني لا أشتد على العريان لأنه خشي من الهجاء المقذع الذي كتبه الرافعي في كتابه (تحت راية القرآن) فالهجاء المقذع في قوله يهجو طه حسين (خنفساء ذات لون أبيض) أو الهجو بقوله (ولعلّ الإنجيل في شفاعة زوجتك المسيحية) إن الرافعي في هذا الهجو المقذع لم ينجح في رده على طه حسين فالذين ناضلوا طه حسين يوم مارس الشك في الشعر الجاهلي كانوا الأديب والأزهري والمحامي والكيميائي الأديب الأستاذ الرافعي ما صنع شيئاً والأزهري الخضر حسين في رده (نقد كتاب) لم ينتصف من طه حسين والمحامي لطفي جمعة في كتابه (الشهاب الراصد) قد أنصف نفسه وأقترب من أن ينتصف من طه حسين أما الذي انتصف ونصر الرواية وديوان العرب فهو صاحب النقد التحليلي نقد عالم لبس الأدب بروح منصفة فالهجو المقذع من الرافعي لا بد وأن أخاف العريان. فحرم من متعة التلقي لأنه ما استطاع أن يلقي بنفسه في هذه المخاطر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :797  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1077 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.