شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دموع الجوع.. طهر العفة
وأخذ الفتى ابن التربة الغزلة يتحدث إليّ بفخر صامت لأستعرض فيه العضلات، وبصمت طاهر أبكاني مذ أضحكني.. فبعض البكاء دمعة عين ولكنها بسمة فؤاد لأن بكاء الطهر الذي صان بكاء العفة يضحك الساخرين.. من أي مثل أعلى ويبكي بدموع الفرح أفئدة الذين سخرهم الحب حين طهرهم الجوع.
فقد كان جوع لفتاة من سماها أخته واتخذها أخته حب كان جديداً عليّ.. أحب نفسه فأحبها حين ارتفع عن قهر الدموع قال لنفسه حين بكت وهي تأكل بشراهة: أهكذا الجوع يقهر العفيفة.
فحين خافت وهي العذراء أن تبيح نفسها من أجل لقمة الخبز بدأت تنوح كان بكاؤها الصامت صرخة هزتني.. صهرتني مذ قهرتني فطهرتني.
فهذا الفتى من أناس كل ضيم أصابهم جره الحب عليهم، وكانت الفتاة قد دخلت المكان صاحباه صديقان لها.
أعدوا طعام الغداء (رزبخاري ومنتو) مع أنهم في بلد ليس ذلك من طعام أهلها، وإنما هو طعام أهلهم.
كان مدعواً لهذا الغداء.. فلم يكد يجلس ليشرب الشاي - (التلخ) يعني (شاهي مر بلا سكر) سكره تمر جلبوه من نخلة التربة الغزلة.
تربة العالية وقباء، لم يكد يشرب حتى شرب المفاجأة.. حين دخلت فتاة نصف وأخرى من التحف وثالثة لم تعرف الترف.. غانيات لكنهن فقيرات، وجلسن على مائدة الغداء فإذا أخته التي لم تكن أخته بالنسب وإنما أصبحت أخته بروعة السبب ودماثة الحسب وعفة الطهر.
وبدأوا يأكلون لكن فتاته أكلت بشراهة كأنها جائعة من أمد طويل كانت تأكل وتبكي.
وأراد الثلاثة أن يقتسموا فقال الفتى: اتركوا الباكية قسمي.. فخافت وأجهشت فطمأنها يقول لها: لا تخافي أنت أختي.. وصدقته حين رأت عيناه تذرفان.
وترك المكان يأخذها معه.. قالت.. إلى أين؟ قال: إلى أمك وأوصلها إلى الحي، وكان حيًّا يحبه وإن لم يكن من أهله، وإنما هو من أهل الذين أصبحوا كل أهله.. في زقاق ضيق ودخلت بيتها فاستقبلتها أمها تسألها لماذا أتيت مبكرة.. أين مالك.. جيتي بدري ليه.. فقالت لأمها: يستأذنك أخي.. معه كل شيء. فقالت أمها: من أخوك؟ فقال الفتى: هو انا. ووضع أمام أمها بضع نقوداً ولحماً وخبزاً وفاكهة.
قالت الأم: من أنت؟
قال: أنا عفتها.. أنا أخوها.. أنت أمي.. وأطمأنت الأم، ولولا الحياء لزغردت. وجلس برهة.. عرفته الأم وأكبرت حين رأت جبين ابنتها لا يتغضن من القهر.. بل رأت تورد خديها.. فقد أصبح الفتى أخاها.. أطعم جوعها وصان عرضها. وما تركهم لما وهب أولاً.. بل أجرى عليهم بعض العون. وفي سنة قادمة ذهب إلى ذلك البلد وقبل أن يستقر زار أخته فوجدها تستعد لعقد الزواج على ابن خالتها. وأخذت عنوان الفندق وفي اليوم الثاني تلفنت إليه:
- خطيبي عرف كل شيء عنك.. يريد أن يزورك.. فهل تستقبله؟ فقال بفرح شديد الحمد لله.
ووصلت إلى الفندق مع خطيبها فاستقبلهما ليقبل عليهما باحترام فالخطيب شاكر والخطيبة شاكرة، وإذا هو تذكر قول الجنيد.. الإمام الصوفي إذ سأله خاله: ما الشكر يا جنيد؟
فقال الجنيد: الشكر أن لا تعصي الله بنعمه وما ذكر ذلك إلا شاكراً.. فما عصى الله بعين ولا بأي شيء، وإنما فعل الشكر عوناً لصيانة الطهر.
وأصبحت أخته حقًّا أمام أسرتها.. بل وأمام أسرته حتى إذا تزور المدينة المنورة.. بيت أمه التي ولدته هو بيت أخته التي لم تلدها أمه، وإنما كانت وليدة الجوع أنطق الدموع فإذا الدموع ماء طاهر غسل القهر بهذا الطهر.
وانتهى حديث الفتى يقصها عليّ كأنما يجتر ذكرى عظيمة صنعها بالتوفيق أمده الله به.. فلولا أنه من نبات الحب لما كان له هذا الحب بهذا الطهر.
صورة
وأخذت أجتر حديثه فإذا أنا مع الثالث من أصحاب الصخرة التي حبست رجالاً ثلاثة داخل الكهف، فأخذوا يتضرعون إلى الله كل وما قدم حين خشي الله.
أحدهم صان الأمانة، والثاني أرضى أبويه، والثالث وكأن الفتى قد اقتدى به.. رفع نفسه عمن ملكته أمرها فأخذته خشية الله يرفع نفسه عنها، فإذا الصخرة تنفرج فرجة فرجة حتى كانت الفرجة الأخيرة بدعاء الثالث الذي طهر نفسه وصان عفه من أحبها.
هذا الخبر في حديث صحيح يعلمنا كيف نخشى الله.
وقبل هذا الفتى، وبعد ذلك الثالث أعرف رجلاً وكان في السابعة عشرة من عمره مكنته حبيبته فإذا هو وقد اتقدت شهوته أخمدت الخشية تلك الوقدة فنهض عنها يقول لها: أستري نفسك.. إني أخشى الله أن أفضحك.
حدثني بذلك وقد بلغ السبعين، وهو يبكي من حرقة الحب لها.
لماذا أتستر عليه، إنه كان أبي فإذا عمله دعاء لي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :679  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1075 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج